حصة المملكة من إجمالي السندات والصكوك المصدرة في مجلس التعاون لا تتجاوز 5 %

حصة المملكة من إجمالي السندات والصكوك المصدرة في مجلس التعاون لا تتجاوز 5 %

[email protected]

قد يلتبس على البعض فهم آلية عمل الأسواق المالية، التي بطبيعتها لا تختلف عن أي سوق خدماتية أو سلعية. فسوق السلع، على سبيل المثال، هي عبارة عن موقع يتلاقى فيه تيار الطلب مع تيار العرض ليحددا التوازن السعري والكمي، وبسبب عوامل ومؤثرات عدة ربما ينحرف هذا التوازن لفترة قد تكون قصيرة أو طويلة. وبهذه الآلية نفسها تعمل الأسواق المالية، إلا أن ما يتم طلبه أو عرضه هنا ليس بمنتج أو خدمة بل تمويل أو رأسمال. يُقدم جانب العرض "المُقرض" ما لديه من فائض في السيولة لجانب الطلب "المقترض". وبدلاً من تحديد التوازن السعري كما هو الحال في سوق المنتجات يتغير الاسم والمعنى واحد ليحل سعر الفائدة بدلاً منه. وهنا أريد التنويه إلى جزئية في غاية الأهمية وهي الفرق بين السندات والأسهم، فعندما يقدم من يحمل فائضا في السيولة ما لديه ويحصل على سهم في شركة ما، يعد شريكا في المنشأة وله حقوق عدة مثل المشاركة في القرار عن طريق التصويت والمشاركة في الأرباح والخسائر. أما بالنسبة إلى السند فهو عبارة عن ورقة مالية تشير إلى أن مالك السند دائن للجهة المصدرة "المقترض" بمبلغ يساوي القيمة الاسمية، وإذا تضاعفت أرباح الجهة المقترضة لا يحق لمالك السند المشاركة في الأرباح ولا يتحمل الخسائر في حين تحقيقها، وله أيضاً الأولوية إذا ما تمت تصفية أصول الشركة إذا أعلنت إفلاسها. وبالطبع لا يقتصر إصدار السندات على الشركات بل أيضاً الحكومات تقوم بإصدارها لتمويل مشاريع تنموية وغيرها، وقامت السعودية بإصدار سندات التنمية الحكومية منذ 1988.

دور السندات في النشاط الاقتصادي:
ينادي جميع المهتمين بالشأن الاقتصادي والمالي على وجه الخصوص بضرورة إنشاء سوق ثانوية للسندات، وذلك لتعزيز القنوات الاستثمارية المتاحة وزيادة عمق سوق الأوراق المالية المقتصرة على ورقة واحدة فقط. علاوة على إعطاء المستثمر قدرا عاليا من الحرية في هندسة محفظته الاستثمارية بشكل يتناسب مع مستويات المخاطر والعوائد المطلوبة. وإذا عكسنا محور حديثنا من المستثمر إلى المقترض، الذي يبحث عن قناة تمويلية فالمتاح في الوقت الحالي هو الاقتراض البنكي أو طرح الشركة للاكتتاب العام أو الخضوع للمخاطر وإصدار سندات في أسواق خارجية. وجميع الطرق توفر السيولة لطالبيها لكن بآليات مختلفة. أما بالنسبة إلى السندات والصكوك فجاذبيتها للمُقرض والمقترض كبيرة، لاتسامها بقدر عال من السيولة على خلاف القروض، لأنها تمكن المُقرض من استرجاع جميع أو جزء من المبلغ بمجرد عرض ما لديه في السوق الثانوية، وعليه فإن مخاطر السيولة Liquidity Risk تعد محدودة مقارنة بقنوات الاستثمار الأخرى, خصوصاً القروض البنكية. علاوة على ذلك، وجود عدد كبير من حملة السندات من شأنه أن يخفض علاوة المخاطر Risk Premium التي عادة ما تكون مرتفعة إذا ما تمت عملية الإقراض من قِبل جهات محدودة. ومن إحدى وأعظم السلبيات المترتبة على غياب سوق ثانوية للسندات هي عملية عدم التوافق أو التجانس بين الأصول والخصومMatching principal . أي أن الشركات لن تتمكن من عملية تمويل أصولها أو مشاريعها طويلة الأجل بأدوات تمويلية متناسبة مع فترة المشروع أو الأصول، وهذا ما تقوم به الشركات عادة فهي تمول أصولها المتداولة عن طريق خصومها المتداولة أي عن طريق قروض قصيرة الأجل. أما بالنسبة إلى المشاريع التي تتطلب فترة زمنية طويلة فعادة ما يتم تمويلها عن طريق قروض ذات فترات استحقاق مماثلة. وتعد عملية إدارة الأصول والخصوم بالغة الأهمية للمؤسسات المالية كالبنوك و شركات التأمين، وفي حالة حدوث أي خلل بها ستنجرف المؤسسات المالية لمخاطر عدة يؤثر بشكل عام في الاستقرار المالي في الاقتصاد، وهذا ما ركز عليه تقرير بنك التسويات العالمي. وهذا بالطبع يبرر وجود أصول مالية أجنبية ضخمة وبفترات استحقاق مختلفة في المحافظ الاستثمارية لمؤسساتنا المالية. وبسبب انعدام أدوات الدين قام عدد من شركاتنا المحلية بإصدار سندات في أسواق خارجية، وهذا بالطبع تترتب عليه أعباء أخرى أهمها مخاطر التقلبات في سعر الصرف, ولا سيما أن الصديق الحميم للريال وهو الدولار قد تذبذب بشكل كبير مقابل اليورو، علاوة على ذلك، وجود سوق للسندات من شأنها أن تدعم عملية تحديد سعر الفائدة طويلة الأجل بناء على تياري العرض والطلب، وعليه ستصبح عملية تحديد تكلفة الفرصة البديلة لفترات زمنية مختلفة أكثر وضوحاً و سلاسة.

