الاقتصاد العالمي يُظهر مرونة غير متوقعة في مواجهة تحدى الرسوم الجمركية
بينما يواجه الاقتصاد العالمي زيادة تاريخية في معدلات الرسوم الجمركية هذا العام، فقد أظهر "مرونة غير متوقعة"، بحسب ما ذكرته صحيفة "وول ستريت جورنال".
على الرغم من حالة عدم اليقين الشديدة، الناتجة عن توقعات فرض رسوم جمركية ضخمة من قبل الولايات المتحدة على شركاء تجاريين واحتمالات ردهم بالمثل، فاجأت الشركات والأسر الاقتصاديين بقدرتها على التحوط، حيث وجدت طريقا للتغلب على هذه التحديات في انتظار وضوح مصير الرسوم.
في حين حولت الشركات البضائع الموجهة للولايات المتحدة إلى دول وسيطة تخضع لرسوم أقل، واصلت الأسر والشركات الإنفاق والاستثمار رغم ضبابية المشهد التجاري.
نما الاقتصاد العالمي 2.4% على أساس سنوي في النصف الأول من العام الجاري، وهو قريب من معدله على المدى الطويل، وفقًا لبنك "جيه بي مورجان".
تشهد أحجام التجارة العالمية كذلك ازدهارا، في الوقت الذي عادت فيه أسواق الأسهم في الولايات المتحدة وأوروبا إلى مستويات قياسية، وارتفعت توقعات النمو في أوروبا وآسيا.
وبقيت الاستثمارات، والتوظيف في قطاع التصنيع، والإنفاق والنشاط الاقتصادي، في مستوياتها عالميا، بحسب بيانات "جولدمان ساكس".
كيف وجدت الشركات والأسر سبيلا وسط فخاخ الرسوم الجمركية؟
يرى الاقتصادي ماركوس نولاند من معهد "بيترسون" أن الخلل لم يكن في الرسوم فقط، بل في عدم القدرة على التنبؤ بها، وفي الحلول الوقائية التي تبنتها الشركات.
ساعدت الخبرات التي اكتسبتها الشركات في تعزيز سلاسل التوريد خلال جائحة كورونا على مواجهة التحديات الحالية.
ولعب الإنفاق الحكومي القوي، من الولايات المتحدة إلى ألمانيا، دورًا كذلك في تعزيز الثقة.
أنجيل تالافيرا، الخبير الاقتصادي في شركة أكسفورد إيكونوميكس، أوضح بدوره أن بعض الشركات تخزّن منتجاتها الآن تحسبا لارتفاع الرسوم الجمركية في المستقبل.
في المقابل، ترى إيزابيل شنابل، عضو المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي، أن "وطأة عدم اليقين على النشاط الاقتصادي تبدو أخف مما كنا نعتقد"، وفقا لما قالته في مقابلة مؤخرا.
من جهة أخرى، دفعت التحولات السياسية المناهضة للعولمة، والتي بدأت قبل نحو 10 سنوات، عديد الشركات إلى الاعتماد أكثر على الإنتاج المحلي لخدمة الأسواق الرئيسة. وجاءت الرسوم الحالية مؤكدة على أهمية هذا التوجه.
مزيد من المؤشرات على مرونة الاقتصادات في مواجهة الرسوم
أظهرت بيانات منظمة التجارة العالمية نمو التجارة العالمية 5.3% في الربع الأول من العام الجاري على أساس سنوي، بدعم من زيادة الواردات إلى أمريكا الشمالية.
في أوروبا، أظهرت مؤشرات الطلبات الجديدة والتصدير والإنتاج المستقبلي ارتفاع هذه الطلبيات إلى أعلى مستوى في ثلاث سنوات، ما يشير إلى أن هذا النشاط ليس نتيجة التوريد المسبق.
وعلى الرغم من فرض رسوم 25% على قطاع السيارات الأوروبي، فقد استمر الإنتاج دون انخفاض كبير، بحسب محللي شركة كابيتال إيكونوميكس.
الصين، الخصم الرئيسي للرئيس ترمب في التجارة، لم يلحق بهذا أثر مدمر جراء اضطرابات الرسوم الجمركية في الأشهر القليلة الماضية كما كان يُخشى.
وبينما انخفضت صادرات الصين المباشرة إلى الولايات المتحدة 10% في أول 5 أشهر من العام، فقد عوضت ذلك بنمو الصادرات إلى آسيا وأوروبا وأفريقيا، ليرتفع إجمالي الصادرات 6%.
يشير خبراء اقتصاد إلى أن جزءا من هذه الزيادة جاء نتيجة لإعادة توجيه الشحنات الصينية عبر دول مثل فيتنام وتايلاند والمكسيك.
وبحسب بيانات مكتب الإحصاء الأمريكي، فقد ارتفعت الواردات من جنوب شرق آسيا 28%، ومن آسيا كاملة 10%، في الفترة نفسها، رغم انخفاض حجم التجارة مع الصين.
أما في الولايات المتحدة، فما زال صافي ثروة الأسر مرتفعا مقارنة بمستويات الدخل، ما يمنح المستهلكين قدرة على مواصلة الإنفاق رغم ارتفاع الأسعار، بحسب سوزان كولينز، رئيسة الاحتياطي الفيدرالي في بوسطن.
تراجع التجارة ما زال غير مستبعد
بينما سمحت هذه المرونة لبعض المصدرين بتحميل المستهلكين جزءا من تكاليف الرسوم، دون تراجع في المبيعات، ما زال من غير المستبعد أن تتراجع التجارة في الأشهر القادمة، مع تباطؤ الطلب بعد موجة الطلبيات المسبقة لتفادي الرسوم.
ويبدو أن لامبالاة الاقتصاد العالمي شجعت إدارة الرئيس الأمريكي ترمب على فرض رسوم جمركية أعلى، ما قد يؤدي إلى صدمة مؤجلة، وفقا لوجهة نظر نولاند، الذي شبّه الوضع بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتأثيره التراكمي في اقتصادها.
يرى خبراء أن معدل الرسوم هو ما سيحدد حجم التأثير الحقيقي، فبينما من المحتمل فرض رسوم بنسبة 10%، قد تؤدي إلى 30% أو 50% إلى تجميد التجارة، وهو الامر الذي حذّرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.