العيش في «افتراض» دائم .. أحد أسباب الانتحار الـ 10
"الحزن يولد كبيرا حتى نقتل نحن الجزء الذي يتألم داخلنا .. فننسى .. ونكمل حياتنا للأبد ناقصين .. "لكن ماذا يحدث إن لم نتمكن من التخلص من ذلك الألم الدفين، ليحتلنا ويقسو على قراراتنا الحياتية؟ ذلك ما حاول الروائي المصري الشاب محمد صادق، الغوص في ثناياه في روايته #إنستا_حياة، الصادرة عن رواق للنشر والتاريخ، التي صدرت منها أربع طبعات في شهر أيار (مايو) وحده لهذا العام. تلك النجومية الكتابية تأتي امتدادا لروايته الثالثة "هيبتا" التي نشرت في عام 2014، لتعد من أكثر الكتب مبيعا.
رواية #إنستا_ حياة، تظهر من عنوانها مستمدة فكرتها من وسائل التواصل الاجتماعي، وإن لم تتطرق الرواية إلى الإنستاجرام أو تويتر، إذ تظهر فيه الشخصية المحورية لحسين عارف الذي أنشأ صفحة فيسبوكية ليشارك الآخرين مخططاته. "لماذا يقرر شخص عاقل أن يتحدى كل من يعرفه وينشئ صفحة يبحث فيها عن عشرة أسباب للحياة؟ ويتحدى الجميع بأنه إن لم يجدها، سينهي حياته منتحرا!" تلك الأسباب للحياة تترامى في أرجاء الرواية، وإن بقي السبب العاشر معضلة لشخوص الرواية. وكأن في ذلك محاولة التذرع بأي سبب واهٍ للقيام بالانتحار.
البحث عن الحياة
على الرغم من أن الروائي محمد اختار التطرق للحياة في العنوان يسعى إلى مناقشة نقيضه. كتلك العبارة التمهيدية: "إما أن أصل لنهاية الطريق، أو لنهايتي أنا.. لا فارق." هي عبارة حسين عارف الرجل الثلاثيني الذي ابتدع فكرة يتذرع من خلالها لإنهاء حياته في حال عدم إيجاده إجابات مقنعة، في وقت ومكان حددهما هو.
#2#
في زمن يسعى فيه الكل إلى البحث عن النجومية، في محاولة لملأ ذلك الفراغ الذي يجثم على الأنفاس، تصبح محاولة إيجاد فلسفة للحياة أو الانتحار مشهدا يتوق لمتابعته المتهافتون نحو المختصر من الحديث، والشيق من الفعال عبر المجتمع الرقمي. فصفحة حسين عارف "إنستا_حياة" تسببت بتوق لمى للحاق به، وإن كان ذلك قد يؤدي إلى حتفها، فهي تشاركه أزمة وجودية متأصلة داخليا، هي المرأة المضطهدة التي استرسل الروائي في شرح مقتها للرجال بإسهاب. وقد ظهرت ملامح تقليدية هنا للنظرة الدونية حيال المرأة في الرواية. "لا يوجد رجل في هذا المجتمع يقبل أن تسحب امرأة من تحته زمام الأمور".
وإن كان إحساس لمى بالاضطهاد لم يمنعها من الحصول على من يحاول إنقاذها كحسن وعاصم اللذين يحاولان احتلال حيز من حياتها. تحاول إيجاد حسين واكتشاف السبب العاشر للحياة، في وقت اكتشف فيه كلاهما أنهما وحدهما في الحياة رغم ادعاء الآخرين بالاهتمام. "جرب أن تظل وحيدا فترة، ستجد أن البشر بلا أي فائدة حقيقية سوى إنهاكك في تفاهة سطحية لمشاكلهم النفسية طوال الوقت".
اختفاء المكان
تغلب على رواية #إنستا_حياة، الأجواء السرمدية، حيث يتلاشى المكان تدريجيا فلا تتذكر من تفاصيله إلا الظلام والبحر وصوت أمواجه. وهو ما قد يرتبط بالعالم الرقمي البعيد عن أي مكان مادي ملموس من جهة، فيما يتقاطع ذلك مع المونولوج الداخلي المطرد، وكأن كل الشخوص تغرق في عالمها الخاص حتى تكاد تنسى وجود الآخرين.
