الفيدرالي الأمريكي يثبت الفائدة للمرة الخامسة على التوالي
ثبت مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة في نطاق 4.25% إلى 4.5% للمرة الخامسة على التوالي، متوافقًا مع التوقعات، لكنه بعث بإشارات حذرة تُظهر تغيرا في نبرته تجاه مستقبل الاقتصاد والسياسة النقدية، في وقت شهد انقسامات نادرة داخل لجنة السوق المفتوحة.
وشهد الاجتماع الحالي تصويت عضوين لصالح خفض الفائدة بربع نقطة مئوية، في خطوة لم تسجلها محاضر اللجنة منذ 3 عقود، ما يُظهر تباينا في تقييم الأعضاء للمعطيات الاقتصادية الحالية.
وعدل الفيدرالي وصفه للنشاط الاقتصادي من "التوسع بوتيرة قوية" إلى "تباطؤ وتيرة النمو خلال النصف الأول من العام"، في إشارة إلى تباطؤ الزخم الاقتصادي. وأكد في بيانه التزامه بتحقيق أقصى درجات التوظيف واستقرار الأسعار عند معدل 2% على المدى الطويل، مشددا على أهمية تقييم البيانات والتوقعات الاقتصادية وتوازن المخاطر قبل اتخاذ أي خطوات مستقبلية.
كما أبدى البنك استعداده لتعديل موقف السياسة النقدية "حسب الاقتضاء"، إذا ما برزت مخاطر تهدد تحقيق أهدافه المزدوجة، مؤكدا أنه يأخذ في الحسبان طيفا واسعًا من المؤشرات، تشمل أوضاع سوق العمل، وضغوط وتوقعات التضخم، والتطورات المالية والدولية.
تأثير الرسوم الجمركية بدأ يظهر
توقع رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، جيروم باول، ارتفاع نفقات الاستهلاك الشخصي بنسبة 2.5% والإنفاق الأساسي بنسبة 2.7% خلال الاثني عشر شهراً حتى يونيو. وأكد على ضرورة اتخاذ إجراءات للحفاظ على مستويات التضخم تحت السيطرة، مشيرًا إلى أن تأثير الرسوم الجمركية بدأ يظهر في أسعار المستهلكين. وأوضح باول أن الاقتصاد الأمريكي يحتاج حالياً إلى سياسة تقييدية معتدلة فيما يتعلق بسعر الفائدة.
لم يحسم باول أي قرارات بشأن اجتماع الاحتياطي الفيدرالي المقرر في شهر سبتمبر، مؤكدًا أن السياسة الحالية للاحتياطي تتماشى مع مخاطر التضخم. وأشار إلى أن المؤشر الأساسي الذي يجب الالتفات إليه هو معدل البطالة، حيث أشارت الإحصائيات إلى أن سوق العمل لا يزال متوازنًا. وأكد أن هذه البيانات تدعم التوجه الحالي للاقتصاد وتوفر منصة صلبة لاتخاذ القرارات المستقبلية المتعلقة بالسياسة النقدية.
تعكس تصريحات باول رؤية واضحة حول الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة، حيث تظل إدارة التضخم ومراقبة سوق العمل من الأولويات الرئيسية لبنك الاحتياطي الفيدرالي. ولا يزال الفيدرالي يراقب التطورات الاقتصادية بدقة، ما يتيح له اتخاذ الإجراءات المناسبة في الوقت المناسب لضمان الاستقرار الاقتصادي.
الضبابية تعرقل تحرك الفيدرالي
تسيطر حالة متصاعدة من الضبابية على توجهات السياسة النقدية في الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي)، في ظل تباين المؤشرات الاقتصادية وتشابك الضغوط المحلية والدولية جراء الحرب التجارية، ما يحد من قدرة المجلس على تبني مسار حاسم تجاه أسعار الفائدة.
