منظمة التجارة العالمية بين يديك الحلقة (56)
الأسس الاستراتيجية لإعداد جداول العروض الأولية (الجزء الثاني: قطاع الخدمات)
بالنسبة إلى قطـاع الخدمات، تقوم الدولة المستجدة، لدى إعداد جداول العروض الأولية، بتنفيذ الخطوات الاستراتيجية والخطوات العملية التالية ضمن القواعد النظامية والخصوصية الاجتماعية والاستراتيجيات الاقتصادية والتجارية التي تطبقها الدولة المستجدة:
1 ـ تحديد القطاعات الرئيسية والفرعية التي لا يمكن الالتزام بفتحها للاستثمار الأجنبي لكي يتم استثناؤها من جداول العروض الأولية لأسباب شرعية مثل خدمات القمار والبارات والملاهي الليلية، أو لأسباب اجتماعية مثل خدمات التوزيع والطباعة والنشر، أو لأسباب اقتصادية مثل خدمات الاتصالات والنقل الجوي والبري.
2 ـ إعداد قوائم للشركات العاملة والأنظمة التجارية القائمة في كل قطاع خدمي مع التركيز على حجم وطبيعة ممارسات الشركات الأجنبية والمختلطة في مختلف القطاعات.
3 ـ حصر الخدمات المعانة من الدولة والمقتصر تقديمها للمواطنين فقط، مثل الخدمات الصحية والتربوية والزراعية والعقارية.
4 ـ إعداد الالتزامات القصوى والدنيا الممكن إدراجها في جداول العروض الأولية لتمثل حدود التفاوض المرسومة والتي يتم التقيد بها مع الأخذ بالاعتبار أن العرض النهائي يجب أن يشمل قطاعات فرعية من كل قطاع خدمي رئيسي، إلا أنه في العرض الأولي يمكن استثناء بعض القطاعات الفرعية لاستخدمها كأوراق تفاوضية.
5 ـ تسجيل القيود والشروط المتعلقة بالتواجد التجاري كالتزامات أفقية للخدمات لتكون سارية على جميع القطاعات الخدمية. وتضمين الخدمات الأفقية كالتزامات أفقية لا تشمل أي اختلاف عما هو في الأنظمة واللوائح المطبقة حالياً.
6 ـ ضرورة توافق القيود الخاصة بحركة الأشخاص الطبيعيين مع السياسة العامة للدولة بخصوص زيادة الفرص الوظيفية للمواطنين مع ضرورة تحديد القيود على حقوق مقدم الخدمة الأجنبي في شراء الأراضي والعقارات، وتوضيح المعاملة الضريبية المختلفة فيما بين الشركات الوطنية والأجنبية العاملة.
7 ـ دراسة الخيارات المتاحة لقيود وشروط الالتزامات بعد تحديد القطاعات الرئيسية والفرعية المشمولة بجداول العـروض المبدئية ضمن مبادئ النفاذ للأسواق والمعاملة الوطنية.
8 ـ وضع تصور واضح للمطالب التي قد تطرحها الدول الأعضاء في المنظمة على مائدة المفاوضات الثنائية، ودراسة الخيارات المتاحة، وبالذات:
أ ـ تطلع الدول المتقدمة إلى تقديم الدولة المستجدة التزامات في العديد من القطاعات الرئيسية وأهمها الخدمات المالية وخدمات الاتصالات. ورغبتها في عدم استثناء القطاعات الرئيسية وحجبها من جداول العروض.
ب ـ تطلع الدول النامية إلى تخفيف القيود على حركة الأشخاص الطبيعيين.
ج ـ تطلع الدول الأعضاء عامة إلى الحصول على التزامات في فتح القطاعات الفرعية مثل: المحاسبة، والهندسة، والحاسب الآلي، والإعلان، والاستشارات الإدارية والقانونية، والمقاولات، والسياحة، وصيانة الطائرات المدنية، والنقل البحري والبرى والخدمات المساندة للنقل الجوى.
