كيف يهدد الصراع على المعادن النادرة الهدنة التجارية بين الصين وأمريكا ؟
رحبت الأسواق مطلع مايو باتفاق بين أمريكا والصين تم التوصل إليه في جنيف يقضي بتخفيض الرسوم الجمركية والعوائق التجارية الأخرى. لكن ما لبث أن خفت بريق هذا الاتفاق بعد أسابيع قليلة، إذ اتهمت الصين واشنطن بانتهاك التفاهم عبر فرض قيود جديدة، بينما ردت واشنطن بأن بكين لم تف بتعهداتها بشأن صادرات المعادن النادرة.
ما هي خلفية الخلاف حول المعادن النادرة ؟
في 4 أبريل أعلنت وزارة التجارة الصينية، أنها ستبدأ بفرض نظام تراخيص لتصدير 7 أنواع من المعادن النادرة: السماريوم، والجادولينيوم، والتيربيوم، والديسبروسيوم، واللوتيتيوم، والسكانديوم، والإتريوم. وشمل القرار أيضاً المنتجات التي تحتوي على هذه العناصر، من بينها المغناطيسات الدائمة التي تصنعها "إن دي إف إي بي"، والتي تُستخدم على نطاق واسع في المحركات الكهربائية وأقراص التخزين الصلبة.
رغم أن هذا الإجراء جاء ضمن مجموعة تدابير انتقامية موجهة ضد أمريكا، إلا أنه يسري على الصادرات إلى جميع الدول، كما رفعت الرسوم الجمركية على السلع الأمريكية، واتخذت سلسلة من الإجراءات الإضافية بينها : فتح تحقيق إغراق ضد أنابيب الأشعة المقطعية الطبية القادمة من أمريكا والهند، وقف استيراد منتجات الدواجن من شركتين أمريكتين، إدراج 11 شركة دفاعية أمريكية ضمن "قائمة الكيانات غير الموثوقة"، فرض قيود على صادرات 16 شركة أمريكية، وقف استيراد محصول السورغم من شركة أمريكية، فتح تحقيق ضد فرع شركة "دو بونت" في الصين للاشتباه في مخالفات احتكارية.
في الأيام التالية، تصاعدت الإجراءات الانتقامية المتبادلة، حيث أضافت بكين 12 كيانا أمريكيا جديدا إلى قائمة القيود التصديرية، و6 شركات إلى قائمة الكيانات غير الموثوقة، ما يعني منعها من شراء المنتجات الصينية.
ما الذي وعدت به الصين في جنيف ؟
خلال اللقاء الذي جمع ممثلين عن الرئيس دونالد ترمب ونظيره الصيني شي جين بينغ في سويسرا بعد شهر من إعلان الإجراءات، وافق المسؤولون الصينيون على خفض الرسوم الجمركية ووقف الإجراءات غير الجمركية ضد الشركات الأميركية، وفقاً للبيان المشترك.
نتيجة لذلك، رفعت الصين الحظر المفروض على تصدير المنتجات إلى 28 شركة أميركية كانت مشمولة في قرار أبريل، وعلّقت إدراج 17 شركة أميركية ضمن قائمة الكيانات غير الموثوقة، وذلك لمدة 90 يوما.
هذا التجميد المؤقت أتاح للشركات الصينية تقديم طلبات إلى وزارة التجارة للحصول على إذن ببيع منتجاتها لتلك الكيانات، إلا أن البيان لم يوضح ما إذا كانت هذه الطلبات ستُقبل فعليا أم لا.
لكن الصين لم تصدر أي تعهد علني بإلغاء متطلبات الترخيص لتصدير المعادن السبعة. بل على العكس، أطلقت الحكومة في مايو حملة داخلية لمكافحة تهريب المعادن الحيوية، بما فيها المعادن النادرة، في إطار مسعى لتأكيد خضوع جميع الصادرات للنظام الرقابي.
كيف يعمل نظام تراخيص التصدير ؟
وفقا لتقرير حديث صادر عن مجلس الأعمال الأمريكي الصيني، فإن نظام الرقابة على الصادرات الصيني يشبه إلى حد كبير نظيره الأمريكي، إذ يتطلب الحصول على ترخيص لكل شحنة، إلى جانب تقديم شهادات المستخدم النهائي، ومعلومات مفصلة في الطلبات.
بحسب توجيهات وزارة التجارة الصينية، فإن فترة مراجعة تراخيص تصدير المعادن النادرة ذات الاستخدام المزدوج تستغرق 45 يوم عمل، إلا أن هذه المدة قد تختلف من حالة إلى أخرى.
منذ إطلاق نظام الرقابة المزدوجة، دأبت الصين على توسيع قائمة المنتجات الخاضعة لهذا النظام تدريجياً. وعادة ما تتراجع الصادرات مؤقتاً عند إضافة منتج جديد، بسبب الضغط الناتج عن عدد الطلبات الكبيرة مقارنة بقدرة النظام البيروقراطي الناشئ على التعامل معها.
بدأت بعض الشركات الأمريكية وغيرها من الدول بالحصول على التراخيص، وفقاً لمسؤول رسمي في دولة آسيوية كبرى طالباً عدم الكشف عن هويته، قال إن بلاده شرعت في تلقي الموافقات الأسبوع الماضي.
قال مايكل هارت، رئيس غرفة التجارة الأميركية في الصين: "بدأنا نشهد بعض الموافقات، لكنها أبطأ مما ترغب به الشركات"، مضيفا "جزء من التأخير ناتج عن سعي الصين لضبط آليات نظامها الجديد، وليس بالضرورة نتيجة قرار بعدم السماح بالتصدير".
بحسب هارت فإن تراخيص صادرات عناصر مثل الجرمانيوم والغاليوم التي تراجعت عند فرض متطلبات الترخيص، عادت للارتفاع لاحقا، لكنها لم تصل بعد إلى مستوياتها السابقة.
ما الذي كانت أمريكا تتوقعه من الصين ؟
أعربت واشنطن عن خيبة أملها من أداء الصين بعد اتفاق جنيف، متهمة إياها بـ"خنق" الإمدادات الحيوية من المغناطيسات النادرة والمعادن الأساسية.
ترمب اتهم الأسبوع الماضي الصين بانتهاك الاتفاق، بينما قال الممثل التجاري الأمريكي جايمسون غرير، لـ "سي إن بي سي" : لم نشهد تدفق تلك المعادن الحيوية كما كان يفترض أن يحصل، مضيفا "الصين تبطئ وتكبح تدفق المعادن الحيوية والمغناطيسات النادرة"، مشيرا إلى أن الإدارة الأمريكية تتابع عن كثب مدى التزام الصين، أو عدم التزامها بالاتفاق.
كان المسؤولون الأمريكيون يتوقعون استئناف صادرات المعادن النادرة الصينية بشكل فوري بعد محادثات جنيف، لكن الأمر فاجأ العديد من الشركات الأمريكية، حيث قال هارت مطلع هذا الأسبوع إن وتيرة تخفيف القيود كانت "أبطأ مما تأمله الصناعة".