ورغم التحسن التدريجي في بيانات التضخم، فإن تذبذب أرقام التوظيف والغموض المرتبط بتداعيات الرسوم الجمركية المقترحة، تدفع صناع القرار إلى انتهاج مسار أكثر حذرا، يوازن بين مخاطر التسرع في خفض الفائدة ومخاطر التأخر في اتخاذ القرار.
ويؤكد الفيدرالي في بياناته الرسمية أن "المخاطر التي تواجه تحقيق أهداف اللجنة لا تزال متوازنة"، مع تكرار الإشارة إلى أن "التوقعات غير مؤكدة بدرجة كبيرة" وأن المجلس "شديد الانتباه لمخاطر التضخم".
ومع تعدد مصادر الضغط من التضخم الأساسي العنيد، إلى أستقرار سوق العمل، وتأثيرات السياسة التجارية يبدو الفيدرالي في موقع دفاعي، مفضلا إبقاء جميع الخيارات مفتوحة دون تقديم إشارات واضحة للأسواق بشأن مسار الفائدة المستقبلي.
بيانات قوية تقلص فرص الخفض القريب
تراجعت احتمالات خفض أسعار الفائدة الأمريكية في سبتمبر إلى 56%، بانخفاض 7 نقاط مئوية، وفقا لأداة "فيد واتش"، في ظل بيانات اقتصادية حديثة قللت من مبررات التيسير النقدي، على الرغم من تصاعد الضغوط السياسية من البيت الأبيض.
وأظهرت التقديرات الأولية أن الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي نما بنسبة 3.0% خلال الربع الثاني، متجاوزا التوقعات، ما يشير إلى متانة النشاط الاقتصادي. كما أضاف القطاع الخاص أكثر من 100 ألف وظيفة خلال يوليو، متجاوزا التقديرات البالغة 76 ألف وظيفة، في دلالة على استمرار الزخم في سوق العمل.
من جهة أخرى، ارتفع مؤشر "الإنفاق الاستهلاكي الشخصي الأساسي" وهو المعيار المفضل للفيدرالي بنسبة 2.7% في مايو، ليظل أعلى من مستهدف البنك البالغ 2%. وتُرجح هذه المعطيات بقاء الفيدرالي على سياسة التريث دون خفض للفائدة، إلى حين تقييم آثار الرسوم الجمركية الجديدة، ومراقبة اتجاهات الطلب المحلي خلال ما تبقى من العام.
زيارة نادرة وضغوط متصاعدة من البيت الأبيض
في تصعيد مباشر للضغوط السياسية، هاجم الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الاحتياطي الفيدرالي مجددا، مغردا بعد صدور بيانات الناتج المحلي: "3%، أفضل بكثير من المتوقع! تأخرتم كثيرًا. يجب الآن خفض سعر الفائدة. لا يوجد تضخم!"، في دعوة صريحة للفيدرالي بالإسراع في خفض الفائدة رغم قوة المؤشرات الاقتصادية.
وتزامن ذلك مع زيارة نادرة أجراها "ترمب" لمقر الفيدرالي قبل أيام، ليكون بذلك رابع رئيس أمريكي فقط يزور المجلس، في تحرك غير تقليدي قبل اجتماع حاسم للسياسة النقدية. الزيارة شهدت انتقادات علنية من الرئيس لترميم مبنى الفيدرالي، حيث استشهد بورقة أشار فيها إلى أن تكلفة المشروع تجاوزت 3 مليارات دولار، إلا أن رئيس الفيدرالي جيروم باول أوضح أن الرقم يشمل مبنى آخر جرى الانتهاء منه بالفعل.
ورغم نفي ترمب وجود نية لإقالة باول، إلا أن وفده شمل رئيس وكالة تمويل الإسكان الفيدرالية بيل بولتي، الذي سبق أن اتهم باول بتضليل الكونجرس بشأن كلفة الترميم، ودعاه إلى الاستقالة. وتأتي التحركات في توقيت حساس قد يُفسَّر على أنه محاولة لدفع الفيدرالي نحو تبني موقف أكثر تيسيرا.