فرصة واعدة لشركات الخدمات المالية في المنتجات المتوافقة مع الشريعة
توقع محللون أن يستفيد قطاع الخدمات المالية من التحولات الاقتصادية الحالية التي تشهدها المنطقة من تقديم الخدمات الاستثمارية الإسلامية من أجل تلبية الطلبات المتزايدة باستمرار من جانب العملاء الذين يرغبون في الحصول على العمليات المصرفية القائمة على المبادئ الإسلامية ضمن المعايير الاستثمارية العالمية.
وتعد أسواق المال العالمية هدفا كبيراً بالنسبة للخدمات المالية الإسلامية، ومع دخول مصارف جديدة تقدم هذه القنوات الاستثمارية وتحول بعض المصارف التقليدية إلى تقديم الخدمات الإسلامية وإنشاء شركات تمويل إسلامي من قبل مصارف أخرى, فمن المتوقع أن ترتفع حصة التمويل الإسلامي في أسواق المال الخليجية والعالمية بشكل عام في ظل ارتفاع حجم الثروات الخاصة, إذ قدرت مجموعة "ميريل لينش" في تقرير حديث لها نمو الثروات الخاصة في منطقة الشرق الأوسط بنحو 8 في المائة سنوياً.
وفي السوق السعودية يتنافس على تقديم الخدمات المالية الإسلامية والتقليدية ما يزيد على 80 شركة محلية ودولية, حيث تعتمد غالبية هذه الشركات على استقطاب لجان للرقابة الشريعة مكونة من عدد من العلماء والمتخصصين في الاقتصاد الإسلامي، وتتميز السوق السعودية بجاذبية عالية عند المستثمرين الأجانب فيما يخص تقديم خدمات التمويل والاستثمار المتوافقة مع الشريعة الإسلامية, التي تلقى قبولا واسعا في أوساط المستثمرين السعوديين.
وتنطلق شركات الخدمات المالية والمصارف الإسلامية في هذا الجانب من زاوية أن مفهوم التمويل الإسلامي أصبح يتبلور يوماً بعد الآخر وأخذ يسجل نجاحات من حيث النمو والربحية مع ميل ظاهر نحو الابتكار المتوافق مع الأسس الشرعية. وقدرت تقارير دولية أن تتجاوز أصول المصارف الإسلامية مجتمعة 265 مليارا، أما استثماراتها فتبلغ نحو 400 مليار دولار وودائعها نحو 200 مليار دولار.
وتسعى شركات الخدمات المالية العاملة في السوق السعودية إلى التعدُّد والتنوع في منتجاتها المطروحة لتكسب ميزة إضافية، ومع تنوُّع حاجيات العملاء بات لزاما على المؤسسات المالية الإسلامية أن تقدم حلولاً استثمارية وتمويلية تناسب كل الفئات المستهدفة وتلبي رغباتها وحاجياتها. وطرحت بعض المنتجات الاستثمارية مثل صناديق الاستثمار في الأسهم المحلية والخليجية والدولية وصناديق العقار وإدارة الأصول وغيرها من الخدمات الاستشارية والتمويلية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.
وفي هذا الإطار أطلق العديد من الشركات منتجات مالية تتوافق مع الشريعة الإسلامية ومقتضياتها، وتوفر فرصا استثمارية بعد الموافقة على هذا المنتج من قبل هيئة الفتوى والرقابة الشرعية لهذه الشركات، وتقوم الهيئة بالرقابة المستمرة على عملية الاستثمار في المنتج. ويعده اقتصاديون خطوة جيدة من شركات الخدمات المالية تعكس ابتكار وتطوير حلول استثمارية متوافقة مع الشريعة من جهة وتلبي احتياجات كل شرائح المستثمرين من المؤسسات والأفراد في الأسواق المحلية والإقليمية والعالمية من جهة أخرى.
يرى الخبراء أن نجاح الخدمات المالية الإسلامية في تقديم خدمات تمويلية واستثمارية مرنة وقابلة للتعديل، يعد نافذة أولى إلى المنافسة في ظل تعقد العمل المالي والاستثماري وتعدد قنواته على المستويين الإسلامي والتقليدي. وتتوافر في الدولة العديد من المقومات التي تساعد المصارف الإسلامية المحلية على تحقيق انطلاقة قوية تعزز من مكانتها المالية والتنافسية وتؤدي بالتالي إلى كسب المزيد من قواعد العملاء.
وعلى الرغم من أن بعض شركات الخدمات المالية والمصارف الإسلامية تسعى إلى تقديم خدمات موازية للمنتجات التقليدية، إلا أنه لا توجد حتى الآن أسس محددة تحكم حالات الفشل، ومنها أن بعض المنتجات المالية لا يستوجب عليها عائد محدد مسبق وتخضع لمعايير الربح والخسارة ويصعب عندها تفادي عمليات التعثر وغيرها.
