خبراء غربيون لـ"الاقتصادية" : محمد بن سلمان يعيد توزيع أوراق اللعبة الاستثمارية عالميا
عندما يحتل خبر ما العناوين الرئيسة لنشرات الأخبار في قنوات التلفاز الدولية، ويغطي مساحات كبيرة من الصفحة الأولى لعدد من كبريات الصحف العالمية، ويتحول إلى حديث الساحة بين الخبراء والمختصين، فإننا بلا شك أمام حدث أقل ما يمكن أن يوصف به بأنه جلل.
هذا بالتحديد ما يوصف به الوضع، منذ أن كشف الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد لموقع بلومبرج عن خطته الاقتصادية، لكن تصديق مجلس الوزراء السعودي على المشروع التنموي الذي أطلق عليه "رؤية 2030 " والمؤتمر الصحافي العالمي للأمير محمد باعتباره العقل المخطط والمشرف الفعلي على المشروع، مثّل تحولا نوعيا في طريقة تعامل الخبراء والمختصين الغربيين مع الطرح السعودي.
وهنا قال لـ"الاقتصادية" البروفسير بيتر وود؛ رئيس قسم الاقتصاد الدولي السابق في جامعة إكسترا والاستشاري حاليا في المؤسسة الدولية للتنمية أحد أذرع البنك الدولي، إنه "بمجرد تبني مجلس الوزراء السعودي للخطة، بات العالم أمام مرحلة جديدة ليس فقط للاقتصاد السعودي وإنما لاقتصاد منطقة الشرق الأوسط وربما العالم.. وهذا تحديدا سبب الاهتمام العالمي بالحدث، فالقراءة الدولية للخطة تتمثل باختصار في أن المجموعة التي توجه دفة الشأن الاقتصادي للمملكة، تمتلك كل المقومات اللازمة لإحداث التغيير المنشود في الاقتصاد السعودي، فهي تحظى بثلاثة عوامل تهيئها لإحداث التغيير المستهدف وهي الرؤية والقدرة والرغبة، وبذلك عملية التحول النوعي التي ستشهدها المملكة وفقا لما تطرحه رؤية 2030 بات أمرا محسوما ومسألة وقت".
وأضاف، "لكن إدراك العالم للقفزة التي تنوي المملكة إحداثها في البنية الاقتصادية لا يجب أن ينسينا التحديات التي ستواجهها، فولي ولي العهد سيصطدم بمجموعة من السلوكيات المجتمعية، ويبدو الأمير محمد حتى الآن متفهما لتلك التحديات، بشكل تام ومهيأ لترويضها وإقناعها بالفائدة المرجوة من خطته التي ستعود على الجميع. وربما حديثه عن إدمان المملكة للنفط، رسالة للجميع وللشارع السعودي بأن النهضة الاقتصادية المقبلة، واستهداف الحكومة لتنويع أنماط الإنتاج الاقتصادي، وعدم حصر موارد الدخل القومي في البترول، يتطلب عملا جماعيا وجمعيا، يغير فيه الكل من سلوكيات المرحلة السابقة، أيا كانت التكلفة تستطيع المملكة إكمال رؤيتها التنموية. ولا شك أن ذلك سيصطدم ربما بمعوقات البيروقراطية الداخلية وهو ما سيتطلب العمل الجاد والمكثف على هذا المحور".
على الجانب الدولي هناك إدراك عالمي من قبل خبراء النفط والمصرفيين أن المبلغ المتوقع جنيه من إدراج أسهم "أرامكو" في البورصات الدولية ربما فاق تريليوني دولار، ولذلك هناك قناعة لدى كبار المستثمرين وبيوت المال الدولية، ببروز لاعب دولي من العيار الثقيل في ساحة الاستثمارات الكبرى، واللاعب الجديد مهيأ طبيعيا (جراء الأرصدة المالية الضخمة) لفرض شروطه على السوق الدولية.
وبذلك على المجتمع الدولي إعادة توزيع أوراق اللعبة الاستثمارية عالميا من جديد، وأخذ السعودية في الحسبان ليس بوصفها لاعبا فرعيا، أو محتكرا لمورد طبيعي واحد عرضة للارتفاع والانخفاض، وإنما بوصفها لاعبا استثماريا متعدد المهارات والقدرات.
ولن يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالسعودية وبرؤيتها 2030 تدخل السوق الدولية في وقت حساس للغاية، فالأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة تشتد، وبامتلاك الرياض تلك الأرصدة المالية الهائلة، ستتمكن من فرض شروط وشراء أصول أعلى بكثير مما يمكن أن تحصل عليه في فترات الرخاء الاقتصادي العالمي، حيث يدفع الوضع الاقتصادي الجيد إلى ندرة الشركات الكبرى المعروضة للبيع وارتفاع أسعارها عند البيع".
