الجنيه والدراهم والقروش ما زالت باقية في نظام المحكمة التجارية

الجنيه والدراهم والقروش ما زالت باقية في نظام المحكمة التجارية

لا يعرف كثيرون أن أساس القانون التجاري السعودي يقوم على نظام عمره 87 عاما تقريبا! هذا النظام هو نظام المحكمة التجارية، الذي صدر عام 1350هـ، والذي أصدره هو المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن، وما زال ساري المفعول حتى الآن "نسخت العديد من مواده ولكن ما زال ساريا"، ويفترض أن يكون إصدار نظام تجارة جديد من أهم أولويات وزارة التجارة والصناعة، كونه أساس التعامل التجاري، ويسهم في تعميق البنية التحتية القانونية للبلد، ما يساعد في النمو الاقتصادي وتعزيز التنمية فيه. ولهذا النظام تاريخ، كونه من أوائل الأنظمة السعودية التجارية "جاء قبله نظام المجلس التجاري عام 1345 إلا أنه ليس ساري المفعول"، وأنشئت بعده المحكمة التجارية في جدة، إلا أنها ألغيت في عام 1374. وتعطل العمل بهذا النظام إلى أن صدر قرار عام 1382 بإنشاء هيئة لفض المنازعات التجارية تابعة لوزارة التجارة، ثم صدر بعدها قرار بإلغائها وإعادة اختصاص القضاء التجاري لديوان المظالم. وإذا نظرنا إلى هذا النظام فإننا سنجد كثيرا من المواد التي لا تتوافق مع عصرنا ولا تعالج مشاكله، حيث إنه مكتوب قبل الحرب العالمية الثانية، وبقي عليه 14 عاما ويكمل عمره القرن! وهو مستند في كتابته إلى قانون التجارة العثماني الصادر عام 1807، الذي استفاد هو أيضـا من القانون التجاري الفرنسي آنذاك، الذي يعود إلى أواخر القرن السابع عشر الميلادي! نعم، لقد تم إلغاء العديد من أجزاء هذا النظام، مثل ما يتعلق بالشركات أو الأوراق التجارية أو السجل التجاري وغيرها، إلا أنه لا يزال فيه العديد من الأجزاء الفاعلة! خصوصا في تعريف التجاري والمدني لا يزال الاعتماد على هذا النظام القديم، كما أن القانون البحري كاملا يعتمد عليه وعدد من الأبواب الأخرى كنظام الإفلاس. النظام يستخدم العديد من المصطلحات القديمة، التي لم يعد لها وجود في عصرنا، وعلى سبيل المثال، ففي الفصل السادس مثلا، يتحدث عن السفاتج بالطريقة التاريخية القديمة التي لم يعد يستـخدمها التـجار إلا فـيما ندر ربما!
كما أن النظام هو الذي يحكم باب الإفلاس حتى الآن! حيث في الفصل العاشر، المواد (103-135) هي التي تعتبر الأساس في قانون الإفلاس السعودي، إضافة إلى نظام التسوية الواقية من الإفلاس الصادر عام 1416، في الوقت الذي يجب أن يكون هناك نظام مستقل ومتطور ليعالج مشاكل الإفلاس بشكل فعال، وقد نشرت وزارة التجارة أخيرا مسودة للنظام للاستفادة من ملاحظات المختصين، إلا أن النظام لم يعتمد حتى الآن.
نظام المحكمة التجارية لا يزال يتضمن أسماء العملات القديمة (الجنيه والدرهم والقروش) حيث لم يكن الريال وقتها موجودا، وكان يفترض إصدار قرار باستبدال هذا التعبير والمسميات الأخرى التي تغيرت، وهذا لا يحتاج إلى مشاريع قوانين ولا ورش عمل، ومن مواد نظام المحكمة المذكور؛ المادة 145، التي تتحدث عن صرف النقود (أي المعدنية)، بأن "كل صراف يدفع نقودا مبرودة أو ناقصة أو يرتكب أي نوع من أنواع الغش والاختلاس يجازى في أول مرة بإغلاق محله شهرا، وإذا عاد لذلك يحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر"! وهذا قبل نشوء المصارف لدينا! وهناك الكثير من النصوص في النظام لم تعد تنطبق نهائيا على عصرنا، والهدف هو إبراز مدى قدم النظام والحاجة إلى إصدار نظام تجارة جديد، نأمل أن تكون من بين أهم أجندات وزارة التجارة.
ونعلم أنه مضت سنوات طويلة والنظام الجديد للشركات يدور بين الدوائر الحكومية إلى أن صدر أخيرا.
وفي وضع كهذا فإنه يفترض من وزارة التجارة والصناعة كجهة اختصاص أن تبادر إلى تبني تعديلات جوهرية في هذا النظام القديم جدا، إلى جانب مجلس الشورى الذي قد تعرض عليه مثل هذه المواضيع، فإن المؤمل أن يبادر المجلس هو الآخر إلى طرح هذه القضية للنقاش والمداولة واقتراح مشروع نظام جديد ورفعه إلى الجهات المختصة لنخرج بنظام حديث يواكب المستجدات محليا وعالميا ويعود بفوائد كبيرة على الاقتصاد السعودي وتعزيز تنميته.

الأكثر قراءة