ويرى خبراء في الاقتصاد الإسلامي أن دور الهيئات الشرعية لا يفترض فيه أن يكون مكان تصميم المنتجات المالية الإسلامية أو تطويرها، وإنما دورها في بيان الحكم الشرعي والرقابة على التنفيذ. حيث أشاروا إلى أن هناك عددا من الإشكالات التي تواجه تطوير المنتجات المالية الإسلامية من حيث آليات وممارسات المنتجات والدور الذي تلعبه الإدارات الشرعية في مراحل صياغة المنتج وظهوره.
وأكد باحثون في حلقة نقاش نظمتها الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد أخيرا في الرياض عن "تطوير المنتجات المالية الإسلامية" بالتعاون مع المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية حول ثقافة المؤسسات, رأى المشاركون ضرورة تطوير الموارد البشرية للمواءمة مع تطوير المنتجات, والعمل على إيجاد الحوافز والاهتمام من الإدارات العليا وتخصيص موازنات مالية كافية للبحوث والتطوير والارتفاع بالنظرة المستقبلية في المؤسسات المالية وعدم حصره في الربح السريع, وكذلك الارتفاع بعمل إدارات التطوير في المؤسسات المالية والعمل على تقوية القناعة الشرعية بالحلول الاقتصادية الإسلامية، وإيجاد لجنة عليا تشتمل على أشخاص شرعيين ولها صلاحيات في التطوير، وكذلك السعي إلى استشعار هم الاقتصاد الإسلامي من جميع أعضاء المؤسسة, والعمل على التأهيل الفني للشرعيين والتأهيل الشرعي للموظفين، وضرورة دفع المؤسسات التقليدية إلى التطوير سواء بوجود الملكية الفكرية أو دون وجودها والسعي إلى أن تكون المؤسسات المالية ذات تميز وريادة، وكذلك ضرورة القيام بالتطوير للمنتجات الأصيلة، والتوعية المستمرة بأهمية إثراء الشريعة بالمنتجات المالية المناسبة للتطوير والإسهام في إخراج المنتجات الجديدة.
ومع التطور السريع والطلب المتزايد على الخدمات المالية الإسلامية إلا أن خبراء اقتصاديين دعوا إلى مساهمة شركات الخدمات المالية في تمويل منح دراسية لتأهيل شباب سعوديين متخصصين في القضايا المالية الإسلامية لمواجهة النقص في عدد العلماء المتمكنين في تطوير المنتجات المالية الإسلامية المتوافقة مع أصول الشريعة، وأشاروا إلى أن ذلك سيسهم في سد الفجوة في ندرة الكوادر البشرية المؤهلة مقابل الزيادة في عدد الشركات المنضمة إلى القطاع.
وأكدوا أن تعاون شركات الخدمات المالية على تأسيس كيان تدريبي أو تعليمي يهتم بتأهيل هؤلاء الشباب سيسهم وبشكل فاعل في فتح فرص وظيفية في مجال مملوء بالفرص الاستثمارية الواعدة.
وكشفت دراسات سابقة لشركات متخصصة في مجال الاستشارات الإدارية عن وجود نقص في الخبرات والكفاءات المتخصصة في مجال الخدمات المالية الإسلامية وأن هذا القطاع يحتاج إلى نحو 30 ألف وظيفة جديدة في دول مجلس التعاون الخليجي.
وتضم هيئة الفتوى والرقابة الشرعية علماء متخصصين في الشريعة الإسلامية ولهم إلمام بالنظم الاقتصادية والقانونية والمصرفية بصفة عامة, ويتم تعيين الهيئة من قبل مجلس إدارة الشركة. وتتولى الهيئة استحداث صيغ استثمارية وتمويلية شرعية، إضافة إلى صياغة ومراجعة عقود تلك الصيغ والإفتاء في كل ما تعرضه عليها الإدارة من قضايا العمل ومستجداته أو يرفعه إليها المراقب الشرعي من استفسارات أو ملاحظات تتعلق بالأداء التنفيذي لشرعية التعامل المالي. وتعمل الهيئة على التأكد من أن أعمال الشركة أو البنك تتم وفق أحكام الشريعة الإسلامية وطبقاً للفتاوى الصادرة عنها.
ودعا عدد من المنظمات المالية الإسلامية إلى ضرورة تبني الشركات والمصارف المالية الإسلامية وجود بحوث لتحديد احتياجات العملاء وضرورة أن تبدأ البحوث من احتياجاتهم, وكذلك إيجاد مسح اجتماعي مع العملاء. وتقوية التواصل معهم لمعرفة احتياجاتهم. والعمل على التثقيف الشرعي للعملاء وتمكين العميل من الاطلاع على تفاصيل الفتوى الشرعية وإيجاد بحث للاحتياجات الشرعية للعملاء، وتلمس مواطن القلق لديهم، وكذلك الحث على وجود الشرعيين في عمليات بحوث السوق.