صندوق النقد: دول الخليج بحاجة إلى تعديل معايير العملة الموحدة

صندوق النقد: دول الخليج بحاجة إلى تعديل معايير العملة الموحدة

في الوقت الذي راجت فيه الأنباء عن توجه دول مجلس التعاون الخليجي لتأجيل موعد تنفيذ الوحدة النقدية والعملة الموحدة التي من المفترض أن تكون 2010, اتفقت دراسات صادرة عن مؤسسات دولية على ضرورة قيام دول المجلس بإعادة النظر في معايير الوحدة النقدية وذلك لضمان الاستقرار الطويل الأجل للوحدة النقدية وعدم تعرضها لهزات في حالة نضوب النفط عند بعض هذه الدول أو في حالة تراجع إيرادات النفط في المستقبل.
وأفرد صندوق النقد الدولي ملحقا خاصا عن تجربة الاتحاد النقدي الخليجي في تقريره السنوي "تقرير التنمية والتجارة 2007" الصادر أخيرا، قلل فيه من مخاطر ربط العملات الخليجية بالدولار على المدى المتوسط بالنسبة للاقتصادات الخليجية. وأرجع التقرير محدودية تلك المخاطر إلى أربعة عوامل رئيسية: أولا، باستثناء عامي 1991 و1995، فقد كانت علاقة معدلات التضخم الخليجية والأمريكية عكسية خلال الفترة 1980 – 2005. وثانيا، لكون دول المجلس تعتمد بصورة رئيسية على تصدير النفط الذي يعتبر الطلب عليه غير مرن بالنسبة للأسعار. ثالثا، أسواق العمل في دول المجلس سواء حجم العمالة أو تكلفة العمل تتمتع بمرونة كبيرة نظرا لاعتمادها الكبير على الأيدي العاملة الأجنبية، وهو ما يمثل عاملا إيجابيا في تقليص الآثار السعرية للهزات وبالتالي الحاجة إلى إعادة تقييم أسعار الصرف. ورابعا، إذا ما استمر انخفاض قيمة الدولار أمام اليورو، فإن الأسواق الأوروبية ستصبح هدفا للصادرات غير النفطية الخليجية ما يسمح بتنويع الصادرات الخليجية بصورة أكبر.

في مايلي مزيداً من التفاصيل:

