«حرق النقود» لكسب قلوب عملاء التجارة الإلكترونية في الصين
حرق النقدية أصبح مألوفا بشكل ينذر بالخطر بين شركات الإنترنت الصينية، التي اعتاد كثير منها على دفع إعانات ضخمة للعملاء لاستخدام خدماتها على أمل أن تفلس الشركات المنافسة قبل أن تنفد هي من المال.
إحدى الشركات الناشئة، Emao.com، التي تهدف إلى أن تكون منصة على الإنترنت لبيع السيارات، بنت استراتيجيتها التسويقية بالكامل حول خسارة المال. يقول إعلان نشر أخيرا: "نحن نحرق النقدية من مستثمرينا لكسب قلوب متسوقي السيارات".
ترافيس كالانِك، الرئيس التنفيذي لـ "أوبر"، تفاخر في وقت سابق من هذا العام بأن الشركة التابعة لتطبيق مشاركة الركوب في الصين كانت تخسر أكثر من مليار دولار سنويا، جزئيا بسبب الإعانات التي كانت تدفعها للاستيلاء على حصة في السوق. ويشن التطبيق المحلي لطلب سيارة، "ديدي كوايدي"، حرب أسعار شرسة ضد أوبر في عدة مدن.
وأوضحت الشركات المنافسة لأوبر أنها لن تقبل بأن تتفوق عليها شركات أخرى من حيث الإنفاق. وقال جان ليو، رئيس "ديدي" في أيلول (سبتمبر): "لن نكون هنا اليوم لو لم تكن الشركة تحرق النقدية". وقال رئيس مجلس إدارة الشركة، تشنغ واي، إن الشركة أنفقت أربعة مليارات دولار العام الماضي فيما وصفه بـ "تعزيز السوق".
وذكر تنفيذيون من شركة تطبيق منافس آخر لطلب السيارات، "ييداو يونجتشي" YidaoYongche، الشهر الماضي أنهم "عالقون في دوامة حرق النقدية". وقال تشو هانغ، الرئيس التنفيذي للشركة أخيرا: "لقد أعددنا ما لا يقل عن ثلاثة - خمسة مليارات رنمينبي من الذخيرة لهذا العام".
"حرق النقدية" قد لا يبدو أنموذج عمل قابلا للتطبيق، لكن هذه الشركات الفتية تجادل بأن الدفع للعملاء لاستخدام خدماتها أمر ضروري لبناء علاماتها التجارية وتحقيق الحجم اللازم للمنافسة. وهذا ينطبق بشكل خاص على الصين، التي تتحول من اقتصاد يحركه الاستثمار إلى اقتصاد قائم على الاستهلاك، الأمر الذي تصر الحكومة على أنه يجري العمل به، ما يجعل الهدف من شراء المستهلكين الصينيين - على أمل أن يشتروا يوما ما تطبيقك – يبدو جذابا.
على الأقل يرى بعض الناس الأمر على هذا النحو. ويدعي آخرون أن بدعة الإنترنت الصينية الخاصة بحرق النقدية تبشر بفقاعة في عالم الإنترنت. تماما مثلما أقنعت شركات وادي السليكون المستثمرين بأن الأرباح لم تعد مهمة خلال فقاعة الدوت كوم في التسعينيات، أقدمت شركات الإنترنت في الصين على صنع صنم من خسارة المال.
قال ما جيهوا، مؤسس شركة داتاريال للاستشارات: "الكثير من هذه الشركات سيتم نسيانها عندما ينفد منها المال"، ويقدر أن ما يصل إلى 50 مليار رنمينبي يجري صبها سنويا في عمليات الدعم لربط المستهلكين الصينيين، عبر هواتفهم الذكية، بسيارات الأجرة، وأماكن التدليك، وغسل السيارات.
