من يكسب في صناعة السيارات الكهربائية ؟
في خضم التحولات الكبرى في هيكل الاقتصاد العالمي تبرز صناعة السيارات الكهربائية كأحد أهم مجالات التنافس بين القوة الاقتصادية المهيمنة. ذلك الصراع ينذر بتحول تاريخي في صناعة السيارات، فبعد عقود من سيطرة الاقتصادات المتقدمة وبالأخص في أوروبا مثل ألمانيا، وآسيا مثل اليابان، بجانب الولايات المتحدة على صناعة السيارات التي تعتمد على الوقود الأحفوري، تأتي السيارات الكهربائية لتعيد تشكيل النفوذ.
فأهمية الصناعة وارتباطها بالسياسات العالمية الهادفة إلى خفض الانبعاثات الكربونية وزيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة في قطاع النقل تجعلها موضع اهتمام سواء من الحكومات أو المستثمرين.
وقد شكل نهاية 2024 حدثًا مهما بالنسبة للصناعة، حيث تفوقت شركة (BYD) الصينية لأول مرة على شركة "تسلا" الأمريكية من حيث حجم إنتاج السيارات الكهربائية. حيث وصل إنتاج الشركة الصينية إلى 1.778 مليون سيارة كهربائية، مقابل 1.774 مليون سيارة لعملاقة الصناعة الأمريكية "تسلا".
تفوق (BYD) لم يكن وليد الصدفة وإنما نتيجة أساسية لإستراتيجية الصين لتسريع الاعتماد على السيارات الكهربائية والنظيفة في قطاع النقل. ففي 2024 وصلت مبيعات السيارات الكهربائية في السوق الصيني إلى 6.3 مليون سيارة، مستحوذة على 58.6% من إجمالي حجم المبيعات العالمية خلال العام نفسه. بينما جاءت القارة الأوروبية في المرتبة الثانية بحجم مبيعات وصل إلى 2 مليون سيارة، والولايات المتحدة في المرتبة الثالثة بنحو 1.3 مليون سيارة.
القوة التي اكتسبتها الصين في الصناعة ترجع لعدة عوامل، يأتي في مقدمتها التحكم في سلاسل الإمداد والتوريد الخاصة بإنتاج السيارات الكهربائية وفي مقدمتها صناعة البطاريات. فوفقًا لوكالة الطاقة الدولية تسيطر الصين على أكثر من 70% من إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية العالمية، وتأتي في مقدمة الشركات التي تسيطر على القطاع كل من (CATL) و شركة (BYD).
بجانب سلاسل التوريد فنمو القطاع في الصين دعمته الحوافز الحكومية سواء لمنتجين السيارات، أو للمشترين. إضافة إلى الإنفاق المستمر على عمليات البحث والتطوير التي تسهم في خفض التكاليف وزيادة الكفاءة الإنتاجية.
مقابل الصعود القوى للصين فهناك تباطؤ وعدم قدرة على مواكبة تطور صناعة السيارات الكهربائية في القارة الأوروبية. يرجع ذلك إلى عوامل عديدة منها ارتفاع تكاليف الإنتاج، وضعف الطلب المحلي، وغياب الحوافز الحكومية التي تشجع على إنتاج وشراء السيارات الكهربائية.
إضافة إلى ضعف البنية التحتية اللازمة للصناعة وفي مقدمتها محطات الشحن. كما لم تحقق شركات صناعة السيارات الأوروبية تقدم ملموس في تطوير سلاسل الإمداد المحلية الخاصة بها للصناعة واستمرار اعتمادها على الخارج، الأمر الذي يضغط على التكاليف والأسعار النهائية مقارنة بالمنافسين وبالأخص الصين.
وتواجه صناعة السيارات الكهربائية مجموعة من التحديات الحالية، على رأسها الاضطرابات التجارية بين أهم الفاعلين في القطاع وبالأخص الصين والولايات المتحدة وأوروبا. حيث تدفع الرسوم المتبادلة إلى التأثير في أسعار مدخلات الإنتاج وسلاسل التوريد. ما سيبرز بشكل أساسي على أسعار السيارات الكهربائية، وفي ظل توقعات بانكماش الطلب العالمي نتيجة الضعف الاقتصادي فأن مبيعات السيارات الكهربائية ستنخفض وستؤثر سلبيًا في رحلة تطوير الصناعة.
وقد سعت السعودية للاستفادة من طفرة قطاع السيارات الكهربائية، وعملت على الانخراط بشكل أساسي في الصناعة، عبر الاستثمار في شركات صناعة السيارات الكهربائية مثل "لوسيد" التي افتحت أول مصانعها في السعودية في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية. بجانب تطوير سلاسل الإمداد والتوريد المحلية بداية من التعدين واستخراج المعادن النادرة ومعالجتها، وصولًا إلى صناعة البطاريات الكهربائية بالتعاون مع كبرى الشركات العالمية. إضافة إلى الصناعات المكملة مثل الإطارات. بجانب تطوير البنية التحتية اللازمة للتوسع في استخدام السيارات الكهربائية في السوق السعودي.
ختاما فقد استطاعت الصين أخذ الريادة في مجال صناعة السيارات الكهربائية وسلاسل الإمداد والتوريد الخاصة بها. وذلك في ظل عدم قدرة الولايات المتحدة وأوروبا على مواكبة التطور الصيني. وتملك السعودية فرصة هامة لجذب أنشطة الإنتاج للسيارات الكهربائية في السوق المحلية، مستفيدة من وضع تجاري عالمي مضطرب، وبيئة أعمال محلية مهيئة وعلاقات اقتصادية قوية مع مختلف الأسواق.