في الوقت الذي راجت فيه الأنباء عن توجه دول مجلس التعاون الخليجي لتأجيل موعد تنفيذ الوحدة النقدية الخليجية اتفقت دراسات صادرة عن مؤسسات دولية على ضرورة قيام دول مجلس التعاون الخليجي بإعادة النظر في معايير الوحدة النقدية فيما بينها وذلك لضمان الاستقرار الطويل الأجل للوحدة النقدية وعدم تعرضها لهزات في حالة نضوب النفط عند بعض هذه الدول أو في حالة تراجع إيرادات النفط في المستقبل.
فقد أفرد صندوق النقد الدولي ملحقا خاصا عن تجربة الاتحاد النقدي الخليجي في تقريره السنوي "تقرير التنمية والتجارة 2007" الصادر أخيرا، قلل فيه من مخاطر ربط العملات الخليجية بالدولار الأمريكي على المدى المتوسط بالنسبة للاقتصاديات الخليجية. وأرجع التقرير محدودية تلك المخاطر إلى أربعة عوامل رئيسية: أولا، باستثناء الأعوام 1991 و1995، فقد كانت علاقة معدلات التضخم الخليجية والأمريكية عكسية خلال الفترة 1980 – 2005، على الرغم من أن الفروقات بين الإثنين آخذة بالتقلص. وثانيا، لكون دول المجلس تعتمد بصورة رئيسية على تصدير النفط الذي يعتبر الطلب عليه غير مرن بالنسبة للأسعار، فإن الارتفاع المعتدل في معدلات الصرف لا يمثل مشكلة رئيسية في المدى القصير. ولكن سوف يضر بجهود دول مجلس في مجال تنويع الصادرات غير النفطية الموجهة للولايات المتحدة وآسيا. وثالثا، أسواق العمل في دول المجلس سواء حجم العمالة أو كلفة العمل تتمتع بمرونة كبيرة نظرا لاعتمادها الكبير على الأيدي العاملة الأجنبية، وهو ما يمثل عاملا إيجابيا في تقليص الآثار السعرية للهزات وبالتالي الحاجة إلى إعادة تقييم أسعار الصرف. ورابعا، إذا ما استمر انخفاض قيمة الدولار الأمريكي أمام اليورو، فإن الأسواق الأوروبية سوف تصبح هدفا للصادرات غير النفطية الخليجية ما يسمح بتنويع الصادرات الخليجية بصورة أكبر، وهذا ما يحدث حاليا حيث تتعاظم الشراكة التجارية بين الاتحاد الأوروبي ودول التعاون على الرغم من أن الميزان التجاري يميل لصالح الأوروبيين طوال السنوات العشرين الماضية.
ويلاحظ التقرير أن الارتفاع الكبير في الموارد النفطية منذ عام 2004 ساعد دول التعاون على الإيفاء بمعايير الوحدة النقدية التي وضعتها وهي: أولا: أن تقل نسبة العجز في الموازنة عن 3 في المائة من الناتج المحلي وثانيا: أن تقل نسبة الدين العام عن 60 في المائة من الناتج المحلي وثالثا: أن تزيد الاحتياطيات الأجنبية عن أربع مرات من قيمة الواردات ورابعا: أن لا تزيد الزيادة في سعر الفائدة لدى أي دولة نسبة 2 في المائة فوق متوسط سعر الفائدة للدول الأعضاء الأقل من حيث معدلات التضخم وخامسا: أن لا يزيد معدل التضخم لدي أي دولة عن 2 في المائة فوق متوسط معدل التضخم للمجموعة ككل. وقد أعلنت سلطنة عمان أنها سوف تنظم للاتحاد النقدي في موعد لاحق عن الموعد المحدد. إلا أن المخاوف تثار عندما ينظر في سيناريو الانخفاض الكبير في إيرادات النفط، عندها سوف تواجه دول التعاون عجزا ماليا كبيرا، وبالتالي ارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي كما حدث خلال فترة الثمانينيات. لذلك، تبرز مقترحات بأن تتبنى دول التعاون معيار الإيرادات غير النفطية لقياس العجز المالي. إلا أن التقرير يستدرك أيضا أن الطلب على الأنشطة غير النفطية مرتبط بدرجة كبيرة بالإيرادات النفطية, وبالتالي، فإن أداء القطاع غير النفطي معتمد بدوره على أسعار النفط، وهكذا فإن الإيرادات غير النفطية سوف تكون خاضعة للتقلب حالها حال الإيرادات النفطية.
وقد اتفقت دراسة أعدها مسؤول الخزانة والأسواق العالمية في بنك ستاندر شارترد السيد دانيل حنا أن دول مجلس التعاون الخليجي اتفقت على تبني نفس معايير الوحدة الأوروبية الخمس السابقة حسب اتفاقية ماسترخيت. وفي حين اعتبرت اتفاقية ماسترخيت هذه المعايير شرطا للانضمام للاتحاد الأوروبي، فإنه في حالة الدول الخليجية اعتبرت معايير لازمة للتوصل إلى الوحدة النقدية عام 2010.
وأوضحت الدراسة أن ارتفاع أسعار النفط خلال السنوات الثلاث الماضية، مكن جميع الدول الخليجية الست من الالتزام بالمعايير الأربع الأولى في نهاية عام 2005. بينما في عام 2004 كان المعيار الثالث بالنسبة البحرين أقل من النسبة المستهدفة بقليل (الاحتياطيات تعادل 3.8 مرة من الواردات)، والمعيار الثاني لدى السعودية يتجاوز قليلا النسبة المستهدفة حيث كان نسبته 65 في المائة إلا أنه انخفض إلى 41 في المائة عام 2005.
أما بالنسبة للمعيار الخامس والخاص بالتضخم فقد مثل بعض التحدي خاصة في البحرين وقطر والإمارات، حيث زاد في البحرين معدل التضخم بنسبة بسيطة، بينما اتسم الاقتصاديان القطري والإماراتي بارتفاع معدلات التضخم فيهما طوال العقد الماضي. ومع ذلك، لم يكن لهذا الارتفاع تأثير واضح على القدرة التنافسية للصادرات من خلال التأثير على أسعار الصرف كون معظم الصادرات تتمثل في النفط (60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي).
