التأمين على البطالة في الجزائر..تجربة مثمرة

التأمين على البطالة في الجزائر..تجربة مثمرة

تعد تجربة الجزائر في التأمين على البطالة هي التجربة الوحيدة في الوطن العربي، والثانية على مستوى القارة الإفريقية، بعد جنوب إفريقيا، وتحظى هذه التجربة برعاية واهتمام المكتب الدولي للعمل والمنظمة العالمية للتأمينات الاجتماعية.

- البداية
بدأ التفكير في التأمين على البطالة خلال فترة تحول الاقتصاد الجزائري من المركزية وتحكم الدولة في كل القطاعات وتسييرها إلى الدخول في اقتصاد السوق، الذي حمل في طياته تحولات اجتماعية وعمالية مست أكثر من 400 ألف عامل فقدوا عملهم لأسباب مالية اقتصادية تخص المؤسسات المستخدمة، ولا ذنب لهم في ذلك.
ومن هنا، قررت السلطة السياسية في البلاد الإقدام على تطبيق هذه الآلية الجديدة، لأن علاقات العمل وسوق العمل تغيرت ودفع العمال الثمن، بعد أن كانوا يشاركون في الإنتاج الوطني ونظام الاشتراكات الخاصة بالتأمين الاجتماعي، لذلك صدر مرسوم رئاسي بإنشاء الصندوق الوطني للتأمين على البطالة ليكفل لهؤلاء العمال تعويضًا ماليًا على الأعمال التي فقدوها بغير إرادتهم الحرة، وخاصة أنهم كانوا يسهمون في دفع ضريبة التأمين على فترات العمل القانونية لهم.
وحدد المرسوم الرئاسي الصادر بشأن إنشاء الصندوق الكيفيات والمعايير التي يسيرها الصندوق والقواعد التي يتم وفقها تأمين التعويض عن البطالة فقط بالنسبة للعمال الذين فقدوا أعمالهم، بناء على أسباب اقتصادية أو قانونية تتعلق بالمؤسسة المشغلة، وثبت قانونيًا أنهم كانوا ينتمون إلى تلك المؤسسات التي سرحتهم طبقًا للقانون 11/90، لأن التغييرات الاقتصادية الجديدة فرضت اللجوء إلى التقليص في عدد العمال وحتى غلق العديد من المؤسسات، وهذه الظاهرة لا تخص الجزائر وسوق العمل الجزائرية وحدها، بل هي ظاهرة مست كل الدول التي كانت تسير في فلك النظام الاقتصادي الاشتراكي الشمولي في أنحاء العالم.

- 80 % من الأجر كتعويض
ووفقا للقانون التنفيذي رقم 01/04 لعام 2004 والمرسوم التنفيذي المتعلق بهذه الآلية، فإن نسبة التعويض عن البطالة للعمال المنتمين للصندوق قانونيًا تساوي 80 في المائة من الأجر المرجعي الذي كان يتقاضاه هؤلاء في المؤسسات المشغلة قبل التسريح النهائي القانوني لهم. حيث يتم إيداع ملفات العمال العاطلين والمعنيين على مستوى الوكالات الولائية للصندوق طبقًا للشروط المحددة في المرسوم التنفيذي لهذه الآلية، وتتم دراستها من كل الجوانب بينه وبين المؤسسة المشغلة حتى تاريخ قرار التسريح، وأن يسجل اسمه في قائمة المنخرطين في التأمين على البطالة لمدة 6 أشهر، وأن يكون منخرطًا في شبكة التأمينات الاجتماعية عن العمل لمدة 90 يومًا على الأقل قبل الخروج من الشغل.
ومنذ إنشاء الصندوق في 1994 تتم عملية دفع التعويضات عن البطالة للعمال المعنيين على المستوى الوطني، دون حدوث أي خلل أو تأخر في الدفع، كما أن الصندوق لم يعرف أي عجز مالي حتى الآن، وعلى العكس من ذلك، فهو يتمتع بفائض مالي يسمح له بأن يقوم بهذه المهمة في أمان وراحة واستقرار.
كما أنشأ الصندوق -إضافة إلى مهمة التأمين على البطالة، مجموعة من الأساليب والآليات الميدانية التي تسهم في توجيه "العامل العاطل" أو غيره من العاطلين لكيفية الحصول على عمل جديد بالأجر الشهري، أو مساعدته على خلق نشاط جديد حر خاص به للخروج من البطالة وفتح الباب للعمل أمام عاطلين آخرين مثله، وتتمثل هذه الطرق في إنشاء مركز للبحث عن العمل والتوجيه وكذلك شبكة مراكز إنشاء أعمال حرة للعاطلين دون البقاء في انتظار فرص العمل بنظام الأجر الشهري، ومنحت كذلك الفرصة للعاطلين من أجل التكوين والتأهيل المختص المحترف، قصد إنشاء نشاط خاص أو الاندماج في سوق العمل، بناء على الاحترافية الجديدة التي يحصل عليها بعد فترة التكوين في مراكز مختصة للتكوين والتأهيل المهني العامة.

- مشروعات صغيرة للعاطلين
وتبعًا للمرسوم التنفيذي رقم 02/04 لعام 2004، المتعلق بحق العاطلين، سواء كانوا عمالاً وفقدوا مناصب عملهم، أو عاطلين لم يشتغلوا أبدًا، يكون من حقهم إذا كانت أعمارهم بين 35 و50 سنة الحصول على قروض ميسرة بهدف إنشاء مشاريع مؤسسات مصغرة لهم فرديًا أو جماعيًا من أجل الخروج من البطالة.
وقد تطرق المرسوم التنفيذي إلى كل الشروط التفصيلية لذلك، بشرط ألا يتجاوز المشروع سقف مليوني دينار، أي نصف مليار سنتيم، تكون مساهمة العاطل صاحب القرض بنسبة 5 إلى 10 في المائة من مجمل رأس المال، وقد أعطيت التعليمات الحكومية للبنوك، قصد التكفل الجاد والدقيق والسريع بهذا المشروع من القرض.
ويعد إنشاء هذه المشروعات الصغيرة لهذه الفئة من العاطلين الانطلاقة التطبيقية لهذا المشروع الوطني الذي أسندت مسؤولية متابعته وتسييره والإشراف القانوني عليه إلى الصندوق الوطني للتأمين على البطالة. وتحظى التجربة الجزائرية في التأمين على البطالة بعناية ورعاية واهتمام العديد من المؤسسات الدولية المعنية بمشكلة البطالة وسوق الشغل، ولذا طلبت المنظمة العالمية للتأمين على البطالة "AISS" مشاركة الجزائر في المنتديات التي تنظمها في الدول النامية، قصد الوقوف على الجوانب الإيجابية وآليات التطبيق والنجاح لهذه التجربة في الجزائر كبلد نامٍ.

الأكثر قراءة