هل انتهت هيمنة سوق الأسهم الأمريكية أم تعيش استراحة مؤقتة؟
يُجادل كثيرون في "وول ستريت" بضرورة سعي المستثمرين وراء فرص استثمارية خارج الولايات المتحدة، فيما قال محللون ماليون: إن الاستثنائية الأمريكية قد انتهت.
وفقا لمجلة "بارونز"، تنبع هذه المخاوف من هيمنة السوق الأمريكية منذ الأزمة المالية 2008-2009، والتي دفعت محافظ استثمارية إلى الاعتماد المبالغ على الأصول الأمريكية. وقد أدى ارتفاع الدين الأمريكي، الذي بلغ الآن 37 تريليون دولار، وعدم اليقين بشأن الرسوم الجمركية إلى بث شكوك حول مستقبل القيادة الاقتصادية الأمريكية.
تتفاقم هذه المخاوف مع إصلاح اقتصادات منافسة، مثل ألمانيا، سياساتها المُعرقلة للنمو، فيما يُعاني الاقتصاد الأمريكي ضعفا في الأداء منذ بداية العام.
بحسب أليشيا ليفين، رئيسة إستراتيجية الاستثمار والأسهم في بي إن واي ويلث، استثنائية الاقتصاد الأمريكي، لا تقتصر على مكاسب الأسهم فحسب، بل تشمل أيضا المزايا الهيكلية في النمو والإنتاجية والابتكار وجذب رأس المال وتحويل الأرباح. ولهذا لا يتوقع أن تتبدل الحال عما قريب.
لنأخذ الناتج المحلي الإجمالي أولا، فهو عماد تقديرات الأرباح. صحيح أن أسواق الأسهم قد لا تعكس الاقتصاد الحقيقي، إلا أنها تعكس الناتج المحلي الإجمالي الاسمي. وهنا يتضح الأداء المتفوق لأسواق الأسهم الأمريكية. فمنذ 2010، نما الاقتصاد الأمريكي 43%، فيما نمت أوروبا نحو نصف هذا المعدل، وثلثه في اليابان.
تمنح مرونة سوق العمل وتخفيف القيود التنظيمية الولايات المتحدة أفضلية واضحة. يبلغ معدل البطالة في الولايات المتحدة 4.2%، مقارنة بـ 6.2% في منطقة اليورو. كما أن بطالة الشباب أعلى 5% في أوروبا و7% في الصين. تضاعفت طلبات إنشاء أعمال جديدة في الولايات المتحدة تقريبًا خلال العقد الماضي، بينما ارتفعت 26% فقط في أوروبا. باختصار، يجد رأس المال والأفكار نتائج أفضل في الولايات المتحدة.
علاوة على ذلك، تبلغ إنتاجية العمال في الولايات المتحدة ضعف إنتاجية منطقة اليورو وكندا والمملكة المتحدة منذ 2010. وقد اتسعت هذه الفجوة منذ 2019، مع ارتفاع الإنتاجية في الولايات المتحدة وتقلصها في مناطق أخرى. وستزيد ريادة الولايات المتحدة في تبني الذكاء الاصطناعي من هذا التفاوت.
إلى جانب ذلك، حجم رأس المال التأسيسي والاستثماري – اللازمين لتمويل الابتكارات – أكبر في الولايات المتحدة. يمتلك أكثر من 60% من الأسر الأمريكية أسهمًا من خلال حسابات الوساطة، وحسابات التقاعد الفردية، وهي مستويات استثمارية لا مثيل لها في الأسواق الأخرى.
تتميز أمريكا أيضًا بأسواق راسخة وسيولة فريدة. تُمثل الدولة 64% من القيمة السوقية للأسهم العالمية، و41% من أدوات الدخل الثابت ذات التصنيف الاستثماري العالمي. ويُحتفظ نحو 58% من احتياطيات النقد الأجنبي العالمية بالدولار.
أما على صعيد أداء الشركات، فيتفوق عائد رأس المال في الولايات المتحدة. يبلغ عائد الأسهم في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 21%، مقارنةً بـ 13% في أوروبا.
أخيرا، قد تتفشى مخاوف بشأن هيمنة أكبر 10 أسهم أمريكية، والتي تُشكل الآن 36% من مؤشر ستاندرد آند بورز 500. لكن تشهد دول أخرى تركزا أسوأ، إذ تُمثل أكبر 10 أسهم في الصين والبرازيل وفرنسا وألمانيا وكوريا الجنوبية 50% أو أكثر من مؤشراتها. حتى منطقة اليورو واليابان، إذ تشكل أسهمهما الرائدة نحو 28%. لذا، فإن التنويع العالمي في المحافظ لا يُلغي مخاطر التركز.
من المفهوم أن ضعف أداء الأسواق الأمريكية وعدم اليقين إزاء سياسة التجارة الأمريكية هذا العام قد دفعا إعادة النظر في هيمنة الدولة الاقتصادية والسوقية على المدى الطويل. ومع تقارب توقعات أرباحها مع بقية العالم، قد يظل أداء السوق الأمريكية أضعف طوال 2025.
لكن لا تزال العوامل الأساسية تُصب في مصلحة الولايات المتحدة، لما تتمتع به من بيئة لا مثيل لها للنمو والابتكار وعائد رأس المال.
لقد ذكّر هذا العام المستثمرين بفوائد التنويع، لكن لا ينبغي اعتباره نهايةً للريادة الأمريكية. فمن المرجح أن تواصل الولايات المتحدة تقديم أفضل فرص الاستثمار في العالم.