9 ـ استخدام المادة الثانية لاتفاقية الخدمات، التي تسمح للدول بالحصول على استثناءات من تطبيق مبدأ حق الدولة الأولى بالرعاية وذلك بالنسبة للتدابير القائمة حالياً، والتي يجب أن تذكر سواء عند تقديم العروض أو لاحقاً عند المفاوضات.
ومن المتعارف عليه في أروقة المنظمة، أن الآثار التجارية المتوقعة من تحرير الدولة المستجدة لقطاع الخدمات، خلافاً للتجارة في السلع، لا يخضع لدراسة التقييم الكمي، وذلك لسببين، أولهما: أنه لا يوجد ما يقابل التعريفات الجمركية في قطاع الخدمات. وثانيهما: أن حماية قطاع الخدمات تتم من خلال أنظمة ولوائح تجارية محلية على أساس تمييزي ضد الموردين الأجانب للخدمات. إلا أن تعزيز وتقوية تدابير التحرير والتعهد بعدم إلغائها أو تعديلها لاحقاً، سيكون له الأثر الفوري على شركات تصدير الخدمات الأجنبية، مستمداً أساساً من ضمان النفاذ إلى أسواق الدولة المستجدة بفضل هذه التعهدات، وبالتالي فإن المكاسب الأساسية لتحرير هذا القطاع سوف تكون على النحو التالي:
ازدياد مكاسب الإنتاجية بسبب زيادة المنافسة في السوق المحلية، فدخول موردين أجانب في قطاعات خدمات الاتصالات والمصارف والتشييد سيدفع مقدمي الخدمات المحلية المماثلة، التي كانت تتمتع بحماية كبيرة، إلى تحسين أدائها ورفع مستوى إنتاجيتها باعتماد أساليب أكثر كفاءةً لتقديم هذه الخدمات، وسوف يكون ذلك مفيداً للمستهلك المحلي وفي تصدير هذه الخدمات أيضاً.
استفادة موردي الخدمات المحليين من فرص التعاون مع موردي الخدمات الأجانب في مجالات نقل التقنية الحديثة وتدريب الموظفين المحليين وجلب الاستثمار الأجنبي ضمن الضوابط والشروط التي تعهدت بها الدولة المستجدة، وهذا يؤدي بالتالي إلى زيادة فرص العمل للمواطنين وتنمية قدراتهم وفتح المجالات الاقتصادية أمام إنتاجهم.
تؤدى المعرفة المسبقة للتعهدات التي التزمت بها الدول الأعضاء في المنظمة والشروط التي تطبقها إلى توافر المعلومات الدقيقة عن كيفية النفاذ لأسواقها من أجل تنشيط التبادل التجاري معها، وحيث إن غالبية هذه التعهدات تشترط الترخيص للمنشأة الأجنبية في إبرام عقود مشاركة مع الشركات الوطنية الخاضعة لكيان قانوني معترف به، وعليه يصبح من الضروري للأفراد أن يقوموا بتنظيم أنفسهم ضمن شركات وطنية بدلاً من العمل بشكل فردي، أو من خلال مجموعات غير محكمة التشكيل القانوني، للاستفادة من مشاركة الشركات الأجنبية وتنويع مصادر دخلها وتوفير فرص نفاذ منتجاتها الوطنية للأسواق الأجنبية.
