تعددت الأسباب.. والحل في "الدبَّاب"

تعددت الأسباب.. والحل في "الدبَّاب"

السيارة مركبة النقل العصرية في هذا الزمان، رغم اختلاف حاجات الناس لها إلا أنها تبقى الوسيلة التي يطمح لامتلاكها الأفراد بمختلف حاجاتهم، لكن الناس في الرياض الآن "عافوها بربحها"، واتجهوا إلى وسائل نقل أخرى تلائم وضعهم الراهن، فالزحام في كل الشوارع، وما كانت السيارات توصلهم به في عشر دقائق، أضحت توصلهم به سياراتهم في ساعتين أو ثلاث على الأقل، ليبدأ العمليون منهم بالتخلي عن رفاهية السيارة ويبحثون عن "الدباب" كوسيلة تنقلك الآن أسرع من السيارة!
النقمة على السيارات لم يسببها الزحام فقط، بل غلاؤها الذي جاوز الضعف خلال السنوات العشر الماضية، وخصوصا السيارات الاستهلاكية التي يفضلها الشريحة الأكبر في السعودية لجودتها وعدم استهلاكها الوقود بشكل كبير.
قضيتنا هذا الأسبوع في "السيارة" وشجونها التي يعاني منها الناس حاليا، البائع والمشتري، السائق والطريق، المواطن والمسؤول، استمعنا إليهم، وكتبنا شجونهم، ونقلناها لكم كما هي.

حار الراغبون في شراء سيارات جديدة واستبدالها بمركباتهم العتيقة أو حتى إصلاحها في مراكز الصيانة المتعددة في مدينة الرياض، بين غلاء أسعار السيارات المدفوعة الأجر بالكامل، والشروط التعجيزية في الأقساط من جانب، و"نصب" وتحايل أصحاب الورش ومراكز صيانة المركبات من جانب آخر.
ويرى عدد من الراغبين في اقتناء سيارات جديدة أن أسعار المركبات الجديدة في غلاء مستمر وغير مبرر له، مبينين أن ما يقرأ في بعض وسائل الإعلام من إطلاق هذه الوكالة لخصومات على سيارتها وبشروط ميسرة وذلك بالنسبة للراغبين في الشراء سواء بنظامي التأجير منتهي بالتمليك أو الأقساط هي في حقيقة الأمر عكس ذلك ولا تتوافق مع ما يتم تداوله ونشره بين مختلف أوساط المجتمع، ولا تمت للمصداقية بصلة.

المقدم والمؤخر
يقول محمد السليمان، والذي وقف بنفسه على إحدى وكالات السيارات لشراء سيارة من صنع ياباني، تفأجات حينما قدمت للوكالة واستقبلني الموظف المختص عن شراء السيارات بنظام الأقساط أو التأجير، بقوله "يلزمك لشراء سيارة سواء بنظامي التأجير أو الأقساط دفعة مقدمة لا تقل عن عشرة آلاف ريال فضلا عن دفع المؤخر مع آخر قسط يتراوح بين 20 و 25 ألف ريال، وبالإمكان تقسيطك للمؤخر على دفعات إذ كنت منتظما في السداد وبعد موافقة الوكالة على طلبك في حال رغبت ذلك".
وأضاف السليمان، أن وكالات السيارات لدينا أسعارها عاليهة إذا قورنت بدول الجوار، مبينا أن البعض من الوكالات يستبدل قطعا في السيارة هي من تصميمها وضمن طرازها ويستبدلها بقطع أخرى، كي يعطيها ميزة عن السيارة الأخرى والتي من نفس نوعها وتصميمها.
وزاد: أن البقاء على السيارة القديمة هي الوسيلة الأفضل في الوقت الراهن في ظل غلاء أسعارها لمن يرغب الشراء نقدا، مبينا أن المستهلك وقع بين نار وكالات أسعار سيارتها في "العلالي" وورش لا ترحم بالنصب والتحايل على عملائها إما بتغيير قطع أصلية واستبدالها بنوع "تجاري" أو إيحاء بعض لك بوجود علل في السيارات ليكسب أكبر ممكن من المال بأي الطرق والوسائل.

