«ويلز فارجو» .. مصرف يبتعد كثيرا عن منافسيه
توم تورتشيو لم يهتم عندما فتحت زوجته، كارين، حسابا جاريا إضافيا في بنك ويلز فارجو باسمه العام الماضي - إلى أن بدأت الرسوم بالتراكم. أكد البنك لكارين أن الحساب الجديد الذي أضاف مزايا للأرصدة الأعلى، سيكون مجانيا. لكن ما لم تقله لها موظفة المبيعات هو أنه سيتم استيفاء رسوم بقيمة خمسة دولارات شهريا على حسابها الباقي إذا انخفض الرصيد عن 300 دولار. وقد انخفض فعلا، مرارا وتكرارا، قبل أن يلاحظ الزوجان.
يقول تورتشيو، المسؤول التنفيذي للبرمجيات البالغ من العمر 54 عاما، الذي يعيش في رينو، ولاية نيفادا: "رسوم بمقدار خمسة دولارات بالنسبة لي هي مصدر إزعاج، لكن بالنسبة لشخص لا يجني مقدارا جيدا من المال فإنها تشكل ثمن وجبة. هل هم بحاجة حقا إلى اللجوء إلى هذا النوع من الأمور للحصول على النمو الذي تمكنوا من تحقيقه؟".
الصعود الهادئ لبنك ويلز فارجو كان مذهلا. في الأعوام التي انقضت منذ الأزمة المالية العالمية، برز البنك القائم في سان فرانسيسكو باعتباره الأعلى في العالم من حيث القيمة السوقية، ليبتعد بوضوح عن المصارف الأمريكية والمصارف الصينية التي تضررت من الانخفاض في أسواق البورصة المحلية فيها. وقد فعل ذلك إلى حد كبير بسبب التمسك بالأعمال الأساسية لخدمات مصرفية التجزئة في أمريكا، وفي الوقت نفسه تجنب الحوادث والتسويات القانونية لنظرائه.
هناك اثنتان فقط من الشركات الأمريكية أنتجتا صافي دخل لا يقل عن خمسة مليارات دولار في كل من الأرباع الـ 14 الماضية. إحداهما أبل، والأخرى بنك ويلز. يقول تورشيو: "إنه آلة، ما من شك في ذلك".
لكن في الآونة الأخيرة تلك الآلة بدأت تتعثر. ما يثير قلق بعض المحللين هو أن الزبائن مثل عائلة تورشيو، اللذين يمتلكان تسعة منتجات من بنك ويلز فيما بينهما، يبدو أنهم امتلأوا مما يستطيع البنك توفيره. النسبة المشاد بها لبيع منتجات مختلفة لزبائن البنك انخفضت من متوسط 6.36 منتجا للأسرة الواحدة في كانون الأول (ديسمبر) من عام 2103 إلى 6.29 منتجا في نهاية العام الماضي، ما يشير إلى أن "تشبع السوق ربما يكون قد بدأ يلحق بالبنك"، كما يقول مارتي موسبي، المحلل في فاينينج سباركس في ممفيس.
في الوقت نفسه، سلطت دعوى قضائية أقامتها مدينة لوس أنجلوس في أيار (مايو) العام الماضي الضوء على توسع جديد لبنك ويلز، إذ تتهمه بالتورط "في سلوك غير عادل، وغير قانوني، واحتيالي من خلال الثقافة المنتشرة للمبيعات ذات الضغط العالي".
أسهم البنك التي يتم تداولها عند تقييم يبلغ نحو 250 مليار دولار، لا تزال تساوي أكثر من أسهم سيتي جروب وجولدمان ساكس ومورجان ستانلي مجتمعة. لكن علاوة سعر بنك ويلز مقارنة بنظرائه في الولايات المتحدة، من حيث مضاعفات صافي الأصول، هي نصف ما كانت عليه قبل عامين ـ خفض البنك بعضا من أهدافه المالية. يقول كريس هايمندورف، وهو مدير محافظ لدى "ستاندرد لايف" في بوسطن، دون زيادة مهمة في أسعار الفائدة للمساعدة في دفع الأرباح إلى الأعلى "من الصعب تماما أن نرى كيف يمكن للأمور حتى أن تتحسن من الوضع الحالي".