ومن هذا المنطلق يجب على الدولة المستجدة المضي قدماً في إعداد جداول عروض الخدمات والإسراع في استيفاء متطلبات الانضمام واستحقاقات عضوية المنظمة، مما سيكون له أكبر الأثر في:
1 ـ تفادي الالتزامات والتعهدات الجديدة والتي قد تكون أكثر تشدداً وتقييداً والناتجة عن مفاوضات الدول الأعضاء الشاملة في قطاع الخدمات، والمتوقع لها أن تنتهي إلى الاتفاق على إنشاء قطاع رئيسي للخدمات تحت مسمى قطاع الطاقة ويشمل التنقيب واستخراج وتوزيع وتكرير النفط والغاز والخدمات الفرعية المتصلة بذلك. كما يتوقع أيضاً التوصل إلى اتفاق يؤدي إلى دمج اتفاقية الاتصالات الأساسية وذات القيمة المضافة، التي وقعت عليها (77) دولة وتسيطر على (96 في المائة) من حجم السوق العالمي في هذا القطاع، مع اتفاقية سلع تقنية المعلومات، والتي وقعت عليها (69) دولة عضو تسيطر على (94 في المائة) من حجم السوق العالمية في المتاجـرة بهذه السلع، وذلك للاستفادة القصوى من هذا الدمج في تفعيل دور التجارة الإلكترونية.
2 ـ تفادي مطالب الدول حديثة الانضمام والتي لها مصالح كبيرة في أسواق الدولة المستجدة، مثل الصين وتايوان وبعض الدول النامية والأقل نمواً، بإجراء مفاوضات ثنائية مع هذه الدولة، لتعظيم المكاسب من انضمامها وضمان النفاذ لأسواقها في قطاع الخدمات، ومنها مطالبة الدولة المستجدة بزيادة نسبة العمالة الأجنبية في الشركات العاملة وتخفيف القيود على الإقامة والزيارات التجارية، إضافة إلى مطالبتها بفتح قطاعات فرعية جديدة مثل الخدمات المصرفية وفروع البنوك والخدمات التربوية مثل التعليم الابتدائي والثانوي، وخدمات التوزيع مثل تجارة الجملة والتجزئة.
كما يؤدي الإسراع في إبرام الاتفاقيات الثنائية مع الدول الأعضاء بالمنظمة إلى إنهاء مرحلة مهمة من مراحل المفاوضات الرامية لانضمام الدولة المستجدة، وبالتالي تتحقق المكاسب المرجوة التالية:
1 ـ زيادة نفاذ خدمات هذه الدولة للأسواق العالمية وفتح أسواق جديدة أمام قطاعاتها الخدمية المميزة مثل الخدمات الهندسية والمقاولات والتوزيع والخدمات المالية والمصرفية والتربوية.
2 ـ تعميق وتوسيع الأسواق المالية المحلية مما يساعد على تعبئة المدخرات وتحسين أساليب الاستثمار وإدارة المخاطر، والتزام مقدمي الخدمات الأجانب تجاه السوق المحلية عن طريق جذب المزيد من الاستثمارات ودعم الاستقرار بين الشريك الوطني والمستثمر الأجنبي مما يؤدي إلى دعم الاستقرار وزيادة الثقة في التعامل التجاري بين هؤلاء الشركاء، ورفع قدرة مقدمي الخدمات المحليين عن طريق الالتزام بالمعايير الدولية.
3 ـ الاندماج في السوق العالمية للخدمات وتنفيذ السياسات الموحدة والمطبقة على جميع الدول الأعضاء في المنظمة على حد سواء في ظل مبادئ منظمة التجارة العالمية المتفق عليها. وهذا يسهم أيضاً في تشجيع المعاملات التجارية بين الدول مما سيؤدي حتماً إلى نمو الناتج المحلي وحماية مقدمي الخدمات المحليين من المنافسة غير الشريفة والأضرار الناتجة عنها.
4 ـ زيادة عائد الضرائب المفروضة على أرباح موردي الخدمات الأجانب ضمن شروط استثمار رأس المال الأجنبي وانخفاض قيمة الواردات من الخدمات لتوفرها في السوق المحلية بأسعار معقولة وما يصاحب ذلك من ارتفاع قدرة الأنشطة الخدمية الفرعية في الدولة المستجدة وتحسين مستوى أدائها مما يؤهلها لزيادة صادرتها.
5 ـ توفير المناخ المناسب للتحالف الاستراتيجي بين مقدمي الخدمات المحليين والأجانب وتقليص فجوة التقنية وتحسين فرص النفاذ للأسواق العالمية.