كما حدث مع حسين عارف إذ "حرك شفتيه ليناديها ثم تذكر أنه لا يذكر اسمها". ليمعن ذلك في إثبات مدى نرجسية كل الشخوص الذين ظهروا كعبثيين لا طموح ولا هدف لهم. وكأن الأمر الوحيد الذي يتوقون إليه هو الانتظار. "ينتظرون خبر انتحاره!"
تشتت الحبكة
ما يضعف الحبكة الروائية هو ابتعادها عن التفاصيل والتأرجح في اختصار الأحداث تارة وإطالة أحداث أخرى لا هدف منها، كالجدال ما بين اختيار اللهجة العامية أو اشتراط الحوار بالفصحى، أو الأحاديث الجانبية ما بين حسن وعصام أثناء رحلتهما في سيارة مشتركة ومحاولة إنقاذ ما تبقى من لمى. وإن كان المونولوج الداخلي قد عمق في إدراك القارئ للشخصيات ما يعد جاذبا، يساعد في قراءة الرواية في محاولة لاكتشاف الشخوص عن قرب وما سيحدث لهم لاحقا، ما يتقاطع مع معرفة السبب العاشر للحياة.
الإنهاء الخياري للحياة
"نحن لا نعيش "الحياة" على حقيقتها .. نحن نعيش في موت دائم".
على الرغم من اتساق الرواية حول مناقشتها قضية الحياة وأسبابها. تتشتت أحداث الرواية في مواقع متعددة، لتستحيل أقرب إلى مقالات نثرية تناقش قضية الانتحار. "المنتحر الحق يكون قد مات منذ فترة طويلة قبل قراره بالانتحار الجسدي الفعلي".
يتقاطع ذلك مع ذكر أسماء عباقرة أنهوا حياتهم عندما أدركوا مدى زيف الحياة كـ"يوكيو ميشيما"، "فرجينيا وولف" و" إرنست هيمنجواي." ويختلط ذلك فيما بعد بمحاولات لأن يكون الموضوع جديا، كإقحام سبينوزا أو سارتر في فلسفة تلك الأسباب العشرة للحياة.
"عندما يريدك شخص ما في أي شيء، اصمت تماما .. من طريقته في إخبارك بهذا الشيء ستعرف الكثير عن شخصيته .." تذكرك تلك الوصايا والتطرق إلى الطاقة الإيجابية كطاقة البحر العجيبة التي تفضي إلى إفراغ الآخرين فيه همومهم السوداء بمجرد النظر إليه، بأعمال باولو كويلهو. يظهر حس فلسفي بديع للروائي صادق، وإن كان من الممكن أن يتعمق أكثر في دمج تلك العبارات بالحبكة الروائية. "هناك أشياء في حياة كل منا.. يظل يركض منها طوال عمره ولا يستطيع الهرب مهما حاول.."
أسلوب وعظي
يتساءل الراوي.. أو من قرر الانتحار:"هل تعرف ما هي الرسالة؟ كيف تحددها وأنت لا تعلم من الأساس لماذا خلقت ولماذا أتيت لهذا العبث؟" ويستمر في التساؤل: "هل سأصل لشيء؟ هل سأصل لعشرة أسباب كاملة؟" فكل الأسباب هي فقط كي يستمر في الحياة كالخوف من الموت والحلم والحب والشهوة. فيما يستطرد في الحديث عن الموت وكأنه الخلاص. "ذلك الخدر اللذيذ .. ذلك الاستسلام المريح .." ودحض أهمية الحياة .. "الحياة أكثر تفاهة مما نتخيل .. فلماذا نقضي وقتنا في حل مشاكل بلهاء!" فيما تظهر الخاتمة أكثر وعظا مما سبق، في محاولة لإفاقة كل من يحاول إنهاء حياته. "كفاه تخبطا .. كفاه بعثرة". على الرغم من انغمار الإكليشيهات في الرواية، إلا أنها تتغلغل في الأعماق، وتظهر بصمة الروائي بأسلوبه السلس وقدرته على التعمق في الفكرة. وقد يكون ذلك إضافة إلى الفكرة الغرائبية سببا في إعادة طباعتها لأربع مرات في شهر واحد.