كيف تصبح صاحب عمل يختاره الآخرون؟

كيف تصبح صاحب عمل يختاره الآخرون؟

تتحدث شركات كثيرة عن أنها مواقع عمل يختارها الآخرون للعمل فيها، ولكن مع استمرار غليان عمليات البحث عن المواهب، فإن ستيورات بلاك، الأستاذ المشارك للسلوك التنظيمي في إنسياد، يقول إن على المسؤولين التنفيذيين في الشركات أن يفعلوا شيئاً غير مجرد الحديث عن الموضوع.
ويرى بلاك أن كثيراً من الشركات ذات الاستراتيجيات الجيدة يمكن أن تفشل في تحقيق أهدافها، لأنها لا تضم الأشخاص الذين تحتاج إليهم. وإن اجتذاب الموظفين الموهوبين والاحتفاظ بهم، في أيامنا هذه، يعد أمراً حيوياً حتى تتمكن الشركات من التنافس. ويضيف بلاك "إن الواقع الذي يواجه معظم المديرين والمسؤولين التنفيذيين هو أن هنالك حرباً من أجل الحصول على المواهب".
ويتعلق الأمر في جانب منه بلعبة أرقام، حيث انتقلت أمريكا الشمالية وأوروبا من فترة زيادة المواليد إلى فترة ندرتهم، حيث لا يوجد العدد الكافي من الأشخاص المؤهلين لشغل الوظائف المتوافرة. أما في آسيا، فإن الاقتصادات شابة، وليست هناك تجمعات من العمال من ذوي الخبرات بما يكفي لتلبية الطلب المتزايد. وتتسبب هذه العوامل في تحول عالمي تاريخي.
ويقول بلاك "حين يكون لديك طلب متزايد بصورة عامة، وبالذات في بعض الأسواق، على أفراد من ذوي المؤهلات، في ظل وجود منافسة على أولئك الأفراد، يحدث هناك تحول في ميزان القوة من أصحاب العمل في اتجاه الموظفين. وهذا يعني أنه إذا أراد أصحاب العمل الاحتفاظ بأفضل وأذكى الموظفين، فإن عليهم تقديم عروض قيمة جذابة لهم".
أصبح لدى الموظفين مزيد من قدرة الوصول إلى المعلومات. وتماماً كما زادت الإنترنت من المنافسة على الزبائن بتمكينها لهم من مقارنة الأسعار، والمنتجات، فإن الموظفين في الوقت الراهن يستطيعون البحث الفوري على الإنترنت لاكتشاف قيمتهم، ومعرفة فرص العمل الأخرى. وهناك عامل أخير يتمثل في ابتعاد كثير من الدول عن خطط التقاعد التقليدية التي تهدف إلى الإبقاء على الموظفين. وبتحول الشركات من خطط المنافع إلى خطط المساهمة المحددة، فإنها خفضت من تكاليف تحول العاملين من صاحب عمل إلى آخر.
ويعلق بلاك على تغيرات توجهات الموظفين بقوله"إنني أعرف المزيد عن قيمتي، وإن تكاليف تحولي إلى عمل آخر أصبحت أقل، ولذلك فإن عليك، كصاحب عمل، أن تقدم لي عرض قيمة جذابا إذا أردت الاحتفاظ بي". وسوف تتطلب هذه الأمور تحولاً أساسياً في تفكير أصحاب العمل الذين ظلوا يتصرفون لفترة طويلة على أساس أن بالإمكان استبدال أي عامل. وبدأ أصحاب العمل في اكتشاف أنهم لم يعودوا يتولون زمام الأمور في هذا الصدد.
كثيراً ما يفاجئ بلاك المسؤولين التنفيذيين حين يقول لهم إن الموظفين يدفعون ثمناً عندما يعملون في شركاتهم. "ويقولون لا، إنك على خطأ، حيث إنهم لا يدفعون لنا، بل نحن الذين ندفع لهم. ولكن القضية بالفعل هي أن الموظفين يدفعون ثمناً بالفعل. وأنت في الواقع تدفع ثمناً يتمثل في الساعات التي تعملها للشركة، حيث تمتد ساعات العمل الأسبوعي في بعض الشركات إلى 40 ساعة، بينما تصل إلى 100 ساعة في شركات أخرى، وإنك تدفع ثمناً في صورة ضغط وتوتر، أي أنك تدفع ثمناً من دمك، وعرقك، ودموعك".
ويوازن الموظفون بين الثمن الذي يدفعونه، وبين ما يعرض عليهم. ويقول بلاك واصفاً حال الموظفين "هل يمثل عملي صفقة جيدة؟ وإذا لم يكن كذلك، فإنني في ظل حصولي على المزيد من المعلومات سوف أبدأ في البحث عن صفقة أفضل. ولدى الناس خيارات على الدوام ما لم يكونوا من العبيد". ويقول بلاك إن هناك أموراً قابلة للقياس يستطيع أن يقوم بها المسؤولون التنفيذيون لاجتذاب الموظفين، والاحتفاظ بأفضلهم. وهو يستعير تعبيراً من تحليل رضا الزبائن، حيث يطلق عليه" عروض القيمة"، ويعدد أربعة أمور بهذا الخصوص هي القيادة، الشركة، العمل، والحوافز.
القيادة:
تظهر الدراسات أن القيادة القوية هي أبرز السمات لتحفيز الموظفين والاحتفاظ بهم. ويقول بلاك إن العاملين يفهمون أن الإدارة الضعيفة لن تؤثر في نجاح الشركة فقط، وإنما كذلك في نوعية بيئة العمل، وقدرة العاملين على تطوير مسيرة عملية ناجحة. ويضيف "إن الناس يهتمون بنوعية الإدارة، وكذلك بقدرة الشركة على تحديد وتطوير القادة، بما يشمل القيادات العليا ذاتها".

