«مأسسة الترفيه» وتمكين الثقافة.. صون للشباب واستثمار لمقدرات الوطن

«مأسسة الترفيه» وتمكين الثقافة.. صون للشباب واستثمار لمقدرات الوطن

«مأسسة الترفيه» وتمكين الثقافة.. صون للشباب واستثمار لمقدرات الوطن

"إن الشباب والفراغ والجدة.. مفسدة للمرء أي مفسدة".. بيت قديم لأبي العتاهية، ما يزال الاستشهاد به حاضرا لهذا اليوم، الذي قررت فيه القيادة السعودية الالتفات بجدية لواقع اجتماعي وثقافي تعيشه المملكة حاضرا ومستقبلا تجاه تركيبتها السكانية التي يمثل الشباب فيها 80 في المائة من عدد المواطنين. مقابل أرقام اقتصادية مخيفة فيما يتعلق باستثمار "الوقت الحر" لهؤلاء الشباب وغيرهم من المواطنين. وحتى لا يضيع الوقت وتتآكل ثقافة البلد في استراحات ومقاهي الضواحي التي تضج بالرواد. فيما تنعم دول جارة قريبة وأخرى بعيدة باستهلاك ما يدخره المواطن السعودي طوال العام. دون مردود محلي يذكر لاقتصاد البلد وتطلعاته المادية والثقافية. تراهن رؤية السعودية 2030 على إدراج "الترفيه" بكل وضوح ولأول مرة في أدبيات الحوكمة السعودية، لتربطها بثقافة البلد واستثمار قدرات شبابه الإبداعية المشهود لها، إضافة إلى مقدراته التراثية الماضية، والقادمة من متاحف ومسارح وبنى تحتية أخرى تعنى بثقافته. واليوم إذ تدمج وزارات وتؤسس هيئات بما فيها هيئتان للترفيه والثقافة.. ما هو إلا سير على خطى الرؤية وتنفيذا لالتزاماتها وتطلعاتها بإقرار ما من شأنه تسيير العمل بسلاسة بعيدا عن ترهلات "البيروقراطية السلبية" كما عرفها الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد وعراب رؤية السعودية 2030. الثقافة والترفيه، موضوعان متكاملان رغم إقرارهما بشكل هيئتين منفصلتين.. فاجتماعيا ثقافة البلد ومنتج مبدعيه أقوى وأهم رافدين لطرق وأساليب الترفيه التي يحتاج إليها لتكون هذه السبل متماشية مع حاجاته وطبائعه. واقتصاديا كلا الموضوعين؛ الترفيه والثقافة يتم التعاطي معهما عالميا باعتبارهما منتَجين يمكن تسويقهما متى ما توافرت البيئة الجاذبة. وهو ما حققته كثير من الدول التي استطاعت تقديم ثقافاتها في الملبس أو المأكل أو حتى فيما تكتب وتبدع بوصفها تجارب ترفيهية ذات جودة مميزة يمكن الاحتفاء بها من قبل الآخرين؛ فتقدم بذلك ثقافتها وحضارتها للآخرين بما يعود على مواطنيها بالنفع في أوقاتهم وفي اقتصادياتهم. #2# وبينما تعتبر "مأسسة الثقافة" فعلا ليس بالجديد محليا في وجود وزارة للثقافة والإعلام. تأتي هيئة الثقافة التي أقرت بالأمس تركيزا وتعميقا لدور الثقافة كرافد مهم لرؤية المملكة القادمة، أما "مأسسة الترفيه" باستحداث هيئة خاصة فهو أمر غير مسبوق عربيا، لكنه متداول عالميا منذ أن أقرت فرنسا عام 1936 "وزارة الترفيه" التي وضعت مستقبل شباب الدولة والحفاظ على ثقافته وهويته ركيزة من ركائز هذه الوزارة المستحدثة حينها. ويأتي إقدام فرنسا وغيرها من الدول على "مأسسة الترفيه" في أعقاب الثورة الصناعية التي لفتت بماديتها وعمليتها المفرطة إلى أهمية العناية بـ "الوقت الحر" والاستثمار الناجح فيه. مقابل نجاح الثورة الصناعية في استثمار "وقت العمل"، مقدمة لذلك عديدا من النظريات الإدارية المعروفة إلى اليوم. أما ونحن نعيش زمن الثورة التكنولوجية والمعلوماتية بامتياز. وزمن اختطاف عقول الشباب وأوقاتهم ليس من قبل الشارع والمقهى كما كان عليه الحال قبل سنوات قريبة، ولكن من قبل معرفات وهمية افتراضية، فالأجدى هو الالتفات إلى هذه الأوقات الحرة بـ "مأسسة الترفيه" ودعم الثقافة عبر هيئات مختصة تعمل منفردة وتتكامل مجتمعة في كل ما من شأنه تحصين المواطن ورفعة المجتمع. يبقى أنه في وقت يكاد ينعدم فيه دور المؤسسات الثقافية الرسمية كأندية أدبية وجمعيات ثقافة وفنون، ويتنامى فيه حضور الاستراحات والمقاهي الخاصة. كما تتعاظم فيه مخاطر مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت، كان لا بد من إعادة هيكلة شاملة أكثر رشاقة وأقل ترهلا. وفقا لطرق عصرية أكثر جاذبية؛ وهذا ما تسعى له الرؤية بالتزاماتها وآلياتها التي أقرتها الأوامر الملكية الأخيرة، أملا في احتواء شباب الداخل ومواطنيه من جهة، بتوفير البدائل المتماشية مع ثقافتهم واعتدالهم. وطمعا في تقديم صورة ثقافية للوطن تستثمر حاضره المزهر، وعمقه الحضاري الممتد منذ أن سكن الإنسان جزيرة العرب. إلى هذا اليوم الذي تفخر فيه بكونها أصل العرب وقبلة الإسلام والمسلمين.
إنشرها

أضف تعليق