أنواع السندات
التطور الذي شهده عالم المال والأعمال في فترة قصيرة نسبياً، ولد معه حاجات إلى وسائل تمويل خرجت عن الأسلوب التقليدي، وظهرت أدوات مالية جديدة لتفي باحتياجات طالبيها من المُقرضين والمقترضين. وعلى سبيل المثال لا الحصر سنتناول أهم أنواع السندات في الأسواق المالية العالمية:
1 ـ السندات ذات الكوبون الثابت أو المتغير: النوع الأول هو أبسط أنواع السندات من حيث الآلية. يلتزم المقُترض بدفع نسبة معينة Coupon rate من القيمة الاسمية التي أصدر بها السند بشكل سنوي أو نصف سنوي أو ربع سنوي، وعند فترة الاستحقاق Maturity date يدفع المُقترض القيمة الاسمية التي أصدر بها السند. سعر الفائدة السائد يؤثر بشكل جوهري في السند، الحالة الأولى عندما يكون سعر الفائدة أعلى من النسبة التي تنوي الشركة دفعها على شكل كوبونات وعندها يصدر السند بخصم. أي أن المُقرض يشتري السند بأقل من القيمة الاسمية، وعند الاستحقاق يلتزم المُقترض بسداد كامل القيمة الاسمية. أما الحالة الثانية وهي عندما يكون سعر الفائدة أعلى من نسبة الكوبون، ويصدر السند بعلاوة إصدار Premium, أي أن المُقترض يحصل عند الإصدار على مبلغ أعلى من المبلغ الذي سيقوم بسداده عند الاستحقاق. وأخيراً الحالة الثالثة عندما يكون سعر الفائدة مساويا لنسبة الكوبون، ويصدر السند في هذه الحالة عند القيمة الاسمية, أي أن المبلغ الذي يتسلمه المُقترض يقوم بسداده عند الاستحقاق. وبالطبع وجود سوق ثانوية للسندات ذات سيولة مرتفعة، تتيح لحملة السندات الخيار بين الاحتفاظ بالسند لفترة الاستحقاق أو تداوله. وما أود التنويه إليه هو العلاقة العكسية بين سعر الفائدة والسند، فينخفض سعر السند عند ارتفاع سعر الفائدة والعكس صحيح. أما بالنسبة إلى السندات ذات الكوبون المتغير Floating فتختلف في عدم ثبات الدفعات الدورية التي ذكرناها، وتتغير بناء على سعر فائدة معين يُستخدم كمرجع وعادة ما يكون سعر الفائدة المتداول بين البنوك السعودية لودائع الريال السعودي لثلاثة أشهر SIBOR مضافاً إليه هامش محدد مسبقا، وعلى النطاق العالمي عادة ما يستخدم سعر الفائدة المتداول بين البنوك في لندن LIBOR. وقامت كل من "سابك" وشركة الكهرباء بإصدار سندات ذات كوبونات متغيرة بناء على سعر الفائدة السائد بين البنوك على الريال لثلاثة أشهر.
2 ـ السندات صفرية الكوبونbonds Zero-Coupon: وهي السندات التي لا تدفع لحاملها أي كوبونات دورية، ويكتفي المُصدر فقط بدفع القيمة الاسمية عند تاريخ الاستحقاق. والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيفية تحقيق عوائد في ظل غياب الكوبونات الدورية؟ يحقق المستثمر عوائد من السندات صفرية الكوبون عن طريق شراء السند بسعر خصم أي بقيمة منخفضة عن قيمته الاسمية.
3 ـ السندات ذات العوائد التراكمية Accrual bonds: آلية عمل هذا النوع من السندات مشابهة جداً للسندات التي لا تدفع كوبونات بشكل دوري، إلا أنها تُباع بقيمة مقاربة أو بالقيمة الاسمية نفسها. والفرق بين النوعين هو أن النوع هذا يتضمن سعر فائدة للكوبونات، لكنها لا تُدفع بشكل دوري بل تتجمع وتحسب الفائدة عليها بشكل تراكمي لتاريخ الاستحقاق.
4 السندات ذات الكوبونات المؤجلةDeferred-coupon bonds : هذا النوع من السندات يقارب النوع السابق، فيقوم بتأجيل دفع الكوبون المُستحق لفترة زمنية محددة مسبقاً وتحسب الفائدة في هذه الفترة بطريقة تراكمية. ثم يقوم المُصدر للسندات "المُقترض" بدفع جميع الكوبونات المؤجلة مع فوائدها، لتصبح عملية دفع الكوبونات منتظمة من انتهاء تلك الفترة وإلى تاريخ الاستحقاق.
5 ـ السندات ذات الخيارات: جميع أنواع السندات التي تناولناها تعد سندات خالية من الخيارات سواء للمقرض أو المقترض. ومن أهم الخيارات المتاحة للمُقرض والتي تكون مركبة في السند نفسه هو خيار تحويل السند Conversion option إلى عدد محدود من الأسهم التابعة للشركة المُصدرة للسندات. وعلى السياق نفسه يمكن أن يُعطى حامل السند حق تحويل السند إلى أسهم تابعة لشركة غير المُصدرة ويسمى في هذه الحالة خيار التبديل Exchange option. ومن الخيارات المتاحة أيضاً هو إعطاء حملة السندات حق بيع السند عند قيمة محددة مسبقاً قبل تاريخ الاستحقاق. وهذا الخيار مهم جدا إذا كان الاقتصاد يشهد ذبذبة في سعر الفائدة، أو يُتوقع لسعر الفائدة أن يرتفع مستقبلاً، أو خشية تدني التقييم الائتماني للمُصدر. والجدير بالذكر هو أن إصدار صكوك شركتي سابك والكهرباء قد تضمن هذا الخيار، أي أن المستثمر يحق له إلزام الشركة بإعادة شراء الصكوك في كل تاريخ سنة خامسة. أما بالنسبة إلى أهم الخيارات التي عادة ما تصب في مصلحة المُقترض، هي حق استرداد جميع السندات مستقبلاً وقبل تاريخ الاستحقاق، عند قيمة متفق عليها. وهذا الخيار يعد ذا قيمة مرتفعة في حالة انخفاض سعر الفائدة الساري. تقوم بعض الشركات بإصدار سندات، وإذا انخفض سعر الفائدة قام المُصدر باسترداد جميع السندات ومن ثم إعادة إصدارها بسعر فائدة أو تكلفة أقل. ولتفادي هذه الحالة يمكن للسند أن يكون قابلا للاسترداد لكن غير قابل لإعادة الإصدار Nonrefundable bonds، وإن تضمن السند هذا الشرط تخف درجة نوع معين من المخاطر التي قد تواجه حملة السندات. ثمة ملاحظة يجب التنويه إليها، ألا وهي أن السند تتم هندسته, وأشدد على كلمة هندسته, بشكل يتناسب مع احتياجات المُقترض. فمثلا يمكن إصدار سند بسعر كوبون متغير وقابل للاسترداد بعد فترة لكنه غير قابل لإعادة الإصدار. والصكوك المصدرة الآن من قَبل "سابك" و"الكهرباء" توزع توزيعات دورية بناء على SIBOR، وتعطي حق استرداد القيمة من قَبل حملة السندات بعد خمس سنوات.

