النافثا مصدر حيوي للصناعات البتروكيماوية العالمية (2)

النافثا مصدر حيوي للصناعات البتروكيماوية العالمية (2)

تستخدم النافثا كمصدر مهم وحيوي لإنتاج الأولفينات، وأهمها الإيثيلين والبروبيلين والبيوتين، وذلك عن طريق استخدام وحدات التكسير البخارية. ترسل النافثا إلى هذه الوحدات ليتم تسخينها إلى درجات حرارة عالية تقارب 800 إلى ألف درجة مئوية بوجود بخار الماء، ليتم تكسير جزيئات النافثا متوسطة الحجم إلى جزيئات أصغر، مثل غازات الإيثيلين والبروبيلين. وينتج عن هذه العملية الكثير من العطريات التي من الممكن أن تكون لقيماً مهماً للكثير من الصناعات البتروكيماوية. والجدير بالذكر أن نحو 50 في المائة من الإنتاج العالمي للإيثيلين ينتج من تكسير النافثا (انظر جدول 1).
وتتمركز صناعة تكسير النافثا في كل من أوروبا والشرق الأقصى، حيث لا يوجد طلب عال على النافثا كوقود للسيارات، ويستعمل الديزل عوضاً عنها كوقود، ما يتيح استعمال النافثا للصناعات البتروكيماوية.
ويوجد سبب جوهري لاستعمال النافثا لقيما للصناعات البتروكيماوية في كل من الشرق الأقصى وأوروبا، وهو عدم وجود غازات بكميات تجارية لتستعمل للصناعات البتروكيماوية. لكن الوضع في كل من أمريكا وكندا مختلف، إذ تعتبر النافثا مصدرا مهما لإنتاج الجازولين، وقلل وجود الغازات من حدة الحاجة إلى النافثا للصناعات البتروكيماوية.
أما في الشرق الأوسط، فإن وجود الغاز الطبيعي بنوعيه المصاحب وغير المصاحب بكثرة قد جعل دوله تستغني عن استخدام النافثا في الصناعات البتروكيماوية، لاسيما في ظل الارتفاع الهائل في الطلب على وقود السيارات "الجازولين"، ما جعل حكومات هذه الدول تجعل من أهم أولوياتها تأمين الجازولين اللازم، ما أدى إلى استخدام النافثا كوقود أكثر منه كلقيم للبتروكيماويات.
باختصار يمكن القول إن نمو الطلب على النافثا في العالم مرتبط بشكل مباشر بمدى نمو الطلب العالمي على الإيثيلين والبروبيلين تحديداً، وتأكيداً لذلك فإنه من المتوقع أن ينمو الطلب الأمريكي على تكسير النافثا بمعدل 1 إلى 2 في المائة، في الفترة من عام 2006-2011 م وهى نسبة النمو في الطلب الأمريكي على الإيثيلين نفسها.
وتعد حاجة العالم إلى البولي إيثيلين والبولي بروبيلين ومدى زيادتها معيارا أساسيا لتحديد الطلب العالمي على النافثا. ومن ناحية أخرى فإنه يمكن إنتاج الأولفينات من تكسير عدة أنواع أخرى من اللقائم، مثل غاز الإيثان وسوائل الغاز الطبيعي والديزل. ويتم اختيار اللقيم المناسب بناء على عدة عوامل أهمها: وجود اللقيم بكميات تجارية وأسعار اللقيم ونوعية المنتوجات المراد تصنيعها.
وفى ظل تقلبات أسعار الغاز الطبيعي والنافثا ووجود فجوات كبيرة بينهما في أحيان عدة، فإن منتجي الإيثيلين في الدول الصناعية، وخاصة الأوروبية، قد أضفوا بعض المرونة على وحدات التكسير البخارية لديهم crackers، بحيث تستطيع تكسير طيف متنوع من اللقيم سواء الغازي أو السائل، وبهذا تستطيع الاستفادة من الفجوة في الأسعار بين الغازات ومشتقات التكرير السائلة.
فعلى سبيل المثال 90 في المائة من الإيثيلين المنتج في بريطانيا في أوائل 1980م قد تم إنتاجه من تكسير النافثا والديزل، ولكن مع اكتشاف الغاز الطبيعي في بحر الشمال وصاحب ذلك بداية نضوب بعض حقول النفط فيه، جعل الإنجليز يتجهون إلى تكسير سوائل الغاز الطبيعي NGL لمواجهة أي نقص في مشتقات تكرير النفط من ديزل ونافثا، الأمر الذي أدى إلى انخفاض نسبة الإيثيلين المنتج من النافثا لصالح الإيثيلين المنتج من تكسير سوائل الغاز الطبيعي.