لكنه يعترف بأن الشركات ليس أمامها خيار يذكر. "في هذه السوق، إذا كنت لا تحرق النقدية فإنك لن تحصل على حصة سوقية، ما يعني أنك لن تحصل على تمويل، وبالتالي هذا يعني أنه لن يكون لك أمل في الوقوف أمام المنافسين الذين يحرقون النقدية".
احتفال المستهلكين
معظم الإعانات التي يتم تمويلها بشكل كبير عن طريق رأس المال المغامر وشركات الأسهم الخاصة، جنبا إلى جنب مع شركات الإنترنت الأكبر - والمربحة - مثل تينسنت وعلي بابا، تذهب إلى التطبيقات التي تهدف إلى أن تكون "أوبر" للتدليك، أو "إيربنب" لغسل السيارات. هذه الخدمات التي من نوع "على الإنترنت إلى خارج الإنترنت" online to offline تعتبر أهم موضوع استثماري في قطاع الإنترنت في الصين.
الفوائد المحتملة لهذه الشركات الرائدة في السوق تساعد على تفسير لماذا هم على استعداد للإنفاق إلى هذا الحد: وفقا لـ "إتش إس بي سي"، قطاع الخدمات على الإنترنت إلى خارج الإنترنت في الصين الذي يعتبر سوقا بقيمة 10 تريليونات رنمينبي، لم يتوغل بين السكان إلا بنسبة 4 في المائة فقط، وتوسع بنسبة 80 في المائة على أساس سنوي في النصف الأول من 2015. وبحسب تقديرات "إتش إس بي سي"، في غضون خمس سنوات قد تكون "كعكة الربح" في الصناعة بقيمة 26 مليار رنمينبي.
وقال منغ شينج، الرئيس التنفيذي لشركة هيليجيا، وهي تطبيق للصحة والجمال، في مقابلة الشهر الماضي: "الخدمات على الإنترنت إلى خارج الإنترنت الآن تعتبر حفلا كبيرا للمستهلكين". وأضاف: "ليست لدينا خطط لتحقيق ربح في المستقبل القريب، لأن شركات رأس المال المغامر لا تزال تقدم المال".
وقال إن شركته "حرقت عدة مئات من ملايين الرنمينبي" العام الماضي، على الرغم من أنه خفض الإعانات بعد أن أفلست الشركة المنافسة الرئيسة. "وهذا يبين فقط مدى شعبية الإنترنت الصيني، إنه شعبي جدا. هناك كثير من شركات رأس المال المغامر و[الأسهم الخاصة] التي على استعداد لتمويل هذه الحروب".
الشركات الناشئة مشغولة بجمع الأموال من المستثمرين عند تقييمات مذهلة باستمرار، لا لشيء إلا لتوظفها في الإعانات. وتقدر جولات التمويل الأخيرة لـ "ديدي كويدي" بـ 20 مليار دولار، ارتفاعا من 15 مليار دولار في تموز (يوليو) الماضي. وقدرت قيمة "أوبر الصين" بسبعة مليارات دولار في جولة تمويل في كانون الثاني (يناير)، في حين تم تقييم اندماج مايتوان وديانبينج، وهما أكبر شركة لتوصيل الأغذية وأكبر مجموعة مواقع للخصومات، بـ 15 ـ 17 مليار دولار في تشرين الثاني (نوفمبر).
وكثير من هذه الشركات لا تنشر بيانات مالية، لذلك من المستحيل معرفة ما هو الحجم الحقيقي للحرق النقدي. ويقدر تشو أن نحو 20 مليار رنمينبي قد تم حرقها من قبل تطبيقات طلبات السيارات مثل "ييداو"، و"أوبر"، و"ديدي كوايدي" لدعم الركاب عام 2015، في حين أشار مايتوان ديانبينج، أكبر بائع لحجوزات المطاعم وتذاكر السينما في الصين، في تصريح صحافي غامض في شباط (فبراير) إلى أنه "وفّر على عشاق الطعام 58 مليار رنمينبي " عام 2015.
