شركات آسيا الصغيرة مهددة بالإفلاس تحت ضغط الرسوم الأمريكية
شركات آسيا الصغيرة مهددة بالإفلاس تحت ضغط الرسوم الأمريكية
من مجالس الإدارة في سنغافورة إلى الأزقة التجارية في هانوي، بالكاد تعافت الشركات الصغيرة والمتوسطة في آسيا من صدمة الاضطرابات الاقتصادية التي خلفتها الجائحة، حتى وجدت نفسها أمام عاصفة جديدة من واشنطن، حيث فرضت الإدارة الأمريكية رسوما جمركية جديدة تهدد بإرباك التجارة عبر الحدود وتقويض سبل العيش لملايين العاملين.
هنريك جريف، المدير الأكاديمي لمركز ريادة الأعمال في معهد "إنسياد"، حذر قائلا: "التعرض لصدمة اقتصادية مرتبطة بالرسوم الجمركية مباشرة بعد صدمة الجائحة سيكون مدمرا لعديد من المؤسسات".
وقال "إن الشركات الصغيرة والمتوسطة أكثر هشاشة من الشركات الكبرى، إذ تفتقر إلى الموارد الكافية لامتصاص الصدمات وتعمل غالبا بهوامش ربح ضيقة تجعلها عرضة للإفلاس".
جريف أضاف، "في النهاية، سيُفلس بعضها أو يباع لشركات أكبر"، مشيرا إلى أن عديدا من الشركات الصغيرة والمتوسطة تسعى الآن إلى تأخير سداد القروض أو الحصول على دعم حكومي لتجاوز التقلبات، بحسب "ساوث تشاينا مورنينج بوست".
هذه الرسوم الجمركية، التي تعادل ضرائب غير مباشرة على الواردات، ترفع تكلفة ممارسة الأعمال وتضع الشركات في مأزق مع زبائنها الأمريكيين.
بعض الشركات باتت عاجزة عن الحصول على المكونات الأساسية من الصين بأسعار تنافسية، ما يفقدها ميزتها أمام منافسين عالميين ذوي قدرات مالية أكبر.
ويُتوقع أن يخرج بعضها من السوق أو يتم الاستحواذ عليها من قبل مؤسسات أضخم، في حين يتجه آخرون لطلب تأجيل سداد القروض أو الحصول على دعم حكومي لمواجهة الأزمة.
وتُظهر تقديرات أن أكثر من 90% من الشركات في آسيا هي من فئة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ما يجعل هشاشتها أمام الرسوم الجمركية قضية إقليمية ملحة، وبدأت الآثار المبكرة للتعريفات الجمركية تنتشر في جميع أنحاء المنطقة.
وأفاد مسؤولون تنفيذيون في الصناعة بأن المشترين الأمريكيين يطالبون بالفعل بأسعار أقل أو يبحثون عن موردين بديلين، ومن المتوقع أن تشتد هذه الضغوط الآن بعد دخول نظام التعريفات الجمركية الكامل الذي فرضته واشنطن حيز التنفيذ.
الآثار لا تنحصر في آسيا وحدها، بل تمتد إلى المستهلك الأمريكي. فاستطلاعات "جالوب" الأخيرة كشفت أن نسبة كبيرة من الأسر الأمريكية تعتبر التضخم وارتفاع تكلفة المعيشة هاجسها المالي الأكبر، خاصة مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية كالخضراوات والمواد الغذائية.
وفي الوقت نفسه، بدأ المشترون الأمريكيون يضغطون على الموردين الآسيويين لتخفيض الأسعار أو البحث عن بدائل، وهو ما يعمّق الضغوط على هذه الشركات.
تواجه بعض القطاعات، مثل شركات تصنيع أشباه الموصلات في جنوب شرق آسيا، تحديات حادة بشكل خاص. وتستعد الولايات المتحدة لفرض تعريفات جمركية 100% على هذا القطاع، ما يهدد بقلب صناعة إقليمية استثمرت فيها سنغافورة وماليزيا وفيتنام بكثافة.
وأثارت تهديدات ترمب بالتعريفات الجمركية قلق شركات التكنولوجيا، ما أثار تكهنات بأن بعضها قد يضطر إلى نقل الإنتاج إلى الولايات المتحدة، حيث لن تُطبق الرسوم الجديدة.
قال كينيث لي وي تشينج، الرئيس التنفيذي لشركة جلوبال تك سوليوشنز "في حين إن التعريفات الجمركية لها تأثير شامل في جميع القطاعات، فإن قطاع أشباه الموصلات هو قطاع قد يتطلب تعديلا وتكيفا واسع النطاق".
ومع ذلك، تجد بعض الشركات الصغيرة والمتوسطة طرقاً للتكيف، إذ قال لي "إن شركته تصمد في وجه العاصفة من خلال تنويع العمليات في جميع أنحاء سنغافورة وماليزيا والولايات المتحدة، ما يسمح لها بالحفاظ على جداول التسليم حتى في ظل تحولات السوق".
وبدأت شركات صغيرة ومتوسطة أخرى في إعادة توجيه نماذج أعمالها، حيث قالت جوان كولار، الرئيسة في شركة مارش ماكلينان آسيا، وهي شركة استشارات للمخاطر: "بدأنا نشهد تراجعًا في عدد الشركات الصغيرة والمتوسطة التي بدأت في نقل سلسلة التوريد الخاصة بها إلى الخارج للتخفيف من اضطراب سلسلة التوريد التجارية".
نصحت كولار عملاءها باعتماد استراتيجيات متعددة تشمل تنويع سلاسل الإمداد والشراء الجماعي عبر جمعيات أو تحالفات، والتوسع في استخدام التأمين ضد المخاطر التجارية.
كما شددت على أهمية تطوير مهارات جديدة تساعد على فهم انعكاسات التحولات الاقتصادية على المنتجات والأسواق. رغم التحديات المتزايدة، يقول المحللون "إن الشركات الآسيوية قادرة دائما على التحول إلى أسواق أخرى".
وبحسب كريس همفري، المدير التنفيذي لمجلس الأعمال الأوروبي "من المؤكد أن الرسوم الجمركية الأمريكية ستعوق المبيعات والتوسع في الولايات المتحدة، لكنها لن تمنع خططها التوسعية في بقية أنحاء العالم".