بطاقات الائتمان .. من امتياز للنخب إلى ضرورة في الحياة اليومية
تحولت بطاقة الائتمان من امتياز عند ابتكارها، مطلع خمسينيات القرن الماضي، إلى أداة مهيمنة على أدوات التسوق والتمويل الحديث. فقد اضطلعت بدور محوري في تشكيل المشهد المالي والاقتصادي في العالم، مع تسجيل سوقها معدل نمو سنوي مركب بنسبة 6.64%، يتوقع أن يبلغ حجم سوقها 20 تريليون دولار بحلول 2029.
توقع تقرير لمؤسسة Custommarketinsights، بدورها أن ترتفع الإيرادات العالمية لسوق بطاقات الائتمان إلى 286.5 مليار دولار بحلول 2032، بناء على ما سجلته عام 2022 ببلوغها 152.2 مليار دولار.
وارتفع عدد حاملي بطاقات الائتمان على مستوى العالم بشكل مطرد، وفق ما ذكرته منصة كليرلي بيمنتس، حيث انتقل من 1,1 مليار شخص في عام 2018 إلى 1,25 مليار شخص عام 2023، ما يمثل معدل نمو سنوي قدره 2.79%.
في الولايات المتحدة، ظهرت عام 1950 أول بطاقة ائتمان Diners Club، بعدها بسنوات أطلق "بنك أوف أمريكا" في كاليفورنيا BankAmericard، التي كانت أول بطاقة ائتمان للأغراض العامة في العالم، وتحولت عام 1970 لتصبح Visa.
عام 2020، قام الأمريكيون بأكثر من 45 مليار معاملة تجارية ومالية بنحو 691 مليون بطاقة ائتمانية، وقد بلغ إجمالي التداول المالي عبر هذه البطائق نحو 4 تريليونات دولار.
داخل أوروبا لوحدها وحسب بيانات البنك المركزي الأوروبي، تم إجراء 56% من عمليات الدفع غير النقدية التي شملت أكثر من 40 مليار معاملة ببطاقات الائتمان في النصف الأول من 2024.
تبقى الهيمنة على هذه السوق عالميا من نصيب شركات أمريكية محدودة (فيزا وماستركارد وأمريكان إكسبريس..)، فدول داخل أوروبا تعتمد عليها بشكل كلي تقريبا، مثل إيرلندا التي تستحوذ عليها فيزا 90%، وماستركارد في هولندا 87% والسويد 71%، وتتقاسمان السوق في دول أخرى منها بولندا 54% مقابل 46%، وإسبانيا 55% مقابل 43%، وبريطانيا 59% مقابل 39%.
وضع أثار مخاوف الأوروبيين فمع تكرار التشنج في العلاقات الأوروبية الأمريكية، في ظل قيادة الرئيس دونالد ترمب، فهذه السوق، حسب كريستين لاجارد مديرة البنك المركزي الأوروبي، لا تزال خارج السيطرة بالنسبة لأوروبا، وأن الوقت حان العمل من أجل "وجود عروض أوروبية".
مسعى من شأنه أن يكون سببا في العمل بجدية أكبر من أجل "اليورو الرقمي". فالفكرة، ومنذ مطلع عام 2021، تدور في دواليب المؤسسات الأوروبية، وقبل عام ونصف قدمت مفوضية الاتحاد الأوروبي مقترح قانون إلى البرلمان الأوروبي بشأن مشروع نظام دفع جديد باسم "Wero"، لم يبث فيه حتى الآن.
لم تكن مسألة استخراج بطاقة ائتمان بمنتهى السهولة، فحصول النساء على هذه البطاقة تطلب دعوى قضائية أمام المحكمة العليا في الولايات المتحدة عام 1971، سندها انتهاك التعديل الرابع عشر للدستور الأمريكي.
لقد كان ذلك سببا وراء إصدار قانون تكافؤ الفرص الائتمانية عام 1974 الذي يمنع حرمان الأشخاص من الائتمان على أساس الجنس أو الدين أو العرق.
تطورت فكرة التمييز في عالم البطائق لتصبح أداة لاستقطاب الزبائن، بمسارعة الأبناك إلى ابتكار "أفخم بطائق الائتمان" تتفاوت من حيث قيمتها المالية، لكنها تظل تعبيرا بارزا عن الانتماء الطبقي والمكانة الاجتماعية للزبون حامل البطاقة.
أصدر مصرف شيربانك في كازاخستان مثلا بطاقة Infinite Gold الذهبية لأهم 100 عميل على قائمة عملاء البنك، برسوم إصدار حددت في 100 ألف دولار، توزع بين ثمن البطاقة المصنوعة من الذهب والألماس (65 ألف دولار) ووديعة تأمين الخط (45 ألف دولار)، فيما حددت الرسوم السنوية في 2000 دولار فقط.
عام 1999، طرح بنك أمريكان إكسبريس في الولايات المتحدة بطاقة فاخرة باسم "بلاك فيزا" (سنتريون) برسوم سنوية بدأت بـألف دولار ثم ارتفعت مع الإقبال على البطاقة لتصل إلى 2500 دولار سنويا، فضلا عن رسوم استخراج البطاقة لأول مرة المحددة في 5000 دولار. من جملة المزايا التي تمنحها هذه البطاقة الدخول إلى قاعات المطارات.
أطلق بنك "جي بي مورجان" بدوره بطاقة من هذا الصنف عام 2009، برسوم سنوية لا تتعدى 595 دولارا، لكن حصرها في العملاء الذين تتجاوز أصولهم لدى البنك 5 ملايين دولار.
واختار "رويال بنك أوف سكوتلاند"، ثاني أقدم مصرف في بريطانيا، ربط بطاقة "كوتس سيلك" بحجم الإنفاق، فجعلها حكرا على من ينفق ما لا يقل عن 50 ألف جنيه إسترليني سنويا.
اليوم، يصعب عمليا تصور اقتصاد عالمي بدون بطائق الائتمان، فلولاها لما ازدهرت كثير من القطاعات الاقتصادية، ولظل الاقتصاد الدولي منكمشا على نفسه.