تحديات صافي الأصول الأجنبية للبنوك

يتواصل نزيف صافي الأصول الأجنبية للبنوك السعودية من شهر لآخر، حيث سجل شهر أغسطس سالب 158 مليار ريال، وهو الأعلى منذ بداية تسجيل رصيد سلبي في شهر يوليو العام الماضي، علماً أن ذلك يحصل لأول مرة في تاريخ البنوك السعودية! لذا من الطبيعي دراسة المسببات، وهل سيستمر ذلك، وما تأثيره في البنوك والاقتصاد بشكل عام؟، ومن ثم نسأل لماذا الرصيد بالسالب على الرغم من ازدهار السياحة القادمة من الخارج، وزيادة الاقتراض من الخارج عبر الصكوك والسندات، وما علاقة ارتفاع عرض النقود والائتمان في ذلك؟
صافي الأصول الأجنبية للبنوك هو الفرق بين أصولها والتزاماتها بالعملة الأجنبية، فيصبح بالسالب إذا كانت التزامات البنوك أعلى مما لديها من أصول أجنبية. فعندما يرتفع عدد السياح الأجانب، ترتفع الأصول الأجنبية، وترتفع كذلك عندما تقوم الشركات السعودية بالتصدير إلى الخارج، وعندما تطرح الشركات والبنوك السعودية سندات في الخارج، وبالمقابل هناك التزامات بالعملة الأجنبية من الواجب على البنوك سدادها، وهي تأتي نتيجة الاستيراد من الخارج ودفع المستحقات المالية للصكوك والسندات التي تم اصدارها.
بالمقابل، لم تتراجع السيولة المحلية أمام ذلك، بل ارتفع عرض النقود الشامل بتريليون ريال منذ أول 2021، ليصبح 3.15 تريليون ريال الشهر الماضي، ما يعني أن زيادة الالتزامات بالعملة الأجنبية تظهر في زيادة السيولة المحلية، والسبب الرئيسي تسارع الطلب على الائتمان المحلي نتيجة ارتفاع النشاط الاقتصادي من جهة، ومن جهة أخرى ازدياد الطلب على التمويل الخارجي لعدم كفاية التمويل الداخلي.
ارتفاع الطلب الداخلي نجده في "مطلوبات المصارف من القطاع الخاص"، والمقصود بها القروض التي تقدمها البنوك للشركات والأفراد، حيث نرى زيادات شهرية متواصلة تجاوزت 3.1 تريليون ريال الشهر الماضي، وبالنظر إلى الائتمان المصرفي حسب الآجال، نجد صعوداً في القروض طويلة الأجل (3 أعوام وأكثر)، وصعوداً نسبياً أكبر في القروض قصيرة الأجل.
أما القروض العقارية من البنوك فهي المسؤول الأول عن ارتفاع حجم الائتمان، حيث قفزت بـ3 أضعاف منذ 2020، وتجاوزت 930 مليار ريال هذا العام. وبالمثل هناك ارتفاع ملحوظ في القروض الاستهلاكية وبطاقات الائتمان وصلت إلى نحو 70 مليار ريال هذا الصيف، لذا فإن مثل هذه الضغوط على السيولة المصرفية فاقت نمو الودائع لدى البنوك، ما جعل البنوك تضطر إلى تعويض فجوة الاقتراض هذه من الخارج، فترتفع الالتزامات الأجنبية.
تكفي الإشارة إلى قوائم أحد البنوك الكبرى، حيث ارتفع بند "مستحقات لجهات وبنوك مالية" إلى نحو 210 مليارات ريال بنهاية يونيو 2025 مقابل قرابة 188 ملياراً قبل عام، مع إصدار عدة صكوك بالدولار خلال 2024–2025، تجاوزت 3 مليارات ريال دولار، وفي الوقت نفسه زادت القروض بأكثر من 100 مليار ريال خلال عام، بينما نمت الودائع بوتيرة أبطأ بكثير.
سيستمر نزيف الأصول الأجنبية لدى البنوك إلى أن يتراجع النمو في الائتمان طويل الأجل (التمويل العقاري والاستهلاكي)، أو يتحسن وضع الودائع المحلية عبر سياسات جذب الودائع وتحسن الادخار المؤسسي، وهذه بلا شك ستواجه تحديات أكبر مع استمرار معدلات الفائدة بالانخفاض.
ويتحسن صافي الأصول الأجنبية مع زيادة التدفقات الأجنبية إلى المصارف، نتيجة زيادة الودائع والاستثمارات من الخارج، أو انخفاض شهية الاستيراد والتحويلات الخارجية، أو زيادة اعتماد المصارف على السوق المحلية للصكوك والودائع المقومة بالريال بدلاً من الاقتراض الخارجي.
هنا ينشأ سؤال عما إذا كان فارق الفائدة بين السعودية وأمريكا أحد أسباب توجه البنوك والشركات إلى الخارج، كما رأينا خلال السنوات الـ5 الماضية؟ فمع ثبات الارتباط بالدولار، يتحرك معدل "سايبور" بشكل قريب من معدل "سوفر الأمريكي"، ولكن تزداد الفجوة في الاتساع حين يشتد الطلب على السيولة المحلية، حيث رأينا حالات يرتفع الفارق بين المعدل السعودي والأمريكي بشكل كبير، وفي مثل هذه الحالات يكون الاقتراض من الخارج أرخص منه في الداخل! هذا بالإضافة إلى فوائد أخرى للاقتراض من الخارج بسبب حجم السيولة ونشاط الأسواق الثانوية للسندات.
كون صافي الأصول الأجنبية بالسالب منذ صيف العام الماضي لا يدل بالضرورة على نقص في السيولة المحلية بقدر ما أنه نتيجة لارتفاع النشاط الاقتصادي بشكل أكبر مما يمكن مواجهته عن طريق السيولة المحلية لوحدها، وانعكاس المسار مرهون بإغلاق فجوة التمويل الائتمانية المحلية بشكل أو آخر، وللمعلومية فصافي الأصول الأجنبية لدى البنك المركزي مختلف تماماً، ولا يعاني أي أرصدة سلبية، حيث يوجد لدى البنك ما يعادل 1.6 تريليون ريال في جميع الأوقات، ولا يوجد تذبذب في ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي