صحافة «التأسيس» السعودي .. تصدت للأكاذيب و«عونك اللهم» أول افتتاحية في تاريخها

صحافة «التأسيس» السعودي .. تصدت للأكاذيب و«عونك اللهم» أول افتتاحية في تاريخها

الملك عبدالعزيز مطالعا إحدى الصحف في زيارته لأرامكو عام 1947.

صحافة «التأسيس» السعودي .. تصدت للأكاذيب و«عونك اللهم» أول افتتاحية في تاريخها

الملك عبدالعزيز جالسا وخلفه يقف مستشاره السياسي وأول رئيس تحرير الشيخ يوسف ياسين.

صحافة «التأسيس» السعودي .. تصدت للأكاذيب و«عونك اللهم» أول افتتاحية في تاريخها

عاصرت أحداثا سياسية وعسكرية فارقة، كضم جدة 1344هـ وإنشاء مجلس الشورى 1345هـ، وإعلان مسمى المملكة العربية السعودية 1351هـ.

لم يكن يدور بخلد كثير من المتابعين حول العالم أن عبدالعزيز "البدوي" القادم من الصحراء الذي لا يزال يحارب هو ورجاله على ظهر الخيل والجمال، يدرك قيمة الصحافة والإعلام ودورهما المفصلي في بناء الدول إبان نهاية العشرينات الميلادية، لكن المؤسس فاجأ العالمين العربي والغربي - كما فاجأهم في مواضع سابقة - بإصدار أول صحيفة سعودية، توصف اليوم بالرسمية، لكنها في ذلك الوقت كانت "شعبية" بامتياز. إذ واكب انطلاق عددها الأول دخول المؤسس مكة، ودعوته أهالي جدة إلى الانضمام وسط تفاعل شعبي اتفق في أغلبه مع المؤسس وخيار السلم، حفظا للأرواح واستمرارا للم الشمل وتوحيد الدولة. أدب وبطولة قد اختار الملك لهذه الصحيفة الناشئة حينها اسم "أم القرى" تيمنا بالمكان والزمان، في حين رأس تحريرها رجل من أقرب الناس إلى الملك، مستشاره الشيخ يوسف ياسين، السياسي والأديب الذي رافق الملك عبدالعزيز في رحلته الأولى على ظهور الجمال عام 1343هـ، وألف بعد ذلك أشهر كتبه "الرحلات الملكية"، أول مدير للمطبوعات ورئيس للشعبة السياسية كما تولى إدارة وزارة الخارجية بالنيابة، وشهد موقعة السبلة مع الملك عبدالعزيز. لتلتقي البطولة بالأدب والسياسة، في افتتاحية أول عمل صحفي سعودي، وتحديدا في اليوم الثاني عشر من الشهر الأخير لعام 1924 بعنوان "عونك اللهم"، وفيه استعرضت الصحيفة أمام الرأيين العامين الداخلي والخارجي الأهداف التي من أجلها أنشئت كواسطة مع العالم الإسلامي كما عرضت في صفحتها الأولى "بلاغا" من الملك عبدالعزيز "السلطان" حينها، موجها إلى من هم في مكة وضواحيها من سكان الحجاز، يبين فيه الأسباب التي دعته إلى دخول الحجاز ومكة، الموقف الحربي حول جدة ورؤية الملك للحكم والمستقبل، إضافة إلى تنويه مهم يخص العالم الإسلامي على وجه العموم، في إشارة إلى ما أرسله الإمام عبدالعزيز قبل توجهه إلى مكة للممالك الإسلامية، طالبا منهم مندوبين للمساعدة في وضع إدارة منظمة في الحجاز، تكفل راحة الحجاج وأمنهم. دولة الحق ورغم حساسية الموقفين الأمني والسياسي إلا أن ذلك لم يمنع من البدء في إصلاحات خدمية وبلدية محلية استعرضها العدد الأول من الصحيفة في بيان يحذر بعض التجار المحتكرين من استغلال اضطراب الأحوال ويدعو الإدارة البلدية إلى النظر في شأنهم، فضلا عن الإعلان ببدء العمل على إصلاح أسلاك التليفونات التي تعطلت في مكة المكرمة، من قبل مصلحة البريد والبرق. #2# مشهد مدني متفرد لبناء الدولة، كان للصحافة فيه دور أصيل وحيوي، مشهد سابق لعصره، على الأقل في هذه البقعة من العالم بسبب الصعوبات المعيشية والسياسية، وهذا ما أشاع جوا من التكاتف المفند لجملة أكاذيب الغزو وإراقة الدماء، التي حاول تضخيمها البعض قاصدا التجييش والاصطياد في الماء العكر، محليا ودوليا. جرعات تثقيفية تتوالى الأعوام والصحيفة تواكب أهم الأحداث السياسية وأدقها دوليا ومحليا، مع جرعات تثقيفية، صحية وتعليمية وأدبية، عِقدان من الزمان في حضرة الملك المؤسس زادا من ألقها التاريخي، فهي الجريدة الوحيدة التي عاصرت أحداثاً سياسية وعسكرية فارقة في مسار الوطن، كضم جدة عام 1344هـ، وإنشاء مجلس الشورى عام 1345هـ، وإعلان مسمى المملكة العربية السعودية عام 1351هـ: "نزولا عند رغبة الرأي عام" كما ذكر في الأمر الملكي رقم 2716. بمعنى أنه قرار شعبي وليس فرديا، ولذلك قصة شهيرة لاجتماع للأعيان والوجهاء في الطائف، تقرر بعده اختيار هذا الاسم الجامع الذي يرمز بحسب بيان الإعلان إلى الوحدة المتحققة بقيادة الملك عبدالعزيز بن سعود. شريك فاعل ولأن المؤسس يؤمن بأن الصحافة عنصر شريك ورئيس في البناء والتواصل، فقد انحاز المؤسس لهذا الحضور حتى في أحلك الظروف، فبسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية، ارتأت الجهات المعنية إيقاف كثير من الصحف، لشح الورق وتكلفة الطباعة المرتفعة، بينما استثنت من هذا الأمر الواقع كما يقول المؤرخون جريدة أم القرى التي توقفت فقط مدة ثمانية أسابيع ليُطلق عليها وبجدارة لقب الجريدة "المدللة"، لتتجاوز "أم القرى" هذا المأزق الذي لم تستطع تجاوزه كبرى الصحف العربية والعالمية، ودائما بتوجيه ورؤية المؤسس الذي بادر بإرسال الشيخ عبدالله السليمان وزير المالية في ذلك الوقت لتأمين الورق من بعض الدول المجاورة على وجه السرعة، وبالفعل عادت "أم القرى" للصدور من جديد، لكن بحجم صغير وبصفحتين فقط طيلة مدة الحرب. #3# يبقى أن الأمر لا يتعلق بصحيفة دون غيرها، لكنها رؤية المؤسس الشاملة، لبناء الدولة، وللصحافة، كشريك فاعل ومهم في تقديم المعلومة الموثوقة والنقد الحصيف، وهو ما استمر على خطاه إلى اليوم أبناؤه من بعده، في تقدير واضح لأهل العلم والرأي والمشورة، وفي تواصل واتصال مستمرين يؤكدهما الحضور الإعلامي الأول والمكثف، المرافق دائما لقيادات الوطن والمتابع لرؤاه الحاضرة والمستقبلية.
إنشرها

أضف تعليق