لكن الدكتورة جين توماس أستاذة التنمية الدولية في مدرسة لندن للأعمال تنظر إلى الطرح السعودي من زاوية مختلفة وتطرح نظرتها لـ"لاقتصادية" قائلة: "علينا أن نبتعد قليلا عن المدرسة التقليدية في الاقتصاد التي تتعامل مع مثل تلك الأطروحات من جانب اقتصادي محض، فمن الواضح للغاية أن ما تم التصديق عليه في مجلس الوزراء السعودي، يتجاوز خطة اقتصادية محددة بفترة زمنية معلومة، إنما نحن أمام خطة للانتقال المجتمعي، قد يحتل فيها الاقتصاد مكانا بارزا، لكنها بصفة عامة تتجاوز بمراحل مفهوم الخطة الاقتصادية التقليدية، أنها الإطار العام للتوجهات المجتمعية للمملكة في المرحلة المقبلة وليس الاقتصاد فحسب، وحصر رؤية 2030 في اعتبارها خطة اقتصادية يحجمها ويقزمها ويضر بها لأنه لا يسمح بإطلاق كل مكونات القوى بداخلها".
وأضافت، "رؤية 2030 تستهدف التفاعل الاقتصادي والاجتماعي داخل المجتمع السعودي في آن، فالتخلي عن إدمان النفط، يتواكب مع تنويع الاقتصاد ليس فقط عبر محور التوجه للاستثمار الخارجي فقط، وإنما أيضا عبر فتح أفق الاقتصاد الداخلي بتنمية الموارد المحلية واستغلال الموقع الجغرافي، والنهوض بجوانب غير تقليدية في الاقتصاد السعودي، والتطرق إلى عمليات تصنيع غير معتادة في المملكة مثل الصناعات العسكرية، تلك المنظومة المتكاملة من الإنعاش الاقتصادي يرافقها كنتيجة تلقائية وحتمية تغيرات اجتماعية ضخمة، تمثل عملية التحول الاقتصادي البوتقة القادرة على استيعابها".
وتعتبر الدكتورة جين أن "الأمير محمد بن سلمان لا يرمي إلى إحداث الطفرة الاقتصادية للمملكة لرفع مستوى معيشة المواطن السعودي فحسب، لكنه بحكم السن يدرك جيدا طبيعة التغيرات الاجتماعية القوية التي تمر بها المملكة سواء من حيث الفئات العمرية أو تنامي الطبقة المتوسطة باحتياجاتها المتعددة، أو عملية التحديث الواجب الإسراع بها لضمان مواصلة السعودية الاندماج في العولمة لكن بشروطها الخاصة، عبر خفض حدة الأضرار الناجمة عن عملية الاندماج تلك، بل وتحويل النقاط الرخوة في البنية الاقتصادية-الثقافية السعودية إلى مراكز قوة قادرة على جذب الاستثمارات العالمية".
وفي مواجهة ذلك النمط من التحليل المعتمد على الجانب الاقتصادي والاجتماعي لرؤية 2030، يطرح الباحث الاقتصادي في معهد الاقتصاد الدولي هيج مارش تحليلا للخطة السعودية للتنمية من منطلق ما يصفه بالتحول النوعي داخل هيكل الاقتصاد السياسي للمملكة.
وقال لـ"الاقتصادية" "لا يمكن فصل خطة الأمير محمد بن سلمان المعروفة باسم رؤية 2030 عن مجريات التطور الحادث في المملكة العربية السعودية، فالرؤية التي صادق عليها مجلس الوزراء السعودي تتجاوز المفهوم التقليدي للتنمية إلى ما يمكن وصفه بمرحلة التأسيس الثاني للسعودية، فالمرحلة الأولى هي مرحلة الملك عبدالعزيز وأبنائه وهي مرحلة ترتبط بتطورات النصف الأول من القرن العشرين، حيث خاض الملك عبدالعزيز حرب توحيد قبائل شبة الجزيرة العربية لتأسيس المملكة وفقا لمعايير عصره والمفهوم السائد للدولة في النصف الأول من القرن العشرين، أبناؤه بشكل آخر وبدرجات مختلفة كانوا يسيرون على منوال ما يمكن وصفه بالتأسيس التقليدي، معتمدين في ذلك على مواصلة عملية التحديث، لكن في إطار المفهوم الواسع والتقليدي للدولة السعودية، وبالطبع هذا المفهوم وفي شقه الاقتصادي اعتمد على وسائل إنتاج وموارد تقليدية أبرزها النفط، كما أنه لم يكن من الممكن للمملكة أن تخرج من هذا الإطار، لأن مخرجات النظام التعليمي لم تكن تسمح بغير هذا".