تركيز الأصول
لا يعطي جون ستامبف أي إحساس بأن الزخم آخذ في التراجع. في مقابلة أجريت في مقر البنك في سان فرانسيسكو يستثير ستامبف، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للبنك، ذكريات العربات القديمة المسرعة عبر المروج والمتحمسة إزاء النمو. كما يذكر أن ويلز أضاف أصولا تعادل تاسع أكبر بنك في الولايات المتحدة خلال العامين الماضيين، بما في ذلك الاستحواذ على نحو 50 مليار دولار من الأصول من شركة جنرال إلكتريك كابيتال.
ويقول: "في قطاع الأعمال التجارية اليوم نشهد نموا لم نره في تاريخنا الممتد منذ 164 عاما".
ويدعي أن الإيرادات ثابتة بسبب آثار استنزاف الدخل لأسعار الفائدة المنخفضة للغاية، التي عمل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على تجميدها عند مستوى قريب من الصفر منذ الأزمة. وحتى مع القفزة الضئيلة في الأسعار الأساسية في كانون الأول (ديسمبر)، يبقى صافي دخل الفائدة لويلز - الفجوة ما بين عائدات الأصول وتكلفة الأموال، التي مثلت تقريبا أكثر من نصف إيرادات البنك العام الماضي - معرضا للضغط. كانت الإيرادات السنوية عالقة في المستوى نفسه، عند نحو 86 مليار دولار منذ عام 2011.
لكن يمكن لويلز الحفاظ على ربحيته، بحسب ما يقول ستامبف، عن طريق بناء أعماله التجارية بالجملة في الوقت الذي يواصل فيه الضغط على شبكة مصرفية التجزئة الخاصة به - الأكبر في الولايات المتحدة، بما لديه من أكثر من 6100 فرع في 39 ولاية. في الوقت الذي يغلق فيه الأقران، مثل بانك أوف أميركا وسيتي جروب، فروعهم أو الانسحاب من المدن الكبرى، يقول ويلز إنه يعكف على ضبط وتعديل التنسيقات، في محاولة لتجريب الفروع الأصغر حجما، لكن مع الحفاظ على بصمته المميزة. فالبنك لديه فرع، أو آلة لصرف النقد على بعد ميلين من مكان وجود نصف الأسر في الولايات المتحدة، ويرغب في الاحتفاظ بها هناك.
يقول ستامبف، البالغ من العمر 62 عاما، الذي يعمل رئيسا تنفيذيا منذ عشر سنوات: "جميع عمليات حصولنا على حسابات جديدة تجري في واحد من فروعنا. إن قمت بإغلاق ذلك الفرع، على الأقل اليوم، فإنك تغلق بذلك المحرك الأمامي لديك".
مثل هذه الحسابات تعد أمرا حيويا بالنسبة لربحية البنك. كانت رسوم خدمات الودائع في الربع الأول تمثل 12 في المائة من دخل البنك من غير الفوائد، أو 1.25 مليار دولار. وكان هذا أكثر مما كان يكسب من خطوط الإنتاج المثقلة بالرسوم من الناحية التقليدية، مثل بطاقات الائتمان (9 في المائة) أو إنشاء القروض العقارية (7 في المائة).
في هذا السياق، يكون من المعقول جدا إيجاد سبل لاجتذاب العملاء الجدد - وبيعهم المنتجات بمجرد وصولهم إلى هناك. ويوجد فرع تجريبي على شكل حرف إل على بعد شارعين من مقر البنك، حيث يحوم بعض الشباب من ذوي الملابس الأنيقة كما لو أنهم من موظفي متجر أبل.
لكن ويلز يبدو الآن أكثر حساسية حيال مظهر البيع النشط. استخدم البنك كلمات "البيع المتعدد" مرة واحدة فقط خلال العرض المصرفي للبيع بالتجزئة في فعالية يوم المستثمر التي يقيمها مرتين في العام وذلك في نهاية أيار (مايو)، بعد أن استخدمها 19 مرة في المرة الأخيرة. يقول ستامبف: "أنا لا أستخدم مصطلح البيع المتعدد. فأنا أحب عمق العلاقات، وسلامة العلاقات، والولاء فيها، وكذلك قيمتها. أعتقد أن هذه سمات وتفكير أكثر استدامة بكثير".
