Author

تنويع قاعدة الإنتاج تحمي الاقتصاد الوطني

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية

أنهى الاقتصاد السعودي أداءه خلال 2023 على تراجع محدود لم يتجاوز 0.8% متأثرا بتراجع القطاع النفطي بنحو 9%، وقلص النمو الحقيقي للقطاع غير النفطي بنحو 3.8% من تأثير الانكماش النفطي، بالتزامن مع ارتفاع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي إلى 67.4%، ويأتي هذا الأداء على خلاف الأوضاع التي كان عليها الاقتصاد السعودي في 2009، الذي شهد انكماشا اقتصاديا بنحو 1.1% عقب الأزمة المالية العالمية 2008، وتأثره بانكماش القطاع النفطي آنذاك بنحو 9.5%، رغم نمو القطاع غير النفطي في ذلك العام بنحو 5.9%، إلا أن مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي لم تتجاوز خلال تلك الفترة سقف 59.6%.

تأتي مقارنة الأداء بين الفترتين 2009 و2023 للتأكيد على أهمية نتائج الإصلاحات الهيكلية التي أفرزتها رؤية المملكة 2030، تحديدا على مستوى تخفيف الاعتماد على النفط، وتحجيم آثار تقلباته على الأداء الاقتصادي، وكيف أسهمت برامج ومبادرات الرؤية في رفع مساهمة القطاع غير النفطي من 64.7% بنهاية 2016 إلى 67.4% بنهاية العام الماضي، اقترن بارتفاع مساهمة القطاع الخاص من 44.3% إلى 46.8% خلال نفس الفترة، وكان من أهم ثمراته ارتفاع فرص العمل في القطاع الخاص خلال العام الماضي بنحو 6.2% للموارد البشرية المواطنة، مدفوعا بالنمو الحقيقي للقطاع الخاص بنحو 4.3% للعام الثالث على التوالي. ولم يقف أثر تلك الإصلاحات التي ما زالت في منتصف طريقها عند ذلك الحد، بل امتدت إلى الميزانية العامّة للدولة، التي قفز جانب إيراداتها غير النفطية خلال نفس العام بنحو 11.4%، مقلصا بدوره أثر انكماش الإيرادات النفطية بنحو 12% على إجمالي الإيرادات العامة، وهي المؤشرات التي لم تتوافر قبل برامج ومبادرات رؤية المملكة 2030.

لقد واجه الاقتصاد العالمي منذ اصطدامه بتداعيات الجائحة العالمية كوفيد-19 عديدا من الأزمات والتحديات، كان آخرها تصاعد حدة الاضطرابات الجيوسياسية، والحروب التجارية بين كبرى الاقتصادات، إضافة إلى صدمات سلاسل الإمدادات وطرق نقلها البحرية، وارتفاع معدل التضخم عالميا إلى أعلى مستوياته منذ 1982، وصولا إلى تشديد البنوك المركزية للسياسات النقدية حول العالم منذ نهاية الربع الأول من 2022 حتى تاريخه، كل ذلك انعكس بكثير من الآثار العكسية على النمو العالمي للاقتصادات والتجارة العالمية، قابلته مختلف الاقتصادات بمستويات مختلفة إلى حد بعيد، منها ما دخل في ركود حقيقي بالذات في منطقة اليورو، وأخرى بمعدلات محايدة، وقليل منها استقر في مناطق نمو إيجابية بمستويات محدودة، ولا تزال تلك التحديات وما قد ينتج عنها من أزمات على الاقتصادات والأسواق على مستوى العالم تحتفظ بقوتها المؤثرة، خاصة في منظور الفترة 2024-2026 حسبما أشارت إليه أحدث تقارير الهيئات والمنظمات الدولية إضافة إلى البنوك المركزية حول العالم.

كل هذا دفع ويدفع السياسات الاقتصادية محليا إلى ثباتها واستمرارها، التي أظهرت منهجيتها الحصيفة آثارا إيجابية على متانة الاقتصاد السعودي في وجه مختلف التحديات الخارجية، ومكنها في الوقت ذاته من إظهار مؤشرات نمو إيجابية على مستوى القطاعات غير النفطية، وهو الهدف الأبعد المنشود في ظل الأوضاع الراهنة غير المواتية التي يشهدها الاقتصاد العالمي، ومع زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي بالتزامن مع تصاعد الاستثمار المحلي، وزيادة الإنفاق الرأسمالي بهدف توسيع قاعدة الإنتاج المحلية، سيكون الاقتصاد السعودي قد قطع شوطا بالغ الأهمية خلال العامين المقبلين، بما سيمكنه من النمو بنحو 4.4% بنهاية العام الجاري، ثم النمو بنحو 5.7% و5.1% خلال 2025 و2026 على التوالي وفقا لأحدث تقديرات وزارة المالية.

إنشرها