وأضاف، "لكن مرحلة التأسيس اكتملت الآن والمملكة من أكثر دول الشرق الأوسط استقرارا، كما أن عصر النفط وإن لم يدخل مرحلة الأفول، فإنه يواجه صعوبة في الاستمرار على وضعه السابق، وهنا يأتي الدور التاريخي المنوط بالأمير محمد، ليس بوصفه جزءا من المنظومة السياسية أو أحد أفراد العائلة المالكة، وإنما بوصفه حلقة الوصل الرئيسة التي تعبر عن المفاهيم الحداثية الجديدة للفئات الشابة في المملكة، سواء بحكم سنه أو نمط تعليمه، وبين جيل المؤسسين والرعيل المحافظ على مجموعة القيم الراسخة للمملكة وأعني جيل الملك سلمان بن عبدالعزيز".
وتابع، "في هذا الإطار يجب فهم البعد الاقتصادي لرؤية 2030، فرؤية ولي ولي العهد السعودي تعد تعبيرا عن اكتمال للدورة الأولى من تاريخ المملكة وهي دورة التأسيس والاستقرار برعيل الآباء المؤسسين، إلى الدورة الثانية فتنتمي إلى الجيل الثاني، وهي دورة الدمج الذي يتجاوز النظام الاقتصادي العالمي إلى الاندماج في منظومة الحداثية في جوهرها الاقتصادي القائم على التنوع وعدم الاعتماد على مورد اقتصادي واحد".
وتابع قائلا، "لذلك ليس من قبيل المصادفة أن تكون الرؤية رؤية الابن المنتمي لجيل الشباب بينما يتم التصديق عليه من الملك سلمان باعتباره الرمز الراهن للمملكة، فهي عملية تسليم وتسلم للراية السعودية، ولكن بطريقة فريدة من نوعها. فالرؤية تعد حجر الزاوية والعقد الاجتماعي الجديد للمملكة، عقد لا يخل بميراث مرحلة التأسيس، وإنما يضيف عليه بما يلائم العصر، وبمقدار ما تحدث محمد بن سلمان عن صناعات عسكرية وتطوير المنظومة السياحية واستشراف أفق جديدة ضمن منظومة القيم السعودية المستمدة من الدين الإسلامي والتراث العربي، فإنه تناول أيضا وبشكل مفصل قضايا الإسكان ومشاريع البنية التحتية، ولهذا فإن رؤية 2030 تعكس أكثر من أي شيء آخر رؤية الجيل الشاب ورغبته في إدارة شؤون المملكة وفقا للأنماط الاقتصادية للقرن الـ21، لكن ضمن الخطوط العريضة الحاكمة للمملكة ككتلة سكانية وكموقع جغرافي وكالتزام إقليمي وكهوية إسلامية – عربية وكتعهدات دولية أسس لها الرعيل الأول".
في هذا الإطار، اعتقد الدكتور روبن ميلر أستاذ الإدارة الحديثة، أن "أبرز نقاط خطة التنمية السعودية هي إدماج شركة أرامكو في البورصات الدولية وهذا سيتطلب شفافية مطلقة ومحاسبة دقيقة للمسؤولين، وتطورا نوعيا في مفهوم القطاع الخاص في المملكة، وسيتطلب كل هذا إحداث تغيرات جذرية في المفاهيم الثقافية للعمل الاقتصادي الداخلي، وأعتقد أن الرؤية بقدر ما تهدف إلى إحداث ثورة مدروسة في تغيير مفهوم العمل المادي الاقتصادي في المملكة، فإن الشفافية التي ستدخلها في ثنايا المجتمع السعودي ستحدث طفرة في أداء المسؤولين خاصة الأجيال الشابة من السعوديين الذين يتم دمجهم حاليا في الهيكل الإداري للدولة".
وأضاف، "لهذا أعتقد أنه إذا تم الالتزام برؤية 2030 وتطبيقها بصورة حاسمة، فإننا سنشهد خلال السنوات العشر المقبلة عملية تحديث شاملة للبيروقراطية السعودية، وهذا سيمثل طفرة ليس فقط في أداء القطاع الاقتصادي، وإنما في إضفاء الحيوية الاقتصادية على الأداء العام للمملكة".