مكافحة الجريمة المدعومة بالتكنولوجيا
أعلنت وزارة العدل في يونيو تنفيذ أكبر عملية مصادرة للعملات المشفرة في الولايات المتحدة، حيث بلغت قيمتها 225 مليون دولار، وذلك في إطار عمليات احتيال بالعملات المُشَفَّرة تُعرف بأنها احتيال بإستراتيجية "ذبح الخنازير"، حيث تستخدم عصابات إجرامية منظمة غالبًا عبر الحدود، تكنولوجيا متقدمة وأساليب هندسة اجتماعية مثل: مخططات الاحتيال العاطفي أو الاحتيال الاستثماري للتلاعب بالضحايا. وعادة ما يشمل ذلك استخدام حسابات مُنشأة بالذكاء الاصطناعي، والتراسُل المُشَفَّر، ومعاملات محجوبة بتقنية سلسلة الكتل (بلوك تشين) لإخفاء الأموال المسروقة ونقلها.
كان ذلك انتصارا كبيرا. فقد تعاون عملاء فيدراليون عبر دوائر اختصاص مختلفة، واستخدموا تحليلات سلسلة الكتل وتقنيات تعلُّم الآلة لتتبع آلاف المحافظ التي استُخدمت للاحتيال على أكثر من 400 ضحية. غير أنه في الوقت نفسه كان انتصارا نادرا أكد أن السلطات كثيرا ما تضطر إلى اللحاق بالركب في عالم رقمي سريع التغيّر. ولا يزال المحتالون موجودين.
يتفوق المجرمون على أجهزة الإنفاذ بفضل قدرتهم على التكيف بوتيرة أسرع. فهم يختارون أفضل الأدوات لمخططاتهم، بدءا من غسل الأموال عبر العملات المشفرة وانتحال الشخصية بواسطة الذكاء الاصطناعي، وصولا إلى إنتاج محتوى التزييف العميق، والتطبيقات المشفرة، والبورصات اللامركزية للعملات المشفرة. والسلطات التي تواجه تهديدات مجهولة الهوية وعابرة للحدود تقيدها دوائر الاختصاص والعمليات والأنظمة القديمة.
وقد بلغ متوسط نمو الأنشطة غير المشروعة المرتبطة بالعملات المشفرة نحو 25% سنويا في السنوات الأخيرة، وربما تجاوزت 51 مليار دولار في العام الماضي، وفقا لمنصة بيانات “Chainalysis”، وهي شركة مقرها في نيويورك متخصصة في تحليل سلاسل الكتل الرقمية وتساعد المحققين الجنائيين على تتبع المعاملات.
لا تزال جهات تهديد الأمن السيبراني تعتمد على التمويل النقدي والتقليدي، ويعتمد غسل الأموال تحديدا على البنوك، وصرافي العملات غير الرسميين، وناقلي الأموال. غير أن العمل جارٍ على تعزيز الطرق القديمة أو تسريعها بفضل التكنولوجيا المصممة لإحباط محاولات اكتشاف المعاملات وتعطيلها.
وتساعد تطبيقات التراسُل المُشَفَّرة الاتحادات الاحتكارية على تنسيق المعاملات العابرة للحدود. ويمكن للعملات الرقمية المستقرة ومنصات الأصول الافتراضية التي تخضع لقدر بسيط من التنظيم أن تخفي الرشاوى والأموال المختلسة. ويستخدم المجرمون السيبرانيون هويات وبوتات ينشئها الذكاء الاصطناعي لخداع البنوك والتهرب من الضوابط القديمة. وتكاد تكون عملية تعقب عائدات الجرائم المنظمة مستحيلة بالنسبة للوكالات ذات الموارد المحدودة.
والذكاء الاصطناعي يخفض الحواجز أمام الشروع في هذا العمل. فالمحتالون الذين يملكون أدوات استنساخ الأصوات وتقنية إنشاء المستندات المزيفة يتجاوزون بروتوكولات التحقق من الهوية التي لا يزال يستخدمها كثير من البنوك والجهات التنظيمية. وتنمو قدرتهم على الابتكار في حين تظل أنظمة التحقق من الامتثال متأخرة عن الركب. وتدرك الحكومات هذه التهديدات، لكن استجاباتها مشتتة ومتفاوتة، بما في ذلك تنظيم بورصة العملات المُشَفَّرة. وهناك تأخير في تنفيذ "قاعدة السفر" الصادر عن فريق العمل المالي (FATF) لتحسين إمكانية تحديد هوية مرسلي الأموال ومتلقيها عبر الحدود، والتي تعبرها معظم العائدات الرقمية.
في الوقت نفسه، تزداد التدفقات المالية الدولية تعقيدا بفعل التحويلات الفورية عبر المنصات اللامركزية وأدوات تعزيز إخفاء الهوية. ولا تزال معظم المدفوعات تمر عبر جهات وساطة متعددة، وغالبا ما تتداخل المعاملات العابرة للحدود من خلال بنوك مراسلة قديمة تحجب المعاملات وتؤخرها بينما تزيد التكاليف. ويساعد ذلك المجرمين على استغلال الثغرات في الرقابة، والتنسيق بين دوائر الاختصاص، والقدرة التكنولوجية على العمل عبر الحدود، دون اكتشافهم غالبا.
ينبغي بناء علاقة شراكة بين الأجهزة التنظيمية وشركات التكنولوجيا المالية، كما ينبغي للانخراط في العمل المستدام متعدد الأطراف تعزيز المدفوعات العابرة للحدود حيث تتسم بالسرعة وانخفاض التكلفة والشفافية مع إتاحة إمكانية تتبعها.
ممرات الدفع الآمنة
هناك سردية موازية، فالمجرمون يستغلون الابتكار لتحقيق السرية والسرعة في حين تختبر الشركات والحكومات سُبل التنسيق للحد من تعرضها للمخاطر وتحديث البنية التحتية عبر الحدود. في الوقت نفسه، لم تُستكشف بعد الانعكاسات التكنولوجية على مكافحة غسل الأموال تمويل الإرهاب بالقدر الكافي.
وتعكس هذه الابتكارات الإقليمية والمبادرات العالمية فهما متزايدا بأن مكافحة الجريمة وتعزيز الشمول هما أولوياتان مترابطتان، ولاسيما مع تسارع حركة المجرمين إلى أقصى حد. وقد أكد فريق العمل المالي ذلك، وحث البلدان على تصميم ضوابط لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب تدعم الشمول والابتكار. إضافة إلى ذلك، فإن توصية فريق العمل المالي التي صدرت في يونيو تمثل تقدما كبيرا، حيث أن اشتراط ذكر معلومات عن مُنشئ المعاملة والمستفيد منها في التحويلات البرقية العابرة للحدود -بما في ذلك المعلومات التي تشمل الأصول الافتراضية- يعزز إمكانية التتبع عبر المنظومة البيئية المالية الرقمية سريعة التطور.
وتشكل هذه الجهود أمثلة مهمة على كيفية تمكين التكنولوجيا للمجرمين من التفوق، ولكن التكنولوجيا يجب أن تكون كذلك جزءا من الاستجابة التنظيمية.
مستشار قانوني ومساعد ورئيس قسم في إدارة الشؤون القانونية ـصندوق النقد.