عدسات تطأ على المشاعر .. !!

عدسات تطأ على المشاعر .. !!

عدسات تطأ على المشاعر .. !!

الصورة بأنواعها هي امتداد للحياة. وربما هذا يُمكننا من القول بأن الصورة تلعب دورا بارزا في إعادة ترتيب الأحداث التاريخية، وفق تصور معين. فالصورة هي جزء لا يتجزأ من التكوين الإنساني، فالعائلة تفتخر بـ "ألبوم" صورها، وكل إنسان تظل ذاكرته مختزنة ملايين لصور التي رآها أو بالأصح تعرض لها منذ نعومة أظفاره.
ولعل ما ذهب إليه ميتشيل ستيفن أستاذ الصحافة والاتصال الجماهيري في جامعة نيويورك في كتابه: (صعود الصورة وانهيار الكلمة) The Rise Of The Image The Fall Of The Word أن الصورة أصبحت من الأسلحة الجديدة بالرغم من أن الكثيرين يتجاهلونها ولا يعاملونها على هذا الأساس، هو رؤية دقيقة للمدى الذي تذهب إليه الصورة على مستوى التأثير.
إن الاعتبار القائم في الإعلام بأن الصورة هي العنصر الأساسي في نقل الحدث، هو اعتبار حقيقي وواقعي، فالصورة اليوم تحكي ما لا يمكن للكلمات أن تحكيه، ومن هنا نجد أن المذياع، يعاني قصورا واضحا في التواصل مع جمهوره. كل ذلك يؤكد بأن الصورة عابرة للزمن ملغية للحدود الزمانية والمكانية، خصوصا مع التطور الهائل في العالم الرقمي اليوم، وانعكاس ذلك على معدلالت التأثير.
ولكن إلى أي حد نستطيع القول إن الوسيلة الإعلامية تملك الحق في بث صورة ما، بغض النظر عن نوع الوسيلة ؟ يرى بعض الإعلاميين أنهم ينطلقون من قاعدة The Right To Know أي الحق في المعرفة، وهم يرون أن هذا الحق مكفول للجميع . وهنا يظهر اعتبار آخر، وهو الاعتبار الأخلاقي في المسألة، فجميع التشريعات الإعلامية Media Lawsتنص على أهمية عدم اختراق حقوق الخصوصية Privacy Rights لأي إنسان، وأن اختراق هذه الخصوصية جرم يعاقب عليه القانون.
فهل من الإنسانية اختراق خصوصية عائلة للتو دفنت ابنها، في سبيل التقاط صور لهم، وتسجيل مشاعرهم؟ أي مهنية إعلامية هذه التي تسمح للإعلامي أن يقلل بعدسة الكاميرا من احترام مشاعر الآخرين. ماذا لو كان أحدنا في الموقف ذاته؟ ما الذي يمكن أن يقوله للإعلامي ؟ أخشى أن تكون الإجابة أقسى من أن تكتب هنا !!
ربما يقول الإعلاميون إنهم يؤدون واجبهم، وإن ما يقومون به هو ما يطلبه المسؤولون في الوسيلة الإعلامية!! المحزن أن هذا الأمر صحيح بالفعل، وأن الإعلامي مطالب بأن يأتي بما لم يأت به الآخرون، ولكن هل ينبغي أن يلغي هذا إنسانيتنا في التعامل مع الأحداث؟!
كل صباح تطالعنا وسائل الإعلام بمئات الصور (ثابتة أو متحركة) لمآس وكوارث ومصائب، لنساء يصرخن، لأطفال يبكون، لآباء فقدوا أبنائهم وهم يهرعون بهم إلى المستشفيات! ويبقى السؤال: من سمح للإعلاميين بالتقاط هذه الصور؟ وهل عملهم هذا يصب في المهنية البحتة ؟ هل بفعلهم هذا قللوا من آدمية الآخرين وإنسانيتهم ؟ كثيرا ما تؤرقني هذه الأسئلة، لأنني في يوم من الأيام – مع الأسف - مارست الدور ذاته!!
الصورة مهمة وأداة إعلامية رئيسة، وتقدم الكثير، ولكن الأمر المهم هي أنها مهما بلغت من التأثير فإنها لا تقدم الحقيقة كاملة، إذ تظل الحقيقة أكبر مما يمكن للآخرون تصوره أو تصويره، وكما قيل ليست الأمور دائما كما تبدو عليه!

الأكثر قراءة