وفي العام الماضي، أصبحت 84 من الشركات التي تقدم خدمات "على الإنترنت إلى خارج الإنترنت" مفلسة، لكن القطاع جذب استثمارات رئيسة ضخمة. وأعلنت علي بابا وشركة المدفوعات التابعة لها، "آنت فاينانشيال"، أن كلا منهما سيستثمر ثلاثة مليارات رنمينبي لتطوير خدمة لتوصيل الطعام تسمى كوباي، في حين أن محرك البحث "بايدو" قال إنه سيستثمر 20 مليار رنمينبي في "نعومي"، وهي مجموعة خصومات وتطبيق لتوصيل الغذاء.
جي بي جان، من تشيمينج، وهي شركة لرأس المال المغامر تمول تطبيق هيليجيا، يقول إن هناك منهجا في جنون الدعم: "معظم أصحاب رأس المال المغامر المتمرسين يبحثون في الأنموذج نفسه – أنت تشتري المستخدمين، وأنت تشتري مقدمي الخدمات، وأنت توسع نطاق المنصة لـ 100 مدينة أو 200 مدينة، وأنت تبني قوة عمل مركزة لتوفير الخدمات لأجزاء من المدن التي يوجد فيها عملاء". لكن المطبات واضحة في القطاع، حيث نجد أن مقدمي الخدمة مجزأون والخدمات تشبه بعضها بعضا على نحو كبير. يقول كين شو، من "غوبي كابيتال"، وهي شركة رأس مال مغامر في شنغهاي، المشكلة هي أن "المستخدم ليس لديه ولاء لأحد في هذه القطاعات. إنه يذهب فقط لهذه التطبيقات التي لديها إعانات. في تطبيقات طلبات السيارات، الجميع بدأوا يدركون أنهم يدعمون المجموعة نفسها من الناس الذين إما أنهم يستخدمون أوبر وإما ديدي كوايدي، اعتمادا على من يدفع أكثر".
الفوز لمن يبقى واقفا
تَعرَّض أنموذج الخدمات "على الإنترنت إلى خارج الإنترنت" للتدقيق في أماكن أخرى، خاصة في الولايات المتحدة، حيث فشل كثير من التطبيقات التي تشكل الأساس "لاقتصاد الوظائف المرنة" بعد أن جف التمويل من رأس المال المغامر. لقد ولدت تلك التجربة مخاوف في الصين حول ما إذا كان الشيء نفسه سيحدث بمجرد انتهاء عصر "رعاية رأس المال المغامر". لكن هناك فارق واحد بين الولايات المتحدة والصين، وهو أن التسوق والخدمات غير المتصلة بشبكة الإنترنت تعتبر متطورة أبعد من ذلك بكثير في الولايات المتحدة، بحيث أن "الأعمال ليست مستميتة على الإنترنت لجعلها أكثر كفاءة أو جاذبية"، بحسب دنكان كلارك، رئيس شركة بي دي أي لاستشارات التكنولوجيا في بكين، ومؤلف كتاب يصدر قريبا حول مجموعة علي بابا. في الصين تجارة المحال المادية في المباني في كثير من الأحيان مبالغ فيها، أو ببساطة مزرية، كما يقول. لذلك يراهن المستثمرون على أن الإنترنت سيكون الطريقة الأساسية لاتصال الصينيين بخدمات في المستقبل.
ويضيف كلارك: "في الغرب، كانت لدينا تجارة تجزئة فعالة لفترة طويلة. بمعنى من المعاني، الصين تتجاوز الغرب". ميزة أخرى لاقتصاد التكنولوجيا العالية في الصين هي بوضوح عامل منخفض التكنولوجيا: تكاليف العمالة. وخدمات النقل تعادل 10 - 20 في المائة من التكلفة التي هي عليها في الولايات المتحدة.
