محمد البابطين .. سائق الـ (شيول) الذي أسس أحد أكبر الشركات الصناعية خليجيا
إن الراحل الشيخ محمد بن عبدالله البابطين لم يكن رجلاً عادياً، ولم يكن إنساناً عابرا كأي شخص كان، بل هو تاريخٌ مشرفٌ في حد ذاته، حكاية مسطرة بمداد الكفاح والصبر والحكمة، لقد أسهم الفقيد في بناء وطنه إسهاما فاعلا، وقد برز في زمن قلّ أن نجد فيه مثل هذا الطموح والإصرار والتحدي.. رحمك الله يا أبا ناصر وأسكنك فسيح جنانه.
لقد رحل محمد البابطين عن 77 عاما تاركا وراءه تاريخا تجاريا مشرفا يفخر به كل رجل أعمال سعودي، رحل ولم ترحل أفكاره فهي باقية وستبقى عزيمته تعيش في دواخل أبنائه وأحفاده بالعمل والعطاء المتواصل، واقعاً يتجلى في طموحاتهم وعزيمتهم جيلاً بعد جيل لمواصلة مسيرته التجارية، رجل استمرت مسيرته الناجحة حتى آخر أنفاسه بعد صراع طويل مع المرض، حيث وافته المنية يوم السبت الأول من أيلول (سبتمبر) الجاري.
ولد محمد بن عبدالله البابطين في روضة سدير عام 1351هـ، وسمي محمد على اسم جده لأمه محمد بن عمران، وحسبما يروي أبناؤه، فإنه تحدث عن هذه التسمية أكثر من مرة بقوله مازحاً: "السلطة كانت لأمي آنذاك".
أما عن بدايته في مجال العمل التجاري فهو يقول ـ حسب الراوي ـ "إن الشيخ محمد البابطين بدأ بريال واحد فقط، حيث يقول: "كنت أساعد والدي في مجال التجارة التي لم تكن كما هي التجارة اليوم بمعناها الحقيقي، لذا دفعني طموحي للسفر إلى الرياض ولم يكن معي سوى ريال واحد (100 هلله)".
عمل محمد البابطين في بداية حياته في أصعب المهن، حيث عمل في وظيفة سائق نقل ثقيل "شيول" في شركة بكتل الأمريكية، ثم عمل فيها في وظيفة كهربائي ومن ثم رئيساً لفريق عمل يتكون من خمسة عمال، ثم مراقب عمال، إلى أن ترك العمل في شركة بكتل ليعمل لحسابه الخاص في مجال التمديدات الكهربائية للمنازل والمساجد مع دخول الكهرباء إلى السعودية وهي الفترة التي شهدت فيها المملكة بداية النهضة التي تعيش ثمرتها حاليا.
يعد الشيخ محمد البابطين ـ رحمه الله ـ أحد رجال الأعمال الذين يقدرون دور العمل الثقافي وأهميته لنهضة البلاد ومن الذين يسعون لخدمته، حيث أنشأ مركزاً ثقافياً يحمل اسمه، وهو لم يشيد مركزاً ثقافياً فقط بصحيح العبارة، بل شيّد منبراً ثقافياً وقلعة تقدم خدماتها للثقافة والمثقفين والمبدعين في شتى أنواع الأدب والعلوم على مستوى المنطقة.
وقد أصبح مركز البابطين الثقافي الذي يقع على مساحة إجمالية تقدر بنحو 16360 مترا مربعا معلماً حضارياً لا تقف مهامه عند حدود روضة سدير ـ مسقط رأس مؤسسه ـ بل أصبح يؤدي دوره على مستوى المحافظات والمنطقة ككل، كونه مركزاً ثقافياً عصرياً تجاوز الهم الثقافي إلى باقي الأنشطة العامة التي تقام في المملكة.
ويضم المركز عدداً من المنشآت المهمة والحيوية أهمها: المكتبة العامة، المسجد، المسرح، معمل كمبيوتر للكبار وآخر للأطفال، قاعة لكبار الزوار، وقاعة للنساء، ومكتبة للأطفال، إضافة إلى صالة لتخزين الكتب في أرفف خاصة، كما تم تزويد مبنى المركز بإذاعة داخلية.
..
الشيخ محمد البابطين في سطور:
الشيخ محمد البابطين هو رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات البابطين، يعده الكثيرون نموذجاً فريدا من رجال الأعمال، بدأ حياته العملية في العمل لدى عدد من الشركات العالمية في مجال الكهرباء والماء، والتي من أهمها شركة بكتل الأمريكية، وشركة بيكر. وتدرج في السلم الوظيفي إلى أن أصبح رئيساً لمجموعة من العمال، وفي شركة كوفانكو أتيحت له فرصة التدريب على أعمال التمدايدات الكهربائية.
استطاع محمد البابطين بالكفاح والمثابرة أن يشق طريقه ويجد لنفسه مكاناً في أكبر المنظومات التجارية، أسس مجموعة شركات البابطين مع أخويه حمد وإبراهيم ـ يرحمهم الله ـ وتطورت هذه المجموعة لتصبح من أكبر المنظومات الصناعية والتجارية في السعودية والخليج.
استفادت مجموعة البابطين من المشاريع التنموية الكبيرة التي شهدتها المملكة، لتسهم بذلك في تطوير الصناعة الوطنية لتصبح من أفضل الصناعات التي تتمتع بجودة عالية وأسعار منافسة.
..
مجموعة شركات البابطين ضمن أكبر 100شركة سعودية:
تأسست مجموعة شركات البابطين منذ أكثر من أربعين عاماً على يد الإخوة الثلاثة أبناء عبد الله البابطين: حمد، إبراهيم، ومحمد ـ رحمهم الله. وكانت بداية المجموعة بسيطة جداً حسب الإمكانات الموجودة في ذلك الوقت، وأصبحت المجموعة بعد التطور الذي شهدته المملكة من أقدم وأعرق الشركات العاملة في مجال الكهرباء ومن أكبر 100شركة سعودية حسب الإحصاءات الرسمية، وتتألف مجموعة شركات البابطين من عدة شركات رئيسية هي: شركة البابطين للمقاولات، شركة البابطين للتجارة، شركة البابطين للصناعة، شركة البابطين لبلانك.
كما تضم مصانع البابطين في شركة البابطين للصناعة: مصنع الأعمدة والصوراي الجلفنة، مصنع الإنارة ولوحات التوزيع، مصنع الأبراج والهياكل المعدنية ومحطة اختبار الأبراج، مصنع القوالب للعدد وقطع الغيار، مصنع الأجهزة المنزلية، مصنع المراجل البخارية، ومصنعا للكرتون.
وتقوم هذه الشركات ومصانعها على مساحة 150 ألف متر مربع ويعمل فيها ثلاثة آلاف عنصر بشري من مختلف التخصصات، وقد اتخذت مجموعة البابطين التجارية منذ بداية النهضة الصناعية في المملكة مساراً وسياسات محددة لمواكبة النهضة والرقي إلى مصاف الشركات الأُول، وتعتمد في هذه السياسات على مجموعة من العناصر الحيوية والمهمة التي جعلتها في مصاف كبريات الشركات.