التنمية المستدامة والبحث العلمي المعزز بالابتكار

عندما نتحدث عن البحث العلمي، فنحن نتحدث عن إجراء يسعى إلى تقديم معرفة جديدة. وقد تأتي هذه المعرفة المنشودة عبر اكتشاف جديد لحقيقة من حقائق الحياة، كما في اكتشاف تكوين الذرة، وجزيئات المواد المختلفة، واكتشاف ظاهرة الكهرباء، وكذلك الموجات الكهرومغناطيسية وانتشارها في الفضاء. وقد تبرز هذه المعرفة أيضا عبر الإبداع الذي يستغل الحقائق القائمة، ليقدم أفكارا غير مسبوقة تستهدف تقديم معطيات معرفية يمكن الاستفادة منها في توسيع دائرة ما يمكن للإنسان القيام به. ويضاف إلى ذلك اتجاه كثير من المعطيات المعرفية الجديدة هذه نحو الابتكار الذي يجسد الاستفادة منها عبر جعلها حية على أرض الواقع، تقدم منتجات مفيدة جذابة، تلقى إقبال الناس عليها للاستفادة من فوائدها. وأمثلة ذلك كثيرة، منها الآلة البخارية، والقطار، والسيارة، والطائرة، والحاسوب، والجوال، والذكاء الاصطناعي، فضلا أيضا عن إجراءات العمل الفعالة التي تعطي تميزا غير مسبوق في أداء الأعمال في مختلف المجالات. تكمن أهمية البحث العلمي فيما قدمه من منتجات، عبر الزمن، غيرت مجرى حياة الإنسان. وتبرز مثل هذه التغيرات، بصورة خاصة، في هذا العصر الذي يشهد تنافسا معرفيا يزداد تسارعا في عطائه، وفي ابتكار مخرجات متجددة، بل وفي تطويرها المستمر نحو الأفضل، وانتشارها على نطاق واسع. وهكذا بات البحث العلمي، المعزز بالابتكار، المحرك الرئيس للعطاء المعرفي، والتميز الاقتصادي، والحياة الطيبة، والسعي إلى تحقيق التنمية، وتعزيز استدامتها. وبالطبع لا بد من وقود لتفعيل مثل هذه الحركة المعرفية، وما تقدمه من منجزات غير مسبوقة، والعمل على الاستفادة من عطائها. ويتمثل هذا الوقود في الإنفاق على البحث والتطوير والابتكار، وتوجيهه نحو منجزات تؤدي إلى توليد الثروة وتشغيل اليد العاملة، فضلا عن تأهيل العقول، وتأمين بيئة العمل اللازمة لذلك. ليس الإنفاق على البحث والتطوير والابتكار إنفاقا استهلاكيا ضائعا، بل إنه استثمار رابح يحمل معطيات تحمل قيمة تحتاجها التنمية، وتحمل أيضا خبرة مفيدة للمستقبل. ويرتبط النجاح المأمول لهذا الإنفاق، على المستوى الوطني، بوجود منظومة وطنية لذلك تشمل ليس فقط القطاع الحكومي، بل القطاع الخاص أيضا، وكذلك القطاع غير الربحي. فالفوائد المرجوة تشمل جميع المؤسسات، لتسهم معا في تنمية المجتمع وتفعيل تجدد عطائه دون انقطاع. تقضي المهمة الرئيسة، للمنظومة الوطنية المنشودة، بالعمل على تحقيق التوافق بين البحث العلمي القائم على مستوى الجامعات والمؤسسات المعرفية المختلفة، وربما على مستوى الأفراد أيضا، من جهة، والموضوعات المرتبطة بمتطلبات الخطط الوطنية وتوجهات رؤية السعودية من جهة أخرى. وهناك بالطبع، في خدمة هذه المهمة الرئيسة، مهمات أخرى فرعية. وتبرز في هذا المجال مهمة التركيز على توجيه المعطيات المعرفية المتجددة، ليس فقط نحو النشر العلمي والإسهام المعرفي العالمي، بل نحو التطوير والابتكار والتطبيق العملي، وتقديم مخرجات تحمل قيمة تنموية وخبرة تطبيقية. وتظهر إضافة إلى هذه المهمة، مهمة أخرى لا تقل أهمية، خصوصا في مسألة النظر إلى المستقبل، وتتطلع هذه المهمة إلى بناء ثقافة البحث والابتكار في المجتمع، خصوصا لدى الأجيال الناشئة، وللتعليم والبيئة الثقافية والإعلامية دور مهم في هذا المجال. ثم هناك مهمة توفير البيئة المناسبة لتنمية هذه الثقافة، مثل تشجيع الأفكار الجديدة المتميزة ودعم تحويلها إلى منتجات مفيدة تحمل قيمة. وهناك بالطبع مهمات عديدة أخرى لمنظومة البحث والابتكار المنشودة. لا شك أن "البحث العلمي المعزز بالابتكار" بات ضرورة من ضرورات التنمية في هذا العصر، ومن ضرورات استدامتها في المستقبل أيضا. إنه وسيلة لدخول السباق المعرفي الذي تشهده الأمم، من خلال العمل على تقديم مخرجات متميزة قادرة على المنافسة في السوق العالمية، والإسهام بالتالي في توليد الثروة وتشغيل اليد العاملة. والأمل في منظومة للبحث والابتكار تستطيع تنفيذ المهمات المطلوبة بأداء متميز.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي