الرابط بين الحيوانات المنوية والسرطان وإنزيم خطر إنشاء بشر مهجَّنين

الرابط بين الحيوانات المنوية والسرطان وإنزيم خطر إنشاء بشر مهجَّنين

يشترك الحمل والسرطان، اللذان يمثلان بداية الحياة، وغالبا، نهايتها، في تفاصيل تتعلق بالجزيئات. فالخلايا السرطانية تقوم بتكرار محتواها وتنقسم بسرعة، وهو ما يحدث مع البويضات المخصبة حديثا. وهذه العملية تتطلب إعادة برمجة جينية. ونتيجة لذلك، فإن كلا من الخلايا السرطانية والبويضات المخصبة تحتوي على كميات جيدة من إنزيم يُسمَّى المتنسِّخة العكسيةreverse transcriptase الذي يقوم علماء البيولوجيا عادة بالربط بينه وبين إصابات فيروسية معينة، منها الإصابة بفيرس آتش آي في HIV (المسبب للإيدز). ويشكل إنزيم المتنسخة العكسية جزءا من بروتين الخلية الذي يعيد إنشاء حمض الـ دي إن أيه DNA وهو عبارة عن جزيء تقوم فيه الكائنات الحية بتخزين المعلومات الوراثية من حمض الرنا RNA الذي يتسم بأنه أقل استقرارا. ولا يزال السر وراء قيام هذا الإنزيم بتلك العمليات في السرطان والأجنة لغزا محيرا، بحسب دورية "العلوم والتكنولوجيا".
يقوم الدكتور كورادو سبادافورا، الباحث في معهد الصحة القومي في مدينة روما، بدراسة هذا اللغز المؤرِّق. من المعروف أن هناك آلافا من جينات المتنسخة العكسية في المجموعة الجينومية للثدييات. ومن المحتمل أنها قد تخلَّفت عن إصابات فيروسية قديمة كانت قد هدأت ووُظِّفت بواسطة عملية التطور لعمل شيء مفيد. الدكتور سبادافورا ليس متأكدا من ماهية هذا العمل المفيد، ولكن البيانات التي قدمها في اللقاء السنوي لجمعية علم طب وجراحة أمراض الذكورة البريطانية British Andrology Society، في مدينة ليدز، تؤكد بعض الإجابات. فهي توضح أن الإنزيم أكثر من مجرد مفيد. فهو إنزيم أساسي.
وأكّد الدكتور سبادافورا أن إنزيم المنتسخة العكسية له أهمية في تطور أجنة الفئران. وقد توصل إلى ذلك بنزع الإنزيم بطريقتين. الطريقة الأولى؛ قام بتعريض الأجنة التي تم إنشاؤها في أطباق بتري إلى عقار شائع للإيدز يدعى nevirapine. ويعمل هذا العقار على إعاقة الإنزيم. وقد أدى ذلك إلى توقف نمو الأجنة حتى المرحلة التي بلغت فيها إلى أربعة خلايا كبيرة فقط. وعندما انقسمت الخلايا الأربع إلى ثمان، أضيف إليها العقار مرة أخرى، فلم يكن له تأثير. الطريقة الثانية، لاحظ الدكتور سبادافورا أن العقار لم يكن سيئا للأجنة بطريقة أخرى مجهولة عن طريق إيقاف الجينات المولدة لإنزيم المنتسخة العكسية. وحصل على نتيجة مشابهة؛ حيث لم تمت الأجنة، ومرة أخرى بدا أنها، أثناء تلك الفترة الحساسة، عالقة في مرحلة النمو الأولية.
ومن الممكن أن نجد تفسيرا لذلك في النضج الكيميائي الحيوي لأجنة مؤلفة من ثماني خلايا مقارنة بأقارب لها أصغر مؤلفة من أربع خلايا. وهناك إشارات إلى الحاجة إلى إنزيم المنتسخة العكسية لكثير من الوظائف الجنينية المبكرة المرتبطة بتجهيز الخلية للتحول إلى أنواع مختلفة من الأنسجة. اختبر الدكتور سبادافورا عشرة جينات، ووجد أن سبعة منها تكون نشطة في الأجنة السليمة، ولكنها تتعرض للتثبيط في الخلايا التي تتعرض لعقار nevirapine.
ونظرا لأن الخلايا السرطانية تحتوي أيضا على الكثير من إنزيم المنتسخة العكسية، فقد تساءل الدكتور سبادافورا إن كان إيقاف عمل الإنزيم قد يمنعها من الانقسام أيضا. وقام بزرع أربعة أنواع من الخلايا السرطانية البشرية في أربع مجموعات من الفئران. وأعطى بعضا من كل مجموعة عقارnevirapine أو شبيها له. وفي كل الحالات، كان كلما أعطى العقار مبكرا، نمت الأورام ببطء، ودائما ما كانت تتقدم بشكل أبطأ من الأورام التي تظهر على الفئران التي لم تتعرض للعقار. علاوة على ذلك، كان التأثير عكسيا. وقام الدكتور سبادافورا بسحب علاجه ليرى الأورام وهي تنمو بسرعة - تقريبا بسرعة الأورام نفسها التي تظهر على الفئران الشاهدةcontrol mice ـ ثم أعاد إعطاء العلاج ورأى الأورام وهي تنكمش مرة أخرى. وكما فعل في تجارب الأجنة، أوقف جينات الخلايا السرطانية التي كانت تقوم بإنتاج إنزيم المنتسخة العكسية، وحصل على النتائج نفسها، حيث وجد أن الأورام كانت تنمو ببطء أكبر. علاوة على ذلك، استطاعت كل من العقاقير المستخدمة وأسلوب إيقاف جينات الخلايا السرطانية من القضاء على بعض أنواع الخلايا السرطانية، الأمر الذي يؤكد أن الطريقتين اللتين استخدمهما الدكتور سبادافورا في التخلص من تأثير إنزيم المنتسخة العكسية استطاعا إحداث تغييرات جزيئية متشابهة داخل الخلايا.
إن العقاقير الشائعة المضادة لفيروس HIV تعمل على إبطاء تقدم السرطان في مرضى الإيدز قد تم التعرف عليها منذ مدة. ولكن الأطباء قد نسبوا ذلك إلى نظم المناعة السليمة التي تعززها العقاقير. وتؤكد لنا النتائج التي توصل إليها الدكتور سبادافورا آلية أكثر دقة.
وهناك تشابهات كيميائية حيوية أخرى بين الخلايا الجنسية والخلايا السرطانية. وقد نشرت مجلة "نيتشر"، أخيرا، دراسة لفرانك ماكوين الدكتور في كلية طب هارفارد تفيد بأن هناك جينا معروفا بكبحه للأورام قد تطوَّر من جين يعمل على وقف تخصيب بويضات الثدييات ذات الطفرات الكثيرة. أما الجين الأول، ويدعى p53، فيقوم بدفع خلايا الجسم إلى إتلاف نفسها إذا أصيبت بتغيرات سرطانية. والجين الذي اكتشفه فرانك ماكوين ومجموعة الباحثين الذين يشرف عليهم فيدعى p63 ويقوم بدفع البويضات التي بها أكثر من نحو ثلاثة تكسّرات في حمض DNA إلى إتلاف نفسها. وهذه وظيفة مهمة نظرا لأن البويضات البشرية لا يمكن استبدالها، على عكس معظم الخلايا في الجسم. وبدلا من استبدالها، يتم إيقافها في حال انقسام جزئية حتى يأتي وقت الحاجة إليها للتزويد بعدة عقود من الطفرات. ومن الممكن أن يقوم جين p63 أيضا، على حد قول الدكتور ماكوين، بتنسيق عملية إصلاح حمض الـ دي إن إيه في البويضات التي تضم أقل من ثلاث تكسّرات. وإذا صحت هذه الفكرة، فقد يصبح أداة يستخدمها الأطباء في تحسين الخصوبة لدى النساء الذين تتعرض بويضاتهن إلى التلف بواسطة العلاج الكيميائي أو الإشعاعي.

الأكثر قراءة