الشركة
يتضمن ذلك كل الأمور الخاصة بالشركة من سمعة، وقيم، ومساهمات اجتماعية. ويمكن أن يكون الموظفون على استعداد للعمل لساعات أطول مقابل مكافآت أقل إذا كانت لدى الشركة قيم شركات أقوى، أو إذا كانت تتمتع بسمعة جيدة. ويقول بلاك "لم تكن شركة إكسون قبل سنوات قليلة تمثل أعظم شركة يمكنك العمل فيها، وذلك بعد التسرب النفطي في حقل فالديز في ألاسكا. كما أن شركة إنرون لم تعد الشركة التي تريد أن تعمل فيها. ولذلك، فإن السمعة، والثقافة، ومثل هذه الشؤون تمثل أموراً مهمة".

العمل:
يتضمن ذلك الكثير من الجوانب المتعلقة بالعمل يوماً بيوم، أي ما مدى المتعة فيه، وما مدى الضغط الذي يسببه، وهل يستطيع الموظفون تحقيق النمو الوظيفي والشعور بالرضا عن عملهم، وهل لديهم الموارد والتدريب لتحقيق أهدافهم؟ والأسئلة الأخرى على سبيل التخصيص هي: ما حدود حريتي، واستقلالي، وفرص النمو المتاحة لي، والتحديات التي تواجهنني في العمل الذي يطلب مني إنجازه؟

الحوافز
إن ذلك هو ما يخطر في بال أغلب الناس حين يفكرون في تعويضات العمل، إذ يتركز الأمر على الأجور والمنافع. ولكن الجوائز تتضمن كذلك أموراً غير ملموسة مثل مستقبل العمل، وفرص التطوير، والاتصال الاجتماعي مع الزملاء.
ويقول بلاك إن من الصعب على المسؤولين التنفيذيين معرفة أثر ذلك في العمل، إلا أن هذه الأمور قابلة للقياس. ويضيف "خذ أي نشاط عملي، مع التأكيد أن تكون لدى الشركة مكونات تقديم خدمات عليا. وإذا كان الناس يغادرون أبوابها بسرعة، فإن ذلك يعني أنهم لا يحصلون على منحنى التعلم، وبالتالي فإن مستوى خدماتك يعاني بسبب هذه المشكلة. وينتقل الأمر مباشرة إلى الاعتبارات المهمة مثل نوعية الخدمة ذات الأثر المباشر في النتائج الأساسية". ويمثل قياس اقتراحات القيمة التي يقدمها المديرون للموظفين طريقة متميزة في تحول صاحب العمل إلى جهة يختار الآخرون العمل معها، وتحقق نجاحات في نشاطها العملي. ويقول بلاك "إن شركات كثيرة تعتقد أن ميزتها التنافسية تكمن في ثقافتها الفريدة. ولكن إذا لم تستطع اجتذاب الموظفين المناسبين، والاحتفاظ بهم، فإن ثقافتك سرعان ما ستتوقف عن تقديم أي ميزة لك".

الأكثر قراءة