مخاطر السندات
على الرغم من انخفاض درجة المخاطر للسندات مقارنة بالأسهم إلا أنها لا تخلو منها، ومن أهم أنواع المخاطر التي قد تقابل المستثمر هي تقلبات سعر الفائدة سواء كانت بالانخفاض أو الارتفاع. ارتفاع سعر الفائدة يؤثر سلباً في سعر السند بسبب العلاقة العكسية، أي أن ارتفاع سعر الفائدة سيزيد من تكلفة الفرصة البديلة للمستثمر وعليه فلن يقبل باقتناء السهم إلا إذا كان مخصوما بشكل يعوضه عن ارتفاع عوائد الأصول المالية الأخرى. أما بالنسبة إلى انخفاض سعر الفائدة، فهو يعرض المستثمر لمخاطر إعادة الاستثمار Reinvestment risk. مخاطر إعادة الاستثمار تظهر عندما ينخفض سعر الفائدة، فإذا كان السند يتضمن حق الاسترداد من قِبل المُقترض ستصبح عملية الاسترداد ومن ثم إعادة الإصدار بسعر فائدة منخفضة مغرية. وفي هذه الحالة سيتعرض المقرض لمخاطر إعادة الاستثمار لكن بسعر فائدة أقل. ومن جانب آخر, ربما يتعرض المستثمر لمخاطر ضعف السيولة، أي صعوبة إيجاد مشتر للسند في حين رغب حامل السند في بيعه, وربما ينتج عن ذلك عرض السند بأقل من القيمة العادلة. علاوة على ذلك يلعب التضخم في الاقتصاد دورا كبيرا في عملية المد والجزر للرساميل. ومن بين المخاطر التي قد تواجة المُصدر هي التقلبات في سعر الصرف إذا ما كان الإصدار بعملة أجنبية أخرى.