السيارات الخليجية
وفي ظل هذه المجحفات التي تطال المواطن والمقيم من كل حدب وصوب، لجأ البعض من سكان السعودية وتحديدا ممن هم جغرافيا مرتبطون بأي من دول الجوار، بشراء مركباتهم من هذه الدول، فعلى سبيل المثال ترى محافظة حفر الباطن شرقي البلاد تكثر بها السيارات الكويتية، فيما ترى مدينة الأحساء بها سيارات من الدول الخليجية القريبة منها كقطر والإمارات، وذلك نتيجة لمناسبة أسعارها في هذه الدول وغلائها في السوق المحلية.
وأجمع عدد من المواطنين تحدثوا لـ "الاقتصادية" أن استمرار وضع السيارات الحالي بهذا الشكل سيسهم في شل حركة مبيعات سيارات الوكالات واللجوء والبحث عن بدائل أخرى للنقل "كالدباب" والذي تلوح البوادر أنه وسيلة النقل القادمة في ظل هذا الغلاء الفاحش من جانب ونصب وتلاعب الورش من جانب آخر.
وزاد: أن هذا سيدفع بالمستهلكين لاقتناء مركباتهم من دول الخليج حيث مناسبة الأسعار، إضافة إلى حداثة في معارضات السيارات إذا قورنت بالمركبات المعروضة في معارضنا، وخصوصا أن معظم هذه الدول لا تحظى بمساحة كبيرة، الأمر الذي يبقي على المركبة حداثة وعدم قطع لمسافات أطول.
من جانبه يرى مطر السليطي صاحب معارض سيارات في الخرج، أن البعض من أصحاب المعارض بدأوا بالبيع بنظام التقسيط أو التأجير وذلك لتسهيلها على المستهلك سواء كان مواطنا أو مقيما وذلك شريطة وجود الكفيل بجانب ضمان تحويل الراتب وغيرها من الأمور الضرورية الأخرى التي من شأنها أن تيسر للمستهلك شراء سيارته التي يرغبها بكل يسر وسهولة.

الحل في "الدباب"
وفي نفس الاتجاه اشترى مواطن في العقد الثاني من عمره من أهالي نجران ويعمل كاشيرا في أحد المطاعم في حي الشفا في الرياض، "دبابا" بعد أن انقطعت به سبل شراء مركبة جديدة أو حتى مستخدمة وذلك في ظل غلاء الأسعار، مبينا أن الدباب الذي اشتراه يفي بالغرض، حيث لا تبعد شقة عن مقر عمله سوء ثلاثة كيلو مترات.
ويقول المرهمي، إن السيارات القديمة لا تصلح أن يسير عليها ولو لأمتار وذلك لقدمها وكثرة الأعطال بها، فشراؤها قد يؤكد حجزك وتعاقدك مع ورش السيارات التي لا ترحم وتلتهم ولا تسأل، فأولى لك إما بيعها والتخلص منها أو عدم شرائها.
من جهتهم يرى اقتصاديون، أن انخفاض قيمة الدولار السوقية ستسهم في خفض السيارات من الصناعة الأمريكية سواء في السوق المحلية أو جميع الأسواق التي يوجد بها سيارات من الصناعة الأمريكية.
في الوقت الذي حافظت فيه السيارات اليابانية على أسعارها في جميع الأسواق العالمية. وقدر عاملون في سوق السيارات ارتفاع أسعار السيارات "المستعملة" بنسبة تصل إلى 25 في المائة حاليا وذلك مقارنة بالأشهر الماضية، موضحين أن ارتفاع تكلفة الشحن أدى إلى هذه الارتفاعات.
وشهد تسوق السيارات المستعملة في الرياض هذه الأيام انتعاشا ملحوظا، وذلك بعد العودة من إجازة الصيف والعيد معا، خلافا لفترة الصيف والتي تشهد بيع الوافدين سياراتهم المستعملة استعدادا للسفر إلى بلدانهم، إضافة إلى زيادة الطلب على شراء السيارات العائلية من قبل بعض السعوديين لاستخدامها في السفر عن طريق البر، وهو ما أدى بدوره إلى ارتفاع أسعار السيارات بشكل عام بنسبة وصلت إلى 10 في المائة في فصل الصيف الماضي.

