التايمز: البحرين مصدر للخبرة في المنتجات الاستثمارية الإسلامية عالية التخصص
قبل فترة طويلة من التفكير في تصميم طائرة إيرباص من طراز A380، وقبل نحو 32 سنة من الإقلاع في الرحلة الأولى لطائرة الجامبو الفائقة في الأسبوع الماضي، صعد أول الركاب في مطار هيثرو على الرحلة التجارية الأولى لطائرة الكونكورد الجذابة الناعمة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت. وحين نتذكر أن البحرين، وليست نيويورك أو كيب تاون أو موسكو، هي التي حازت على شرف أن تكون وجهة أول رحلة تجارية على متن طائرة الكونكورد، فإن ذلك يعتبر شهادة على العلاقات والروابط التجارية العريقة بين لندن وبلدان الخليج. ولكنها تذكرة على مقدار التغير الكبير، وكذلك على مقدار الأمور التي لم تتغير، خلال العقود الثلاثة السابقة.
لو أن الرحلة الأولى للكونكورد كانت في هذه الأيام، فإن دبي ستكون على الأرجح هي وجهة الرحلة إلى منطقة الخليج. ولا تزال البحرين تحتفظ بمؤهلاتها الخاصة كونها تعتبر مركزاً للمصرفية الإسلامية.
البحرين والمصرفية الإسلامية
ما العمليات المصرفية التي لا تدفع الفوائد ولكن يتوقع أن تنمو قيمتها من تريليون دولار (480 مليار جنيه إسترليني) في الوقت الحاضر إلى 2.8 تريليون دولار بحلول عام 2015 ؟ والجواب، أي أعمال المصرفية الإسلامية العالمية، مهم للغاية بالنسبة لاستراتيجية البحرين لإعادة تأسيس نقسها كمركز تجاري مالي إقليمي رغم اشتداد حدة التنافس مع دبي وقطر.
إن البحرين، بعد مرور خمس سنوات على إطلاق عملية إصلاح سياسي يراقبها الجميع عن كثب، ترعى بهدوء طفرة قطاع الخدمات المالية الإسلامية، وذلك حتى تحصل على موطئ قدم لها بدلاً من المجالات التي خسرتها أمام منافسيها خلال العقد الماضي. وفي مقابلة مع صحيفة "التايمز" قال الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة، رئيس مجلس التنمية الاقتصادية لمملكة البحرين: "أظن أن من الإنصاف القول إننا كنا نركن إلى إنجازاتنا السابقة".
إن البحرين، شأنها في ذلك شأن الإمارات وقطر، التي سترتبط بها عن قريب من خلال جسر بحري، تواقة لتعزيز النمو في كل شيء من أعمال الاستثمار الدولية إلى السياحة، ولكنها تفتقر إلى طموح دبي الجامح، كما أنها لا تتمتع بما يقابل احتياطي قطر من الغاز. فالبحرين كانت أول دولة خليجية تستغل نفطها وستكون أول دولة ينفد منها النفط.
ومن هذا المنطلق فإن السوق المتخصصة للمصرفية الإسلامية هي سوق بديهية ترى البحرين الحاجة لملئها. إن 39 مؤسسة من مؤسسات البحرين المالية البالغ عددها 400 شركة تتخصص في المنتجات المصممة من خلال الالتزام بالأحكام الشرعية في مجالات القروض السكنية والتأمين والإجارة والسندات والاستثمارات الأخرى التي لا ترتبط بالصناعات التي من قبيل السجائر والخمور والقمار. وبما أن القرآن الكريم يحرم الربا، فإن هذه الأدوات المالية تعطي دخلاً على شكل هوامش ربح متفق عليها أو على شكل "رسوم إدارية".
إن أولئك الذين يختالون في مشيتهم على المسرح المالي والتجاري العالمي قد سمعوا بإمارة أبو ظبي القريبة من البحرين وبمدينة الدوحة في قطر، التي أطلق اسمها على الجولة الحالية من المباحثات التجارية العالمية. ولكن دبي تتمتع بالقيادة المالية الإقليمية. وفي حين أن المدن الخليجية المنافسة يمكن أن تستعيد سابق مجدها، وفي حين أن مدينة بومباي الهندية لها طموحات إقليمية، إلا أن دبي تتمتع بفرصة حقيقية لأن تصبح السوق الأولى والأهم بين المنطقتين الزمنيتين اللتين تقع فيهما طوكيو ولندن.
لا ينبغي لأي شخص أن يشكك في عزيمة دبي. كل ما عليك أن تفعل هو أن ترى النشاط المحموم في الإنشاءات داخل وحول هذه المدينة الصحراوية، أو حماسة بورصة دبي، البورصة الجديدة الناشئة، في عقد صفقات مع بورصة لندن وبورصة ناسداك الأمريكية وبورصة OMX السويدية. وتعمل دبي حالياً في إنشاء مركز نقل نشط يربط بين القارات، وهي تخلق صناعات في مجالات السياحة والترفيه، وتقتنص ما تستطيع وضع يدها عليه من أكثر الصناعات العالمية المتنامية إغراء وجاذبية، وهي الخدمات المالية.
هناك حافز آخر يدفع بدبي للنجاح في لعبة يمكن أن يأخذ الفائز فيها كل شيء وهي أن تصبح العاصمة المالية للخليج. ذلك أن إمارة دبي، على خلاف أبو ظبي والكويت وقطر و السعودية، فإن احتياطيها من النفط والغاز لا يكاد يذكر. وحتى تضمن دبي نجاحها، لا بد أن تكون نظيفة من الناحية المالية، وأن تقبل مبادئ المساءلة والشفافية وانضباط الأجهزة الرقابية ومتانتها. إن تطور دبي خلال العقد الماضي كان تطوراً مذهلاً، وهو يثبت أن الشرق الأوسط ليس منطقة لا أمل فيها أو انقطع منها الرجاء. وحتى تستمر في أن تكون قدوة للمنطقة وللعالم فإنه يتعين عليها أن تستمر في غرس وتعزيز النزاهة.
حصة لندن والرياض
إن لندن والرياض تتفوقان بسهولة على البحرين من حيث حصتها من سوق المصرفية الإسلامية (تبلغ القيمة الحالية لسوق البحرين في هذا المجال 10 مليارات دولار)، ولكن البحرين مصدر مسيطر للخبرة في المنتجات الاستثمارية الإسلامية عالية التخصص، كما أن سجل الشفافية لبنكها المركزي واللمسة الرقيقة للقوانين التنظيمية هي الأفضل من نوعها في المنطقة.
ينص أحد الشعارات التي وضعها مجلس التنمية الاقتصادية على ما يلي: "ليس للاعب ديفد بيكهام منزل في البحرين". إن المقارنة الضمنية مع دبي واضحة. يقول الشيخ محمد آل خليفة: "إن طموحاتنا عالية مثل الطموحات الأخرى، ولكننا نريد أن نتأكد من أن تطوراتنا يستفيد منها جميع الذين يعيشون في البحرين".
* صحيفة التايمز