الصكوك الإسلامية
لم تكن أدوات التمويل الإسلامية في منأى عن التقدم الذي شهدته أسواق المال العالمية، وإن كانت عملية التطور في هذه المنتجات متباينة في الدول الإسلامية إلا أنها شهدت تقدماً ملحوظاً ومن المتوقع أن تنمو بشكل أكبر لتقابل احتياجات طالبيها. وبشكل عام تنقسم الصكوك الإسلامية إلى قسمين, هما صكوك قابلة للتداول وصكوك غير قابلة للتداول. صكوك الإجارة هي من احد أنواع الصكوك القابلة للتداول، التي عادة ما تستخدم في تمويل مشاريع البنية التحتية الضخمة وذلك بسبب مرونة هذا النوع من الصكوك عن طريق إمكانية ربط الأجرة بمرجع متغير واستردادها مستقبلاً.

السندات والصكوك في المملكة
لا تزال طرق التمويل التقليدية المتمثلة بالتمويل البنكي هي السائدة في المنطقة العربية بشكل عام، إلا أن بعض دول مجلس التعاون كان لها السبق في إنشاء أسواق ثانوية للصكوك الإسلامية والسندات. وإذا قارنا حجم الصكوك والسندات المصدرة في المملكة مع دول مجلس التعاون الشقيقة نلاحظ تدني هذه النسبة بشكل كبير، وحسب بيانات بنك التسويات الدولي يحتل حجم الإصدارات من السندات والصكوك في المملكة ثاني أدنى مرتبة بين دول مجلس التعاون بحصة 5 في المائة فقط. ولا عجب في هذا لأن عدد الشركات المُصدرة لم يتجاوز شركتين هما "سابك" وبنك BNP ونحن في انتظار شركة الكهرباء لتصبح الثالثة. وإن لم تكن شركة سابك هي السباقة في طرح سندات الشركات، لكن كان لها السبق في طرح صكوك إسلامية في المملكة. ولا شك أن ضيق حجم السوق يعد سلبيا، فهو لا يحقق مستوى عاليا من السيولة أو التداول, فعلى سبيل المثال كانت آخر صفقة تمت على شركة سابك في 29/5/2007. وهذا دليل على انخفاض مستوى السيولة في ..، أي أن حامل السند قد يواجه صعوبة لتسييل أصوله. الطفرة الاقتصادية والمالية للمملكة تفرض عملية تطوير البنية التحتية للسوق المالية لتوفير أوعية استثمارية جديدة.

الأكثر قراءة