الحركة تعود إلى السوق
واتفق عدد من المتعاملين في سوق السيارات على أن هناك حركة بيع وشراء في السوق على العكس مما كان سائدا خلال السنتين الماضيتين، بعدما خرج عدد كبير من المستثمرين في السوق وعلى رأسهم السماسرة "الشريطية" ودخلوا في سوق الأسهم السعودية.
وبين المتعاملون أنفسهم أن الحياة عادت لتدب مجددا في سوق السيارات نتيجة عودة المستثمرين للعمل مجددا في سوق السيارات، بعدما خيبت آمالهم "البورصة" وألحقت بهم الكثير من الخسائر، نتيجة الانخفاض المستمر الذي أصاب سوق الأسهم، مشيرين إلى أن حركة البيع والشراء واكبتها إجازة فصل الصيف ما أسهم بشكل فاعل في زيادة أسعار السيارات المستعملة بجميع أنواعها نحو 10 في المائة، مقارنة بالأعوام السابقة.
وأكد عدد من التجار والسماسرة في سوق السيارات في حي الشفا غربي الرياض، أن تراجع سوق الأسهم حصد الكثير من أموالهم التي جمعوها خلال تجارتهم في سوق السيارات قبل دخولهم تجارة الأسهم التي شهدت فورة غير طبيعية خلال عام 2005 وبداية 2006م. مشيرين في الوقت ذاته إلى أنهم عادوا إلى ممارسة تجارتهم التي يفهمونها ويعملون فيها منذ زمن وأنهم قاطعوا سوق الأسهم وانصرفوا منها دون رجعة ـ على حد قولهم ـ على أمل أن يستعيدوا ولو شيئا بسيطا من خسائرهم التي تكبدوها في "البورصة".

عودة "الشريطية"
لكن على ما يبدو أن عودة هؤلاء المستثمرين والسماسرة على حد سواء إلى سوق السيارات بعدما تجرعوا الخسائر في "البورصة" لم يكن من صالح المستهلكين، إذ يتهمهم عدد من المتعاملين في السوق بأن ارتفاع الأسعار التي تشهدها سوق السيارات المستعملة ناتج عما سموه "جشع" هؤلاء المستثمرين، وذلك رغبة في تحقيق أرباح عالية لتعويض خسائرهم التي تكبدوها في سوق الأسهم, وبالتالي سيكون المستهلك هو الضحية.
وطالب عدد من المتعاملين في السوق بضرورة تدخل وزارة التجارة والصناعة لوقف التلاعب الحاصل في أسعار السيارات، لكون المنافسة احتدمت، وأصبحت هناك ممارسات بين البائعين وعادة ما يكونون "شريطية" والمشتري في أشبه ما تكون بـ "الحرب"، الأول يريد الشراء بأسعار بخسة والبيع بقيمة باهظة، والثاني يبحث عما يعطيه القيمة العادلة لمركبته.
وهنا أبدى الكثير من المستهلكين من مواطنين ومقيمين تضجرهم حول ارتفاع أسعار السيارات، مقترحين على وزارة التجارة عددا من الحلول التي تحفظ حق الطرفين (البائع والمشتري)، من خلال لوائح تبين فيها أسعار السيارات الجديدة، والأسعار المتوقعة للمستعملة، مع ذكر نوع السيارة وموديلها ومدة الاستخدام.

الوافدون يبيعون
وفي جولة لـ "الاقتصادية" داخل سوق السيارات بين عدد من السماسرة أن السوق لم تشهد منذ فترة طويلة هذه الحركة الملحوظة في معدلات البيع والشراء اليومي، بعدما عاشت السوق سنوات من الهدوء والضعف.
يقول فهد الشنيفي ـ بائع في سوق السيارات الواقع في حي الشفا في الرياض ـ إن فترة إجازة فصل الصيف يكثر المرتادون للسوق سواء لبيع السيارات أو للشراء، فالنصيب الأكبر من الباعة هم الوافدون الذين يودون التخلص من سياراتهم والاستمتاع بالإجازة في بلدانهم، كما ترتفع حركة الشراء من قبل المواطنين الذين يتجهون لشراء سيارات لأبنائهم من الشباب الذين تفوقوا في الدراسة أو أنهوا مرحلة الثانوية العامة ويستعدون لدخول المرحلة الجامعية التي تتطلب وجود سيارة خاصة، "وربما يكون لرغبة الآباء في أن يجعلوا من السيارة مفاجأة النجاح".

