لماذا ارتفع اهتمام العالم مجددا بالطاقة النووية ؟
كانت توقعات العالم في العقد الأخير تشير إلى بدء انحسار الطاقة النووية وبالأخص بعد حادثة فوكوشيما في اليابان في 2011. مع التوجه إلى تعزيز دور الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية في هيكل استهلاك الطاقة، بجانب التوسع في استخدام الغاز الطبيعي في توليد الكهرباء. ولكن الأزمة الروسية الأوكرانية قلبت موازين الأمور، حيث ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي لمستويات كبيرة جعلت كثير من الدول غير قادرة على تحمل تكاليفها المرتفعة.
في أوروبا توقفت إمدادات الغاز الطبيعي القادم من روسيا عبر خطوط الأنابيب، ما أدى إلى ارباك منظومة الطاقة، وذلك في ظل عدم قدرة الطاقة المتجددة على تحقيق أهدافها وتغطية الاستهلاك المتزايد. تلك العوامل أعادت الزخم مجددا للطاقة النووية، فهي أرخص سعرًا مقارنة بالمصادر الأخرى، وتتضمن للدول استمرارية الإمدادات دون التأثر بعوامل مرتبطة بالظروف المناخية، إضافة إلى توافر التكنولوجيا التي تستخدم سواء في التشييد أو الإنتاج.
ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية فإن مساهمة الطاقة النووية في إجمالي إنتاج الكهرباء العالمية تصل إلى 10 %، وتصل في الدول المتقدمة إلى 20 %. ويبلغ إجمالي قدرة الطاقة النووية في العالم إلى 413 جيجاوات عبر مفاعلات توجد في 32 دولة حول العالم. على مستوى الدول فتأتي الولايات المتحدة في المرتبة الأولى من حيث حجم إنتاج الطاقة النووية في العالم، وذلك بحجم إنتاج وصل في 2023 إلى 772 تيراوات ساعة. بينما جاءت الصين في المرتبة الثانية بحجم إنتاج يبلغ 395 تيراوات ساعة، وفرنسا في المرتبة الثالثة بنحو 282 تيراوات ساعة.
على مستوى مساهمة الطاقة النووية في إجمالي إنتاج الكهرباء. تصدرت فرنسا القائمة العالمية، حيث أسهمت الطاقة النووية بنحو 65 % من إجمالي إنتاج الكهرباء في 2023. فيما جاءت سلوفاكيا في المرتبة الثانية بحجم مساهمة وصلت إلى 61 %. بينما أسهمت الطاقة النووية بنحو 19 % من إجمالي إنتاج الكهرباء في الولايات المتحدة في 2023، وفي الصين وصلت إلى 5 % خلال نفس العام.
البحث عن توفير مصدر مستقر ونظيف للطاقة دفع العالم لزيادة الاستثمارات الموجهة للطاقة النووية. فوفقًا لأحداث البيانات فيوجد نحو 59 مفاعلا نوويا جديدا تحت الإنشاء في العالم، وتتصدر الصين القائمة بنحو 25 مفاعلا وتأتي الهند في المرتبة الثانية بنحو 7 مفاعلات. في اليابان التي عانت أزمة التسرب الإشعاعي بسبب حادثة محطة فوكوشيما لديها في الوقت الحالي مفاعلين لإنتاج الطاقة النووية تحت الإنشاء.
الولايات المتحدة بدورها تسعى إلى مضاعفة إنتاج الكهرباء بواسطة الطاقة النووية 3 أضعاف بحلول 2050. حيث ستعمل على إضافة 200 جيجاوات للسعة الإنتاجية بحلول منتصف القرن، وذلك عبر التوسع في إنشاء المفاعلات الجديدة.
التوسع في الاعتماد على الطاقة النووية تدعمه عديد من العوامل، في مقدمتها يأتي مكافحة التغير المناخي. حيث تعد الطاقة النووية من أنواع الطاقة النظيفة غير الملوثة للبيئة، فوفقًا لوكالة الطاقة الدولية فقد أسهمت الطاقة النووية في الفترة من 1971 - 2022 بتجنب العالم انبعاثات كربونية تقدر بنحو 71 جيجا طن.
العامل الثاني هو سهولة الحصول على الطاقة النووية مقارنة بباقي مصادر الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية. على سبيل المثال فإن حجم الطاقة التي ينتجها مفاعل نووي تجاري تحتاج إلى نحو 3 ملايين لوح شمسي أو 450 توربين رياح لإنتاج نفس الحجم من الطاقة.
العامل الثالث يتمثل في أن الثورة التكنولوجية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي سترفع من حجم الطلب على الطاقة. حيث تستهلك مراكز البيانات الخاصة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي كميات هائلة من الكهرباء. فوفقًا لبيانات جولدمان ساكس فإن إجمالي استهلاك مراكز البيانات من الطاقة ستشكل نسبة تراوح بين (3 إلى 4 %) من إجمالي استهلاك الطاقة في العالم بنهاية العقد الحالي مقارنة مع نسبة تراوح بين (1 إلى 2 %) في الوقت الحالي.
ختامًا فأن الطاقة النووية أصبحت تشكل حلًا مهما لعديد من المشاكل التي يعانيها قطاع الطاقة العالمي. فمن ناحية توفر مصدر مستقر للطاقة، ومن ناحية أخرى تسهم في تحقيق الأهداف المناخية. ولكن مازالت عديد من المشاكل تحيط بها، وفي مقدمتها تكاليف الإنشاء المرتفعة التي تحتاجها والتي لا تستطيع دول كثيرة تحملها، بجانب الأخطار المتعلقة بالأمن والسلامة.