براً وبحراً .. عوامل تحديد مسار الأسعار

براً وبحراً .. عوامل تحديد مسار الأسعار

براً وبحراً .. عوامل تحديد مسار الأسعار

[email protected]

من موسم الأعاصير الذي بدأ عنيفا في منطقة الكاريبي وأحيا ذكريات لا تزال عامرة بآثار الدمار الذي ألمّ بمنطقة خليج المكسيك بسبب إعصاري كاترينا وريتا قبل عامين، إلى مشكلة الرهن العقاري التي واجهتها السوق الأمريكية بداية ثم امتدت إلى أسواق أخرى حول العالم، يبدو أن حالة من القلق وعدم الوضوح الإضافي تلفّ تحركات سعر برميل النفط، إضافة إلى ما ظل يعانيه خلال السنوات القليلة الماضية من تقلبات.
وهكذا تجمعت عوامل البر والبحر لتلقي بثقلها على سوق مثقلة أساسا، ولو أن الجديد وعلى غير ما هو مفترض أن عوامل ليست لها صلة مباشرة بأساسيات الصناعة النفطية كالعرض والطلب هي التي تتجه إلى تبوء مرتبة أعلى فيما يتعلق بتحديد مسار الأسعار.
صحيح أنه يبقى في التحليل النهائي تأثير ما على جانبي الإمدادات، أي العرض بسبب قدرة أو عدم قدرة المرافق النفطية على استيعاب أي صدمة بسبب الأعاصير، وكذلك على جانب الطلب المرشح للتغير بسبب التوقع بتأثيرات مشكلة الرهن العقاري على الوضع الاقتصادي عموما، وبالتالي على الاستهلاك.
حتى الآن لم يحدث تغيير جوهري فيما يخص هذين العاملين، لكن التركيز الأساس أصبح على الانطباع العام والإحساس بوجود أزمة ما، وهذا عامل أصبح له الضلع الأكبر في بناء المزاج النفسي للسوق، وتوفيره دفعة في شكل تقلبات لتحركات الأسعار. وهذا ليس وضعا جديدا أو استثنائيا، فالسوق النفطية وطوال عمرها ولارتباطها الوثيق بالتحولات السياسية والاجتماعية ظلت عرضة للوقوع في حفرة المزاج النفسي بكل عدم العقلانية المصاحب لتحركات يكون منطلقها الأساسي مزاجيا.
ومن العلامات الفارقة في هذا المنحنى ما شهدته السوق إبان فترة الثورة الإيرانية في نهايات عقد السبعينيات. أساسيات السوق وقتها لم تكن تبرر وصول سعر البرميل إلى نحو 40 دولارا، وهو رقم قياسي لم تشهده السوق قط من قبل طوال تاريخها، ويعود ذلك إلى المزاج النفسي وحالة الهلع المصاحبة بسبب الخوف من حدوث انقطاع رغم توفر الإمدادات، وهو ما دفع فيما بعد إلى توجه قرابة ثلاثة ملايين برميل إلى المخزون شكلت الأساس في الضغط على هيكل الأسعار ودفعها إلى التراجع في مطلع عقد الثمانينيات، الأمر الذي فرض على منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" في نهاية الأمر القيام بأول خفض رسمي للسعر الذي تبيع به نفوطها.
إلى أي مدى يمكن دفع السوق في اتجاه تصاعدي أو تنازلي للأسعار؟ هذا هو السؤال الذي بدأ يواجه وزراء "أوبك" حتى قبل التئام اجتماعهم المنتظر في الحادي عشر من الشهر المقبل. والسؤال محكوم إلى حد كبير بالمزاج النفسي السائد.
مثال آخر على طغيان عامل المزاج هذا يتمثل في قرار مؤتمر جاكرتا الشهير في عام 1997، عندما كان المزاج السائد أن تواصل "أوبك" السير قدما في استراتيجيتها القائمة على زيادة حصتها في السوق. ومع حالة الركون والاسترخاء تلك لم يتم الالتفات إلى المتغيرات التي بدأت السوق تشهدها، وعلى رأسها الأزمة المالية الآسيوية. وبما أن آسيا من المستهلكين الرئيسيين للنفط، فإن قرار "أوبك" وقتها رفع حجم السقف الإنتاجي بنسبة 10 في المائة جاء في واقع الأمر ليضيف عبئا إلى السوق التي بدأت تعاني حالة من التخمة عبرت عن نفسها في شكل تراجع سعري حاد.
هل تستبق أوبك التأثيرات المتوقعة لموسم الأعاصير وتزيد من إنتاجها، خاصة وكبار المستهلكين ينادون بذلك الوكالة الدولية للطاقة، أم يتحسبون من تفاعلات مشكلة الرهن العقاري وتبعاتها فيما يتعلق بتوفر السيولة واحتمالات تأثيرها على الطلب في آخر الأمر؟
من الواضح أنه ليست هناك إجابة فورية أو سيناريو يمكن العمل على هديه، بل وأخطر من ذلك فإن المدى الزمني المتاح للدراسة واتخاذ القرار يتراجع يوما بعد يوم، بدليل أن أي تقديرات للعرض والطلب لا تصمد شهرا في أغلب الأحوال. ونظرة إلى التقارير الشهرية التي تصدرها "أوبك" أو الوكالة الدولية للطاقة أو إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، توضح بجلاء اعتمادها أسلوب المراجعة الدوري لأرقامها رفعا أو خفضا بين شهر أو آخر.
ولهذا فاجتماع سبتمبر المنتظر لن يكون العلامة الفارقة لتحديد توجهات السوق ولو لفترة الربع الأخير من العام. فالاحتمال وارد أن يتم القيام بخطوة ما في أي وقت وضعا في الاعتبار مختلف العوامل ذات الأبعاد السياسية والأمنية والاقتصادية التي تتكاثر وتلقي بظلالها ومؤثراتها على السوق من مختلف الجوانب.
يثير هذا كله القضية المزمنة القديمة المتجددة حول كيفية اتخاذ القرار في المنظمة، وهل تحتاج إدارة السوق في البيئة المتقلبة التي تعيشها حاليا إلى الأسلوب التقليدي الذي تمارس به المنظمات الإقليمية والدولية عملها؟
المشكلة عامة، لكن إذا كان في المنظمات الأخرى الصبر على مثل هذا الأسلوب، فإن "أوبك" التي ترتبط تحركاتها بمعاش الناس لا تملك مثل تلك الأريحية.

الأكثر قراءة