إذا كان هذا يمثل خروجا أساسيا على طريقة العمل بالنسبة لويلز، الذي دائما ما كان يثير ضجة كبيرة تتعلق ببيع منتجات متعددة للعميل نفسه، فمعنى ذلك أن المحللين لم يلاحظوا الأمر. ولا يزال بعضهم ينسب الفضل لقدرة ويلز على شق طريقه في حياة الأمريكيين من خلال سبل لم يتمكن منها أي بنك كبير آخر على أنها السبب الرئيسي في نجاحه.
أنموذج عمل بسيط
كان ذلك فنا طوره سلف ستامبف، ديك كوفاسيفيتش، الرئيس التنفيذي الأسبق لبنك نورويست الذي يوجد مقره في مينيابوليس، الذي تولى المنصب بعد دمج البنك مع ويلز عام 1998. كانت الفكرة بسيطة: احضر عميلا، عادة من خلال حساب جار، ومن ثم قدم له جميع المنتجات، أو الخدمات التي يمكن أن يرغب فيها، بدءا من التأمين مرورا ببطاقات الائتمان إلى القروض العقارية وخدمات إدارة الثروات. بتكرار هذه الأعمال، مدفوعة باستراتيجية استحواذ مطردة، أصبح ويلز "وول مارت الخدمات المصرفية"، بحسب مايك مايو، من شركة سي إل إس إيه.
اعتاد ستامبف الاحتفال بتلك الاستراتيجية التراكمية. عندما تم تعيينه رئيسا في آب (أغسطس) 2005، تضاعفت جهود المسؤولين التنفيذيين لتحقيق هدف "الثمانية الكبيرة" الذي يعني ثمانية منتجات لكل عميل، وفقا لوصف ورد في نشرة شركة ماكينزي الفصلية.
لم يخف الكتيب السنوي لويلز المتعلق بـ "الرؤية والقيم الخاصة بويلز فارجو" تلك الطموحات. فقد ورد في نسخة عام 2006: "نحن قريبون من خمسة، ونتطلع للوصول إلى ستة! ومن ثم تحقيق الثمانية". وجاء في نسخة عام 2012: "لدينا نحو ستة منتجات خاصة بمتوسط خدمات مصرفية التجزئة للأسر. نريد الوصول إلى ثمانية (...) وأكثر".
ووفقا للدعوى القضائية في لوس أنجلوس التي أقيمت بعد إجراء تحقيق من قبل صحيفة "لوس أنجلوس تايمز"، ذلك النوع من الأهداف النزولية هو الذي دفع الموظفين إلى "سلوك ضار وغير مشروع". وتستشهد الشكوى بممارسة تعرف باسم "التثبيت"، تتضمن قيام الموظفين بتعيين أرقام إضافية لتحديد الهوية الشخصية لأصحاب البطاقات، ومن ثم إلحاق هؤلاء العملاء بخدمات دون موافقتهم. وهناك اتهامات بـ "التجميع"، أو إخبار العملاء بشكل غير صحيح أن بعض المنتجات متوافرة فقط على شكل حزم.
وإذا كان البنك يطرد الموظفين بسبب تلك التجاوزات، فهو لا يخطر العملاء أو يعيد الرسوم إليهم. تقول الشكوى: "إن النتيجة هي أن ويلز قام بهندسة آلة افتراضية لتوليد الرسوم، تلحق الضرر بالعملاء، ويلقى باللوم على الموظفين ويجني ويلز فارجو الأرباح".
وتم تقديم الدعوى بموجب قانون يرتبط بممارسات الأعمال التجارية غير العادلة التي تسمح للمحامين الذين يمثلون مدن كاليفورنيا الكبرى بطلب التعويض للعملاء في جميع أنحاء الولاية. وتقرر إجراء محاكمة من دون هيئة محلفين في تموز (يوليو) من العام المقبل.
