كيف تمكن "الفيدرالي" من البقاء مستقلا عن البيت الأبيض؟
كيف تمكن "الفيدرالي" من البقاء مستقلا عن البيت الأبيض؟
أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب هذا الأسبوع جدلا واسعا بعد مطالبته أحد أعضاء مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي بالاستقالة، متهما إياه بالاحتيال العقاري، في خطوة اعتبرها مراقبون محاولة جديدة من إدارته لفرض سيطرة أكبر على واحدة من آخر الهيئات المستقلة في واشنطن.
ترمب صعّد هجومه مرارا ضد رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، متهما إياه بالتقاعس عن خفض سعر الفائدة قصيرة الأجل، بل وهدد بعزله.
باول حذر من أن رسوم ترمب الجمركية قد ترفع معدلات التضخم، قائلا: إن الفيدرالي يريد أن يرى كيف سيستجيب الاقتصاد للرسوم الشاملة التي فرضها الرئيس الأمريكي على الواردات.
هذا التريث أثار غضب ترمب، الذي طالب بخفض تكاليف الاقتراض لتحفيز الاقتصاد وتقليل الفوائد التي تدفعها الحكومة على ديونها، كما اتهم باول بسوء إدارة مشروع تجديد مقر البنك المركزي بتكلفة 2.5 مليار دولار.
أهمية استقلال الاحتياطي الفيدرالي
يتمتع الاحتياطي الفيدرالي بسلطة واسعة على الاقتصاد الأمريكي. إذ يمكنه عبر خفض سعر الفائدة قصيرة الأجل تشجيع الاقتراض والإنفاق وتسريع النمو والتوظيف، بينما يؤدي رفعها إلى تباطؤ الاقتصاد وكبح التضخم، حتى لو تسبب ذلك في فقدان وظائف.
يفضل الاقتصاديون البنوك المركزية المستقلة لقدرتها على اتخاذ قرارات غير شعبية عند الضرورة، مثل رفع أسعار الفائدة لمحاربة التضخم، وهو ما قد يكون صعبا على مؤسسة خاضعة لضغوط سياسية.
ترسخت أهمية الاستقلالية بعد تجربة السبعينيات وأوائل الثمانينيات، حين تعرض رئيس الاحتياطي الفيدرالي آنذاك، آرثر بيرنز، لضغوط من الرئيس ريتشارد نيكسون لإبقاء أسعار الفائدة منخفضة قبيل انتخابات 1972، ما أسهم في تفاقم التضخم. ولم تتمكن الولايات المتحدة من السيطرة على هذه الأزمة إلا بعد تعيين بول فولكر رئيسا للفيدرالي عام 1979، والذي رفع أسعار الفائدة إلى مستوى تاريخي نحو 20%، ما تسبب في ركود حاد وارتفاع البطالة إلى 11%، لكنه نجح في خفض التضخم بحلول منتصف الثمانينيات، ليصبح نموذجا لقيمة استقلال البنك المركزي.
الأسواق تترقب
أي محاولة لعزل باول ستثير ذعر الأسواق المالية، إذ يُتوقع أن يؤدي ذلك إلى تراجع أسعار الأسهم وارتفاع عوائد السندات، ما يزيد تكلفة الاقتراض الحكومي وأسعار الفائدة على القروض العقارية وقروض السيارات وديون بطاقات الائتمان.
يفضل المستثمرون وجود بنك مركزي مستقل لأنه يدير التضخم بكفاءة أكبر بعيدا عن التدخلات السياسية، ولأن قراراته تكون أكثر توقعا ووضوحا. فعادة ما يوضح مسؤولو الفيدرالي مواقفهم علنا وكيف قد تتغير السياسات النقدية تبعا للظروف الاقتصادية.
لو كان الاحتياطي الفيدرالي أكثر تأثرًا بالسياسة، لكان من الصعب على الأسواق المالية توقع قراراته أو فهمها.
استقلالية الاحتياطي لا تعني أنه خارج المساءلة
مع ذلك، لا يعني استقلال الفيدرالي أنه خارج نطاق المساءلة؛ فرئيسه يُعيَّن من قبل رئيس البلاد لمدة 4 سنوات ويحتاج لتصديق مجلس الشيوخ، كما يعيّن الرئيس 6 أعضاء آخرين في مجلس الإدارة لفترات تصل إلى 14 عاما، ما يمنحه القدرة على تغيير سياسات البنك تدريجيا.
رشح ترمب مستشاره الاقتصادي ستيفن ميرن ليحل محل أدريانا كوجلر التي استقالت قبل انتهاء ولايتها بـ5 أشهر.
سيتمكن ترمب من استبدال باول كرئيس لمجلس الاحتياطي الفيدرالي في مايو 2026، عندما تنتهي فترة ولاية باول. رغم أن السياسة النقدية يحددها 12 عضوا يصوتون مجتمعين، ما يجعل تغيير توجه السياسة أصعب.
في غضون ذلك، يمكن للكونجرس تحديد أهداف الاحتياطي الفيدرالي من خلال التشريع. في 1977، مثلا: منح الكونجرس الاحتياطي الفيدرالي "تفويضا مزدوجا" للحفاظ على استقرار الأسعار والسعي إلى أقصى قدر من التوظيف. ويُعرّف الاحتياطي الفيدرالي استقرار الأسعار بأنه تضخم بنسبة 2%.
يُلزم قانون 1977 رئيس "الفيدرالي" بالإدلاء بشهادته أمام الكونجرس مرتين سنويا حول الاقتصاد وسياسة أسعار الفائدة.
هل يُمكن إقالة باول قبل انتهاء ولايته؟
أشارت المحكمة العليا في وقت سابق من هذا العام، في حكمٍ لها بشأن وكالات مستقلة أخرى، إلى أنه لا يُمكن للرئيس الأمريكي إقالة رئيس الاحتياطي الفيدرالي لمجرد عدم رضاه عن خياراته السياسية. ولكن قد يكون قادرا على إقالته "لسبب وجيه"، مثل المخالفة أو الإهمال.
وهذا على الأرجح سبب تركيز إدارة ترمب على تجديد المبنى، على أمل أن يُوفر ذلك ذريعة "لسبب وجيه". ومع ذلك، من المرجح أن يُقاوم باول أي محاولة لإقالته، وقد تُحال القضية إلى المحكمة العليا.