معلمون :اتجهنا للإرشاد والوكالة بحثا عن "الهيئة المفقودة"
أكد الدكتور منصور بن عبد الرحمن بن عسكر أستاذ علم الاجتماع المساعد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض أن عملية الإرشاد الطلابي فن ومهارة يكتسبها المرء سواء من خلال التعليم أو من خلال الاهتمام و متابعة ما يجد من أساليب في هذا الميدان، كما أنها من الأهمية بمكان في مدارسنا ومؤسساتنا التربوية والتعليمية، فالمرشد الطلابي هو الجندي المجهول، وهو حلقة الوصل الفعلية بين الطالب والمعلم في المدرسة، كما أنه من ينقل الصورة لولي أمر الطالب، إذ يعتبر قلب المدرسة، فإذا صلح صلحت المدرسة.
واسترسل: المرشد هو الأب الحنون على الطلاب يلامس ما يعانون و يدافع عنهم و يحرص عليهم، و يقوم بدور كبير في توجيه وإصلاح أبنائنا الطلاب ومساعدتهم في التحصيل الدراسي لذلك ينبغي أن يأخذ مكانة خاصة لدى أبناء المجتمع. وإدراكا من المسؤولين في المؤسسات التربوية في بلدنا المعطاء، فقد أكدوا أنه يجب أن يكون داخل المدارس مرشدان طلابيان, إلا أن هنالك بعض الملاحظات ومنها أن عدد المدارس مثلا في مدينة الرياض (1700) مدرسة ونجد عدد المرشدين في المدارس الحكومية (720) مرشدا طلابيا، إضافة إلى أنه يفترض أن يكون عدد
المرشدين الطلابيين يتناسب وعدد الطلاب حيث يفترض أن يكون مرشد طلابي واحد لكل (250) طالبا وهذا ما يفسر ضعف أداء المرشد الطلابي في المدارس.
وأشار ابن عسكر إلى أن وزارة التربية والتعليم قد أسندت مهمة الإرشاد للمتخصصين في الدراسات الاجتماعية وغيرهما من التخصصات العلمية والنظرية، حتى أن من يملك تخصصات في مادة الفنية لا يستبعد أن يزاول مهنة الإرشاد ما داموا تنطبق عليهم الشروط والتي من ضمنها أن يكون قد مضى على تعيينه في التدريس أكثر من ثلاث سنوات. و للأسف أصبح بعض من يتقدم للإرشاد يبحث عن الراحة في حين أن الوزارة قد أوقفت تعيين المتخصصين في الدراسات الاجتماعية منذ فترة طويلة.
وتابع حديثه: من خلال رصدي لهذه الظاهرة ومتابعتي للعمل الاجتماعي في المدارس وجدت أن ما يلاحظه المشرفون في الإرشاد الطلابي على المرشدين الطلابيين غير المتخصصين في الدراسات الاجتماعية هي زيادة عدد العاملين من حيث العدد وليس من حيث الكفاءة والجودة، وعليه فإنني ممن يطالب بالتعاون بين التخصصات في الدراسات الاجتماعية ووزارة التربية والتعليم في تهيئة المتخصصين في الإرشاد الطلابي أثناء دراستهم الجامعية، ويكون هنالك تنسيق بين الأقسام العلمية في ترشيح من يمكن أن يصلح للعمل في المدارس، و لا يكتفى بالشهادة فقط إذ إنه يمكن أن يتخرج من الدراسات الاجتماعية وليس لديه الرغبة في العمل في الإرشاد الطلابي حيث إن عملية الإرشاد قائمة على المهارة والتكوين والاستعداد والرغبة للعمل فيها، وإذا اختل أي من هذه الأمور أثر ذلك في أداء العامل في هذا المجال.
وفي نهاية حديثه طالب ابن عسكر التربية بفتح التوظيف للعمل في الإرشاد الطلابي للمتخصصين في الدراسات حيث إنه سيسهم في تطوير التكوين الاجتماعي والنفسي لأبنائنا الطلاب وسيزيد من تفعيل وإنتاجية أداء المرشد الطلابي.
من جهته, شدد الأستاذ خالد اللزام ـ مشرف تربوي متخصص في التوجيه والإرشاد ـ على أهمية عمل المرشد الطلابي وقال:" يمثل عمله دورا مكملا لعقد العمل التربوي داخل المدرسة, إضافة إلى ربط المدرسة بالأسرة والمجتمع بشكل عام. وأشار إلى أن جميع الأعمال والمهن تخضع للمحاسبة بما في ذلك عمل المرشد الطلابي فعلى الرغم من أن مفهوم المحاسبة عمل يساعد على النجاح إلا أن الواقع أقل مما نطمح إليه في تطبيق هذه المحاسبة بهدف التطوير".
وشدد على أن المرشد قد يصطدم في عمله الميداني بنوع من المحاسبة تؤثر في إنتاجه بسبب عدم تأهيله من قبل الوزارة أو إدارات التربية والتعليم في مناطق المملكة. ويعد مدير المدرسة هو المسؤول المباشر في متابعة عمله داخل المدرسة، إضافة إلى دور مشرف التوجيه والإرشاد الذي ينفذ زيارتين أو أكثر للمرشد في العام الدراسي الواحد، كما أن هناك جهودا طيبة تهدف إلى تطوير عمله على مستوى وزارة التربية والتعليم ، إلا أن هذه الجهود لم ترتق إلى مستوى الطموحات بل في بعض الأحيان تكون جهودا مكررة سنويا.