وفي بيان له، قال البنك: "نحن نختلف بشدة مع توصيف مكتب المدعي العام في المدينة لثقافتنا التي تركز على تلبية الاحتياجات المالية لعملائنا، بما في ذلك الالتزام بتزويدهم فقط بالمنتجات والخدمات التي يريدونها ويعتبرونها مفيدة لهم. ليس من مصلحة عملائنا أو مصلحة ويلز فارجو أن نقدم للعملاء منتجات لا يريدونها أو لا يحتاجون إليها".
مع ذلك، الاتهام مؤيد من قبل الموظفين السابقين. شهد تاي، وهو مصرفي شخصي سابق في ويلز في هيوستن، رفض الإفصاح عن اسمه الأخير، طرقا عدة لتحقيق أهداف المبيعات اليومية في فترة زمنية قصيرة في البنك الذي توقف في عام 2011. مثلا، يمكن أن يفتش الموظفون في حسابات معينة تم تأسيسها لإرسال الأموال إلى الخارج، عادة إلى المكسيك. إذا لم يشهد أي حساب إجراء أي تحويلات مالية في فترة من الزمن، يمكن أن يتصل الموظفون بالعميل ليطلبوا منه السماح بإعادة تفعيل حسابه مجانا. ويمكن اعتبار الاستجابة المعتادة من العميل - "لا بأس" - كعملية بيع، بحسب ما يقول تاي. في حالة أخرى، جاء رجل "لا يبدو عليه أنه كثير التردد على المكان" إلى الفرع ومعه ستة دولارات وتم إقناعه بفتح ستة حسابات يحوي كل منها دولارا واحدا، بحسب ما قال. قال تاي: "هناك أهداف مبيعات نشطة جدا والطريقة التي تجعلك تتقدم هي البيع، ثم البيع، ثم البيع".
أهداف جديدة
يقول ستامبف إن الجهود المبذولة لتحسين المعايير بدأت بالفعل قبل اتخاذ الإجراءات القانونية وهي مستمرة. ويشير إلى أن الجهود المتعلقة بالهدف (ثمانية العظيم) "أصبحت من الماضي. لقد كنا نعمل على نزاهة موظفينا وإذا وجدنا أشخاصا يتصرفون بطريقة لا تتماشى مع ثقافة شركتنا، فهذه فرصة لنا لنعقد جلسة مع فريقنا بحيث يمكننا تقديم بعض التدريب. أحيانا يعني ذلك التدريب (فصلهم من العمل) لأننا نضع العملاء في المقام الأول". ولدى ويلز فرص للنمو في قطاعات غير مصرفية التجزئة. في عالم مصرفية الجملة، يكون المسؤولون التنفيذيون أكثر ارتياحا بالتحدث عن رفع نسبة البيع المتعدد. أيضا في الخارج، يكون البنك حريصا على القيام بالمزيد من الأعمال التجارية للشركات الأمريكية، في الوقت الذي يبيع فيه تمويلات التجارة وخدمات صرف العملات الأجنبية للمصارف الأخرى والبنوك المركزية في جميع أنحاء العالم.
حتى مع ذلك، قلص ويلز في الشهر الماضي كلا من أهداف الربح الرئيسية لديه - العائدات على الأصول والعائدات على حقوق الملكية - بعد أن فوت النطاق المستهدف على مدى فصلين متتاليين. وألقى البنك باللوم في ذلك على أسعار الفائدة المنخفضة والقواعد الأشد صرامة بشأن الاحتفاظ بالمزيد من الأصول السائلة والمخصصات الأعلى لتغطية قروض شركات الطاقة المعدومة. حتى أن العملاء على الأجل الطويل يتساءلون ما إذا كان البنك قد ضل طريقه. يقول بروس جوجان، وهو وسيط تأمين يبلغ 59 سنة من العمر، من مونتيبيلو بالقرب من لوس أنجلوس، إنه غير مرتاح لفكرة الدخول في الفروع، لأنه يتعين عليه "المرور من خلال طوق" من الموظفين الذين يوجهون إليه الأسئلة، ومحاولة توقع احتياجاته من خلال النظر خلسة من ورائه إلى شاشات الصراف الآلي الكبيرة. يقول لا يوجد أي شيء غير قانوني في هذا، لكنه أمر مزعج. "في أمريكا، يمكنك شراء أي شيء تريده. لكن لا أحد يرغب في أن يكره على الشراء".