وفي الوقت الذي يبدو واضحا أن معايير التوصل والدخول في وحدة نقدية خليجية عام 2010 تبدو للوهلة الأولى ممكنة التحقق في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، فإن إضفاء الاستقرار الطويل الأجل على هذه الوحدة يتطلب إعادة النظر في بعض معايير الوحدة النقدية المشتقة من التجربة الأوروبية نظرا لاختلاف الأوضاع والهياكل الاقتصادية للبلدان في كلتا المجموعتين. ففي حالة الدول الخليجية الست، فإن الاستقرار الطويل الأجل للوحدة النقدية سوف يعتمد على ثلاثة عوامل رئيسية أولا الانخفاض التدريجي في الإيرادات النفطية، حيث من المعروف أن ثلاث دول خليجية هي البحرين وقطر وسلطنة عمان يتوقع نضوب مواردها النفطية خلال العقدين القادمين. غير أنه في حالة قطر سوف تعوض ذلك عن طريق إنتاج الغاز الذي يتوقع أن تكفي احتياطياته لمدة 300 سنة وفقا لمعدلات الاستهلاك الحالية. وثانيا عملية التنويع الاقتصادي وخفض الاعتماد الكبير على الإيرادات النفطية، حيث يلاحظ هنا أيضا تفاوت درجة نجاح الدول الست في تحقيق هذا الهدف. وثالثا، الضغوط المتعلقة بالنمو السكاني وأسواق العمل، حيث تعاني بعض الدول الخليجية ضغوطا حادة فيما يخص توفير فرص العمل للمواطنين بينما لا تزال هذه الضغوط في بدايتها في دول أخرى. وتبلغ نسبة المواطنين الخليجيين ما دون سن العشرين نحو 50 في المائة من السكان، بينما يتوقع نمو حجم القوى العاملة بنسبة 3 في المائة حتى عام 2020. لذلك، فإن معدلات البطالة في بعض هذه الدولة بدأت منذ الآن بالارتفاع إلى مستويات مقلقة.
ونظرا لهذه الأوضاع، فإن دول الخليج الست سوف تواجه تحدي التعويض عن الإيرادات النفطية في أزمنة متفاوتة بعضها خلال عشرين عاما والبعض الآخر مثل دولة الإمارات خلال مائة عام. كما أن زيادة مساهمة العمالة الوطنية في القوى العاملة سوف يكون له مردود إيجابي على الاقتصاد ككل، إلا أنه سيقلص من مرونة تكيف هذه الأسواق من حيث الأجور في حالة تراجع النشاط الاقتصادي. كما أن معدلات الصرف سوف تتأثر بدورها من هذه الفروق في الأداء الاقتصادي.
ونتيجة لهذه المعطيات، توضح الدراسة أن معايير الوحدة النقدية الأوروبية غير دقيقة في حالة الدول الخليجية الست، وخاصة معيار نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي والذي يفترض أن لا يتجاوز نسبة 60 في المائة. ففي حالة الدول الأوروبية، تم وضع النسبة كمعيار حمائي كي لا ينتقل الوضع المالي المتدهور في أي بلد أوروبي إلى البلدان الأخرى، ويعرض الاستقرار النقدي الأوروبي للخطر. كما أن اختيار هذا المعيار والمعيار الأول الخاص بنسبة العجز إلى الناتج المحلي استند على التوقعات المستقبلية الطويلة الأجل لمعدلات التضخم (2 في المائة) والنمو الاقتصادي (3 في المائة). إلا أنه في حالة الدول الخليجية، فإنه لا يمكن الركون على مثل هذه التوقعات كونها تتجاهل حقيقة دور الإيرادات النفطية وتأثيرها على نسبة العجز إلى الناتج المحلي ونسبة الدين العام إلى الناتج المحلي (المعيارين الأول والثاني).
ففي الدول المعتمدة على النفط، فإن زيادة الإنفاق العام مرتبطة بزيادة الإيرادات النفطية المرتبطة بدورها بزيادة أسعار النفط في الأسواق العالمية. ولكن أظهرت التجربة السابقة في حالة عدم استمرار ارتفاع أسعار النفط العالمية، فإن دول الخليج الست لا تتمكن من خفض النفقات بنفس وتيرة انخفاض الإيرادات، وأنها تلجأ إما إلى استخدام الاحتياطيات النفطية أو الدين العام كما حصل في الثمانينيات والتسعينيات حيث بلغت نسبة الدين العام 120 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، كما تجاوزت نسبة العجز 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في بعض هذه الدول.
لذلك، تقترح الدراسة أن يتم تبني معايير مالية للوحدة النقدية تمثل بشكل أدق العوامل الأساسية المتحكمة في استقرار الأوضاع المالية في دول التعاون الست، وتساعدها في المحصلة النهائية على الاستعداد التدريجي لمرحلة نضوب النفط والإيرادات المتأتية منه. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تبني معيار العجز المالي غير النفطي، وهو يعني الرصيد المالي الكلي مطروح منه الإيرادات النفطية. وبالتالي، فإن على السياسة المالية لدى هذه الدول أن تعمل على تحقيق نسبة من العجز المالي غير النفطي التي تسمح بتراكم الموجودات المالية, وبحيث يمول العائد المتأتي من هذه الموجودات العجز المالي غير النفطي المستهدف عندما يحين موعد نضوب الموارد المتأتية من النفط والغاز.

الأكثر قراءة