وأضاف: رغم زيادة ميزانية برامج التوجيه والإرشاد العام الماضي إلا أنها لم تلامس ذات المرشد أو مهنيته، كما أن البرامج الإرشادية بما تحمله من موروث وأهمية للمجتمع والطالب في جميع مجالات الإرشاد الوقائي والإنمائي والعلاجي إلا أنها ما زالت تحتاج إلى مرشد مؤهل وقادر على تنفيذ برامجها بمهنية بعيدا عن الاجتهادات خاصة من قبل المعلمين المرشحين للإرشاد دون تأهيل، مع ملاحظة أن العمل التطويري يحتاج إلى توفير عدد مناسب من مرشدي الطلاب في المدارس بعيدا عن تفضل إدارة شؤون المعلمين وتأخير الترشيح حسب المسح الميداني وبعد مضي فترة من بداية العام الدراسي.
يقول المعلم يوسف الصلحاني: لعل الراغبين في التوجه لعمل المرشد الطلابي والوكيل يبحثون عن أهداف معينة وواضحة ونستطيع تقسيمهم إلى ثلاثة أقسام، الأول وهو الصحيح من وجهة نظري أن يذهب المعلم هذا مجال لأنه يرى في نفسه أنه لا يصلح إلا فيه، والثاني أن أكثر من معلم يبحث عن الوجاهة فأفراد المجتمع ممن ليسوا في المجال التعليمي ولا يملكون الخبرة في الكوادر ينظرون للوكيل والمرشد نظرة أعلى من المعلم ، وأما السبب الثالث وهو أن هناك معلمين للأسف لا يريدون أن يؤدوا عملهم على أكمل وجه بل جاءوا لوظيفة المرشد والوكيل بحثا عن الراحة.
أما المعلم سلمان الفليح فيؤكد أنه كانت للمعلم في سنوات مضت منزلة وقدر لا يماثله أحد فيه، حتى قد يصل إلى مكانة الأب في المنزل أما الآن فأصبح الطالب لا يعبأ بالمعلم وقد لا يهتم بالدراسة إجمالا وقد تكون الأنظمة الميسرة هي الدافع لإهمال الطالب وكذلك المجتمع وأصدقاء السوء، ويمكن أن يدخل ضمن ذلك إهمال المنزل وعدم التواصل بشكل إيجابي مع المدرسة. هذه الأسباب التي ذكرتها قد تكون الداعم والدافع لتحول المعلم إلى الإرشاد الطلابي أو الوكالة المدرسية، حيث إن الطالب يهاب الوكيل والمرشد الطلابي أكثر من المعلم، ومن هنا بحث المعلم إلى طبيعة عمل مختلفة عن طبيعة عمله، لكي تجلب له الوجاهة وفي الوقت نفسه الراحة، وهرب من كثرة الحصص والتحضير المدرسي والمتابعة اليومية ورصد الدرجات.
ويؤكد صالح الفهد ـ معلم تم ترشيحه أخيرا للعمل في الإرشاد الطلابي ـ أن أهم الأسباب التي دفعته لترشيح نفسه كمرشد هي في المقام الأول ضياع هيبة المعلم وقيمته، من المجتمع وبمباركة من الأنظمة الأخيرة من قبل وزارة التربية والتعليم التي تصب في صالح الطالب ظالما كان أو مظلوما.
وأضاف: أيضا من الأسباب ضغط الحصص مع الأعباء الأخرى كالإشراف الخارجي، والمناوبة اليومية، والأنشطة وغيرها، بينما الإرشاد يتعلق بأعمال مهمة ولكنها في الوقت نفسه غير مقيدة بروتين.
ويرى جمعان الزهراني مرشد طلابي أنه اتجه إلى أن يكون مرشدا طلابيا، لأن مجال الإرشاد مجال خصب يستطيع من خلاله مساعدة الطالب في المدرسة ليتحقق له التوافق النفسي والتربوي الذي يمكنه من تلقي التربية والتعليم في بيئة تربوية مناسبة.
وحول رده على من يقول إن عمل المرشد مريح ولا يتطلب العمل الكبير أجاب الزهراني: العملية التعليمية جزء لا يتجزأ ودور المرشد الطلابي هو دور مساند لدور المعلم في المدرسة فإذا كان المعلم يهتم بإيصال المعلومة إلى الطالب فقط، فإن دور المرشد يمتد إلى متابعة ورعاية ذلك الطالب الذي لم يفهم تلك المعلومة أو لديه مشكلات صحية أو ظروف اجتماعية أو مشكلات سلوكية أثرت في مستواه التعليمي والعمل على مساعدته وتهيئة الجو المناسب له في المدرسة لكي يتحسن مستواه الدراسي، هذا إضافة إلى رعاية الطلاب المتفوقين والموهوبين وتنفيذ البرامج التربوية والتعليمية والوقائية في المدرسة.
من جهته, دافع خالد العبد القادر ـ مرشد طلابي ـ عن عمله وقال:" إن من يقول إن المرشد يجد الراحة أثناء وجوده في المدرسة لا يعي تماما أهمية الإرشاد وهدفه الحقيقي فعلى مستوى المدرسة توجد حالات لا بد من متابعتها داخل وخارج المدرسة وهذا يتطلب جهدا كبيرا من المرشد فالمتابعة قد تكون في بعض الحالات دقيقة وتتطلب وقتا كبيرا، هذا بخلاف الحالات الأخرى ما بين سلوكية ودراسية والتي لابد أن يكون المرشد مهتما بإيجاد الحلول لها، وهذا ما يناقض مقولة الإرشاد هو عمل الراحة فقط.