يقول هانز تونغ، وهو شريك إداري في GGV كابيتال، إن اليد العاملة الرخيصة والكثافة السكانية الحضرية في الصين هي من بين الأسباب الرئيسة التي جعلت الخدمات المتصلة بالإنترنت وخارج الإنترنت تعتبر اقتصادية، مقارنة بالولايات المتحدة، حيث عانى هذا القطاع. ويضيف: "في الولايات المتحدة كان هناك استيعاب متفاوت لهذا الذي يسمى اقتصاد الوظائف المرنة؛ لأن المستهلكين أكثر انتشارا، وتكلفة التوصيل أعلى، وتكرار الاستخدام أقل. وهذا أمر صعب، بالنسبة للشركات الناشئة في هذه الفئة، إلى جانب وجود أوبر وإيربنب". في الصين انقلبت هذه العوامل كلها في صالح الصناعة: "تكاليف تقديم الخدمات المتصلة وغير المتصلة بشبكة الإنترنت تعتبر أقل، والسكان في المناطق الحضرية أكثر كثافة، وبالتالي، أساسيات القطاع يمكن أن تكون أفضل". لكن من الواضح أن الإعانات لا تزال تلعب دورا حاسما. والشركات تعطي تخفيضات هائلة لإغراء المستهلكين. حين تحصل على مبلغ 99 رنمينبي من تطبيق goodchef.com، فإن من الأرخص بالنسبة إليك أن تدعو رئيس الطهاة إلى بيتك لطهي خمسة أطباق رئيسة من وجبة سيتشوان بدلا من أن تذهب إلى المطعم، حيث الوجبة نفسها تكلفك 200 رنمينبي. طلب ركوب عن طريق أوبر لمسافة قصيرة مقابل ثمانية رنمينبي يمثل ثلثي ثمن الركوب في سيارة أجرة مرخصة، التي تعتبر أسعارها منخفضة أصلا بأمر الحكومة.
سائق يعمل مع كل من أوبر وديدي، قدم نفسه باسم مستر قو، يقول إن الشركتين تدفعان إعانات غالبا ما تصل إلى ضعفين أو ثلاثة أضعاف تكلفة الرحلة. ويضيف: "الإعانات تشكل جزءا أساسيا من الدخل. بسبب المنافسة، الأجرة منخفضة للغاية. ويتابع "بدون دعم، الأجرة ليست كافية لتغطية البنزين - وهي لن تؤتي ثمارها".
الجدوى النهائية لهذا الأنموذج التجاري تعتمد على ما يحدث عندما يتوقف المال، لأنه سيتوقف حتما، كما يقول المحللون.
في العام الماضي كانت هناك بالفعل علامات على أن المستثمرين أخذوا يشعرون بأنهم قد اكتفوا من "حرق النقدية". كان يعتقد أن ضغوطا من المستثمرين تقف وراء اندماج "ديدي داتشي" و"كويدي داتشي" في العام الماضي، وكلاهما اسم لتطبيق سيارات أجرة. في وقت سابق من هذا العام تمت مواجهة اندماج "مايتوان" و"ديانبينج" بمنصة محرك البحث المنافس "نعومي"، التابع لشركة بايدو.
يقول قان، من تشيمينغ: "هذه قصة شبكة الإنترنت الصينية - آخر رجل يظل واقفا دائما يفوز. وأحيانا عندما يكون هناك رجلان واقفان في الآخر سيندمجان".
بريان فيارد، الخبير الاقتصادي الذي يدرّس في كلية هونغ تشيونغ العليا لإدارة الأعمال في بكين، يقول إن منصات مثل أوبر وإيربنب تعتمد على أعداد كبيرة من العملاء والبائعين لتحقيق الكتلة الحرجة اللازمة، ما يدفع إلى خفض التكاليف. لكنه يرى أن الأنموذج الأساسي من "حرق النقدية" يدور حول التفاؤل أكثر مما يتعلق بالعوامل الاقتصادية.
ويقول: "هناك الكثير من هذه الشركات التي لديها شيء واحد مشترك - تصوراتهم لاحتمالات النجاح أعلى مما هي عليه في الواقع".