الشعراء والكرة .. فرقهم «الدوري» وجمعهم حب «الأخضر»
تحظى الأندية الرياضية بنصيب ليس بالهيّن من كعكة الشعر، فالشاعر لم يعد كالسابق يخشى أن يفصح عن ميوله الرياضية، بل أصبح يفخر بذلك شعراً ونثراً، ولا يجد غضاضة في مهاجمة الأندية الأخرى إن تطلب الأمر ذلك.
لقد شكلت الكرة المستديرة، اللعبة الأكثر شعبية في العالم، مساحات خصبة لإبداع الشعراء، كونها تحمل في طياتها قيماً تمثلها، كالتنافس، والتفوق، والتضامن، والإبداع، والتألق، والمهارة الفردية والجماعية، فهل يجب أن يبقى حب اللعبة طي الكتمان؟
شغف رياضي
كثيرون هم الشعراء السعوديون الذين أفصحوا عن ميولهم الرياضية، في مقدمتهم الشاعر الغنائي المعاصر إبراهيم خفاجي، ناظم النشيد الوطني السعودي، والرياضي العريق الذي دخل في أول مجلس إدارة لنادي الهلال السعودي، وكتب قصيدته الشهيرة في الهلال التي يقول في مطلعها: (إذا لعب الهلال فخبروني.. فإن الفن منبعه الهلال)، وهي القصيدة، وفقاً لكتاب (أوراق من حياة الخفاجي) لمؤلفه علي فقندش، التي كتب بيتها الأول على مدخل نادي الهلال في مقره القديم.
القائمة تطول بأسماء لامعة لمثقفين وشعراء كتبوا لأندية عشقوها ونادوا باسمها في المدرجات، من أبرزهم الشاعر الراحل مساعد الرشيدي، فلا يزال محبوه يرددون بيتاً شعرياً كتبه في أرض "تويتر" في مارس الماضي منتشياً بفرحة فوز الأهلي قائلاً: "لا فاز الأهلي تنام الأرض مبسوطة.. العشب سِر ابتسامتها وفرحتها!!".
حنين الصبا
لا شك أن حب الأندية أشعل حروباً شعرية، أطفأها المنتخب السعودي الذي أنسى الناس همومهم حين كان في أوجِه، خصوصاً حينما تأهل إلى مونديال كأس العالم في تسعينيات القرن الماضي.
وحول ذلك، كتب الأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن قصيدة شهيرة في "الأخضر" منذ أكثر من 20 عاماً في حب المنتخب السعودي غناها الراحل طلال مداح رحمه الله، وفيها: (يا ناس الأخضر لا لعب.. بركان يتفجر غضب.. من وقّف بوجهه خذاه.. غلطان يا معاند بحر).
وغني عن الذكر أن الشعراء كانوا يتسابقون قبيل بدء المحافل الرياضية الكبرى، مثل المونديال وكأس آسيا وغيرها من المناسبات الرياضية، للتغني بمنتخب بلادهم، ومهارته في مقارعة الخصم.
في تلك الأحداث المهمة، كان اللاعب يجد اهتماماً رسمياً وجماهيرياً منقطع النظير، والشاعر يجد في هذه المناسبة فرصة جيدة لاستثمار شعره في أدبيات اللعبة وحث الجماهير على دعم المنتخب، لكن ذلك لا ينفي تهمة إشعال الغيرة في قلوب الشعراء، وإيقاظ حنينهم إلى اللعبة.
وبالنظر إلى مدى الرعاية والاحتفاء التي يلقاها اللاعب، تمنى البعض في أشعارهم لو عاد بهم الزمن لإكمال مسيرتهم الكروية، خصوصاً أن أغلبهم نشأ وتربى على حب هذه اللعبة الرياضية، وكانت إحدى هوايات الصبا.
شاعرات ركبن الموجة
الشاعرات لم يكنّ بعيدات عن الشعر الرياضي، رغم ذكورية اللعبة، وعدم إمكانية حضورهن للمدرجات، لكنهن وجدن فيها سبيلاً لكسب مشجعي الأندية الرياضية.
وبعيداً عن ذكر الأسماء، فإن دعم النادي الرياضي أصبح وسيلة سهلة لنيل ود جمهور الأندية الرياضية، وكسب مزيد من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ ترصد "الاقتصادية" هذه الحالة وبروزها منذ انطلاق الموسم الحالي لدوري المحترفين، إذ تثبت أنها حيلة ناجحة ومجدية.
غير أن هذا لا يعني الانتقاص من الأديبات والشاعرات ذوات الميول الرياضية الحقيقية، على خطى "الشحرورة" صباح التي غنت للناديين الأهلي والزمالك، ومثلها نجاة الصغيرة وأخريات.
حب طي الكتمان
هناك تساؤل لا يزال صداه يصدح في الوسط الثقافي: هل يجب على الشاعر أن يفصح عن ميوله الرياضية أم يجب أن تبقى طي الكتمان؟ في عديد من مقالاتهم الصحافية، فضلاً عن أشعارهم، برر الشعراء إفصاحهم عن ميولهم الرياضية بأن الشعر نافذة الشاعر إلى العالم، يفضي إليه بمكنونات صدره، حتى إن كانت لا توافق ميول الآخرين. لكن هناك من اختار الحيادية في قضية إفصاح الشاعر عن ميوله الرياضية، وقالوا إنه لا يعنيهم حب الشاعر لناديه، ما يهمهم بالأساس هو جمالية شعره.
وفي المجمل، يبدو أن إفصاح الشاعر عن ميوله الرياضية يلقى قبولاً وتقديراً لدى متذوقي الشعر وجماهير "المستديرة"، ورأياً طاغياً بشكل أكبر على المقولة التي ترى إن الشاعر حينما يكتب في حب فريق معين يخسر كثيرا من محبيه ومتابعيه من جماهير الفرق الأخرى، ويجب عدم إقحام الرياضة في الشعر.
فالشاعر الذي لا يخفي ميوله، ويعشق ناديه فائزاً ومهزوماً، هو من يلقى احتراماً لدى الأغلبية العظمى، والجماهير بدورها تجد في هذا الشاعر شفافاً ووفياً، لا منتهزاً للفرص.