لا يتوقع المختصون أن ينمو طلب أوروبا الغربية واليابان كثيراً للنافثا لإنتاج البتروكيماويات في السنوات الخمس المقبلة، ولكن النمو الحقيقي في الطلب على النافثا لإنتاج البتروكيماويات سيكون من دول الشرق الأوسط والصين، حيث من المتوقع أن يزداد طلب دول الشرق الأوسط على النافثا لإنتاج الإيثيلين 18 في المائة سنوياً حتى حلول عام 2012م. وأما الصين فسوف يصل النمو على النافثا لإنتاج الإيثيلين إلى 10 في المائة سنوياً، وأما بالنسبة لنمو الطلب الصيني على النافثا لإنتاج العطريات فمن المتوقع أن يصل إلى 12 في المائة سنوياً للفترة نفسها.
تنتج الصين حالياً ما تحتاج إليه من النافثا، إلا أن المختصين يتوقعوا أن تصبح الصين دولة مستوردة للنافثا بحلول 2012، على الرغم من زيادة قدرة الصين التكريرية بسبب الزيادة الهائلة لإنتاج الصين للمواد البتروكيماوية، التي من المتوقع أن تكون من أهم اللاعبين في هذا المجال، حيث من المتوقع أن تضاعف الصين طاقتها الإنتاجية للإيثيلين ما بين 2005 و2010م، ومعظم الزيادة في الإنتاج الصيني للإيثيلين ستكون من النافثا.
دراسة سياسة الصين التوسعية في الصناعات البتروكيماوية وتنوعها وتطورها يجب أن تكون هدفا استراتيجيا لدول الخليج لوضع السياسات الملائمة لتعامل مع هذا العملاق، خاصة في ظل التبادل التجاري الكبير بين الصين ودول الخليج، لا سيما في مجال النفط والمواد البتروكيماوية الأساسية، حيث من المتوقع أن يشكل طلب الصين للمواد البتروكيماوية نحو ربع الطلب العالمي بحلول 2015م. وعلى هذا الأساس قد يكون من المفيد التفكير الاستراتيجي بعيد المدى وليس النظر إلى الربح القريب، خاصة عند التعامل مع الصين.
أما في المملكة فيتم استعمال النافثا كمكون رئيس للجازولين السعودي، حيث يتم خلطه مع مكونات الجازولين الأخرى ويتم تصدير الفائض من النافثا إلى الخارج.
ولم يسبق أن استخدمت النافثا حتى الآن لقيما للصناعات البتروكيماوية في المملكة، حيث يتم الحصول على الأولفينات عن طريق تكسير الغاز المصاحب (إيثان وغاز البترول المسال)، وأما العطريات فلا يوجد حتى الآن مجمعات عطرية عصرية تقوم بإنتاج العطريات من النافثا من بنزين وبارازايلين لاستعمالهما لإنتاج البوليستر والبوليستايرين.
ويعتبر مشروع تطوير مصفاة رأس تنورة بين "أرامكو السعودية" و"داو" لإنشاء مجمع بتروكيماوي لإنتاج مليون طن من العطريات سنوياً، إضافة إلى نحو 2.25 مليون طن من الأولفينات، أول استغلال حقيقي للنافثا في الصناعات البتروكيماوية السعودية، حيث من المخطط له أن يتم إنشاء وحدات تكسير للنافثا هي الأولى من نوعها في الشرق الأوسط، إضافة إلى وحدات تكسير الإيثان الموجودة بكثرة في المنطقة.
ويبقى أن نعلم أن هذا المشروع العملاق يعد من الأكبر في العالم، ووصلت قيمة إنشائه إلى 20 مليار دولار، وهى قيمة كبيرة بكل المقاييس وسوف يبدأ الإنتاج في عام 2013م. والعتب الوحيد أن هذا المشروع قد تأخر قليلاً، إذ إن المجمعات العطرية تم تأسيسها في البلدان الصناعية في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. وسوف تبدأ عُمان في إنتاج أكثر من مليون طن من العطريات من النافثا بداية عام 2009م.
الحقيقة أن مشروع رأس تنورة يمثل قمة التكامل بين صناعتي التكرير والبتروكيماويات، ويعد من المشاريع التى وفقت فيها "أرامكو السعودية"، وسوف يسهم في نمو الاقتصاد السعودي وازدهار صناعة البتروكيماويات السعودية، خاصة في ظل الحاجة الداخلية الماسة للعطريات من بنزين وبارازيلين.

* أكاديمي متخصص في شؤون تكرير النفط والبتروكيماويات ـ الظهران
[email protected]

الأكثر قراءة