حلول فاعلة لعلاج مشكلة التضخم في الاقتصاد السعودي

[email protected]

تنبهاً من الحكومة السعودية للارتفاع الملحوظ في أسعار عدد من السلع الاستهلاكية في الأسواق المحلية، اعتمدت الحكومة إقرار بدل غلاء معيشة بواقع نسبة 5 في المائة تراكمية لمدة ثلاث سنوات لموظفي ومتقاعدي الدولة، بما في ذلك المستخدمين، الأمر الذي يعني وفق تفسير وزير المالية الأخير في حديث صحافي له لعدد من الصحافيين، أن نسبة الـ 5 في المائة تزيد في كل عام، لتصل إلى 15 في المائة بعد ثلاث سنوات، كما أنها ستضاف بأثر رجعي بداية من أول شهر في العام الهجري الحالي (شهر المحرم).
بهدف مساعدة المواطن على تحمل أعباء ارتفاع تكاليف المعيشة، لم تتوقف الحكومة السعودية عند إقرار بدل غلاء المعيشة، وفق ما أوضحه الدكتور العساف في حديثه الصحافي المذكور، حيث قد وفرت الحكومة إضافة إلى ذلك، الدعم اللازم لعدد من السلع الاستهلاكية الضرورية، مثال القمح والأرز والحليب، والتي ستكلف الدولة نحو 12 مليارا سنويا، وبالذات حين ربط ذلك إضافة الـ 5 في المائة (تراكمية) بدل معيشة للرواتب و10 في المائة لمستفيدي الضمان الاجتماعي، مما سيرفع من إجمالي التكلفة خلال السنوات الثلاث المقبلة على الدولة إلى نحو 60 مليار ريال، كما أن إضافة مبلغ 1.2 مليار ريال لدعم مستفيدي الضمان الاجتماعي، بشكل مباشر أو من خلال كسوة الشتاء، التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين، ستعمل على تحسين المستوي الاجتماعي للمواطنين، وبالذات فئة المواطنين المستفيدين من الضمان الاجتماعي.
دون أدني شك، أن نسبة بدل غلاء المعيشة، التي أقرتها الحكومة السعودية، ستعمل وكما تهدف الدولة إلى تخفيف أعباء تكاليف المعيشة اليومية عن كاهل المواطن، وبالذات حين النظر، وكما أسلفت في مقال سابق نشر لي في "الاقتصادية" في العدد 5225، إلى حزمة القرارات المصاحبة لصدور قرار بدل غلاء المعيشة، المتمثلة على سبيل المثال لا الحصر، في تحمل الدولة لنسبة 50 في المائة من رسوم جوازات السفر ورخص السير ونقل الملكية وتجديد رخصة الإقامة للعمالة المنزلية، إضافة إلى تحمل الدولة لنسبة 50 في المائة من رسوم الموانئ، ولكن وعلى الرغم من ذلك فإن من المهم جداً، ألا ينظر إلى تلك القرارات، على أنها ستعمل في مجملها على معالجة مشكلة التضخم في السعودية، الأمر الذي يؤكد عليه تحديد الدولة لمدة ثلاث سنوات لتقييم حالة غلاء المعيشة والتضخم في المملكة واتخاذ ما هو مناسب من قرارات حيالها في حينه.
من هذا المنطلق، في رأيي أن التعامل مع مشكلة التضخم في السعودية، لربما يتطلب نظرة فاحصة دقيقة ومتعمقة للعوامل المتسببة في التضخم، ومن ثم التعامل معها بالجدية المطلوبة، من خلال إيجاد الحلول الشاملة والنهائية لها، التي تتصدرها في اعتقادي مشكلة ارتفاع نسبة السعوديين الذين لا يمتلكون مساكن، إذ تقدر تلك النسبة بنحو 60 في المائة، وبالذات من بين فئة الشباب وذوى الدخول المنخفضة، الأمر الذي يتسبب في استنزاف نحو 50 في المائة من دخولهم المتواضعة في الأساس للإنفاق على السكن، وبالذات حين ربط هذه المشكلة بالارتفاع الملحوظ التي شهدته كذلك أسعار الوحدات السكنية المؤجرة، الذي قد تجاوز ـ في بعض الحالات ـ نسبة الـ 100 في المائة، والذي بدوره يتطلب تثبيت نسبة رفع الإيجار على المستأجر لفترة من الزمن.