لا تصدق "الشريطية"
وأشار الشنيفي إلى أن أسعار السيارات لم تشهد منذ وقت طويل هذا الارتفاع، علاوة على زيادة الإقبال، إذ راوحت أسعار السيارات اليابانية الصغيرة من موديل 2000 فما فوق بين 30 و40 ألف ريال، فيما تتجاوز هذا السعر بنسبة 5 في المائة، إذا كانت السيارة نظيفة ولم تتعرض لأي حوادث مسبقة. وأوضح الشنيفي أن صور التلاعب الحاصلة في سوق السيارات من السماسرة مختلفة ومتنوعة، حيث يكثر فيها بخس حق الكثير من البائعين الذين لا يفقهون في السوق، إضافة إلى الكذب والخداع لدرجة أن "الشريطي" على استعداد أن يحلف اليمين بأن السيارة نظيفة وبعد الشراء يتم اكتشاف الكثير من الخلل الفادح وأبشع صور التلاعب والغش.

الطلب على السيارات العائلية
أما فايز الفايز ـ بائع في سوق السيارات ـ فهو يقول إن هناك طلبا كبيرا على السيارات الكبيرة العائلية في إجازة الصيف تحديدا، وذلك للسفر عن طريق البر للسياحة الداخلية أو زيارة الأراضي المقدسة، مبينا أن السيارات العائلية أنواع منها الجمس الذي يصل سعر المستعمل منها إلى 80 ألف ريال، بينما تراوح أسعار الجيوب بين 60 و75 ألف ريال، بارتفاع بلغ 10 في المائة مقارنة بما كانت تباع قبل حلول الإجازة الصيفية.
وذكر الفايز أن حركة البيع والشراء في الوقت الحالي لم تقتصر على يومي الخميس والجمعة، بل طالت جميع أيام الأسبوع، مشيرا إلى أن الكثير من الباعة يعملون على تخزين السيارات العائلية طوال أيام السنة، بعد أن يشتروها بأسعار رمزية، ويظهروها حين قدوم إجازة الصيف، بحيث ترتفع أسعارها وتصل إلى مبالغ ترضي السمسار.

جرب قبل "العربون"
وشدد الفايز على ضرورة فحص المحرك "الماكينة وناقل الحركة "القير" وجميع محركات السيارة الأساسية قبل تقديم دفعة المقدم "العربون" للبائع، من أجل أن يرضي ضميره ويتفادى ظاهرة الغش المنتشرة في السوق، مطالبا الجهات المختصة بأهمية التدخل وتشكيل لجان تنظيمية توقف الاحتيال وتعاقب المتلاعبين.
من جانبها، التقت "الاقتصادية" مجموعة من الشبان يودون شراء سيارة مستعملة، يجوبون شوارع المعارض المكتظة بالسيارات والمارة وعلامات البؤس والضجر تظهر على محياهم من جراء غلاء أسعار السيارات، علاوة على فقدانهم أمانة السمسار الذي يبحث عما يملأ محفظته دون مبالاة للمشكلات التي قد تصيب الشخص الذي ابتاع منه سيارة دون أن يكشف له عن عيوبها.
ويرى سلطان الخالدي، أن كثرة أعطال السيارة وتردد صاحبها على ورش السيارات، يفترض على صاحبها بيعها، لأنه سينفق على إصلاحها أكثر من قيمتها وذلك إذا ساقته الأقدار عند شخص به نوع من الأمانة، أما إذا كان على العكس فإنه سيدفع عن قيمة إصلاحها أضعاف سعرها بالعشرات إذا كان من أصحاب البال الواسع في مراجعة أصحاب الورش.

الأكثر قراءة