في رأيي أن حل مشكلة أزمة الإسكان في بلادنا، لربما يتطلب أيضاً التوسع في برامج الإسكان الشعبي وغير الشعبي، وإعادة النظر في سياسات إقراض بنك التنمية العقاري، وبالذات فيما يتعلق برفع مبلغ القرض، ليشمل ذلك قيمة البناء والأرض، بما ذلك التقصير من المدة الزمنية التي تستغرق في منح القرض.
ومن بين الحلول الفاعلة للتعامل مع مشكلة التضخم أيضا، إعادة النظر في السياسات النقدية التي تنتهجها الحكومة، وبالذات فيما يتعلق بسياسة تثبيت سعر صرف الريال مقابل الدولار الأمريكي بسعر الصرف الحالي (3.75)، الذي لربما في حاجة ماسة إلى إعادة التقييم، بالشكل الذي يحقق الرفع من قيمة الريال، بهدف تعويض الانخفاض في قيمة الريال، نتيجة للانخفاض في قيمة الدولار الأمريكي، مقابل العملات الرئيسة، والذي بدوره سينعكس بشكل إيجابي على قيمة فاتورة الاستيراد، وبالذات قيمة فاتورة الاستيراد المتعلقة بالسلع والمواد بما في ذلك الخدمات، التي تستوردها المملكة من دول منطقة اليورو لاند، واليابان.
إن التعامل مع منع الممارسات الاحتكارية، وإعادة النظر في نظام الوكالات التجارية لمنع الاحتكار، وكذلك تكثيف جهود الجهات المعنية المرتبطة، بمراقبة الأسعار ومكافحة الغش التجاري، ستعمل جميعها برأيي على معالجة التضخم، من خلال التوسيع من قاعدة المنتجات الاستهلاكية التي تباع في الأسواق المحلية، وإتاحة الفرصة للمستهلك للجوء إلى السلع البديلة المتاحة في الأسواق، التي تتناسب مع دخله وإمكانيته المالية المحدودة.
سيعمل كذلك استمرار الدولة في دعم عدد من السلع الاستهلاكية المهمة والضرورية على التخفيض من قيمتها، وبالتالي من تمكين المستهلك من شرائها بأسعار معقولة، وبالذات في حالة إحكام الرقابة على الأسعار في الأسواق وكذلك منع الاحتكار.
علاوة على ذلك فإن إعادة النظر في أسعار الخدمات الأساسية، بما في ذلك أسعار الطاقة من وقود وخلافه، وبالذات بالنسبة للمصانع، التي تنتج المواد والسلع الاستهلاكية، بما في ذلك التي تنتج المواد الغذائية، ستساعد على الخفض من قيمة تكاليف الإنتاج، مما سيمكن التاجر من بيع السلع في الأسواق بأسعار مقبولة ومعقولة للمستهلكين.
خلاصة القول، دون أدنى شك، إن الحلول التي أقرها مجلس الوزراء أخيراً للتعامل مع ارتفاع الأسعار جيدة وستأتي بأكلها، ولكن لا أعتقد أن البعض منها سيعمل على القضاء على مشكلة التضخم في بلادنا، ومن هذا المنطلق وكما أسلفت فإن الأمر يتطلب من الحكومة إعادة النظر في العديد من العوامل التي تحفز على التضخم وارتفاع الأسعار، ومعالجتها، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، الفجوة الكبيرة الموجودة بين الطلب والعرض على المساكن، ارتفاع أسعار الوحدات السكنية المؤجرة، تثبيت سعر صرف الريال مقابل الدولار وخلاف ذلك، مما سيمكننا، بإذن الله، التعامل مع مشكلة التضخم في بلادنا، وكذلك القضاء على مشكلة غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، وبالله التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي