بيتكوين .. من التأرجح إلى الاعتراف

من السابق لأوانه البدء في تخفيض أسعار الفائدة، هذا ما يقوله الفيدرالي الأمريكي، وهو يشير إلى أنه لا يزال بعيدا عن نسبة التضخم المستهدفة 2 % حيث سجل مؤشر التضخم 2.8 % مع ارتفاع الأسعار منذ بداية العام، ولكن الزيادة السنوية في مؤشر التضخم كانت الأقل خلال الثلاثة أعوام الماضية، وزاد الإنفاق الاستهلاكي بـ 3 في % ومن جانب آخر تباطأ نمو الاقتصاد إلى 3.2 % وفق بيانات الربع الرابع من 2023. أما في ألمانيا زعيمة الاقتصاد الأوروبي فمؤشر أسعار المستهلكين تباطأ إلى 2.7 % خلال فبراير 2024، اللافت في تحسن مؤشرات التضخم في بعض الاقتصاديات الأساسية دفع بأسعار العملات المشفرة نحو الارتفاع، وتشير البيانات إلى أن حجم سوق العملات المشفرة وصل إلى 2.2 تريليون دولار أي ما نسبته 2.1 % من إجمالي الناتج المحلي البالغ 104.4 تريليون دولار.
لعل الدلالات الضمنية التي يعكسها ارتفاع أسعار العملات بهذا الشكل أخيرا فوق 64 ألف دولار، أن أسعار الفائدة قد تتراجع قريبا، وإذا ما تراجعت فإن أسواق العملات المشفرة ستنتعش بشكل أفضل، لأن أسعار الفائدة المنخفضة تعد وقود نمو أسعار العملات المشفرة بسبب زيادة العرض النقدي. على أي حال، فإن العملات المشفرة فرضت نفسها في الواقع الاقتصادي الحالي رغم عدم وجود اعتراف رسمي صريح من الاقتصاديات المختلفة كعملة قانونية بالمفهوم الاقتصادي، ولعل أقرب تصنيف اقتصادي لها أنها أصول رقمية قابلة للتداول عالية المخاطر، ولا ينفي ذلك الوصف وجود تغيرات تجعلها مستقبلا عملة إذا ما توافرت فيها شروط العملات كمستودع للقيمة ووحدة قياس ووسيط للتبادل مع الاعتراف بها بين الاقتصاديات المختلفة.
لا نبالغ إذا ما قلنا أن العملات المشفرة وبشكل خاص "البيتكوين" التي تمتلك 53 % من إجمالي القيمة السوقية للعملات المشفرة قطعت شوطا في التموضع بشكل تدريجي ضمن أدوات النظام الاقتصادي الحالي رغم عدم الاعتراف بها كعملة كما ذكرنا، ولكن حركتها مع إعلان البيانات الأمريكية أو الأوروبية للتضخم وسعر الفائدة يجعلنا نتخيل أن العملات المشفرة تدخل تدريجيا ضمن المشهد المالي العالمي مستقبلا.
أخيرا: على مدى الـ16 عاما الماضية أي منذ ظهور عملة البيتكوين وهي تواصل فرض نفسها في واقعنا الاقتصادي وفي الأخبار الاقتصادية، واهتمامات المستثمرين رغم مخاطرها المرتفعة، ويمكننا اقتصاديا وصفها بأنها حالة من الصرع بين المركزية واللامركزية بين النظام النقدي الحالي والمستقبلي، وإلى حين الاعتراف بذلك أو حدوث توافقات بشأن العملات المشفرة بجميع أنواعها يتعين أن ألفت نظر القارئ بأن العملات المشفرة بوصفها الحالي عالية المخاطر تحتاج إلى رحلة طويلة من السياسات التنظيمية مع السلطات النقدية في الاقتصاديات الرئيسة قبل الاعتراف بها في النظام الاقتصادي سواء كأداة نقدية أو استثمارية أو شيء مختلف، وفي الوقت ذاته لا نستبعد اقتصاديا أن يتعرف عليها العالم مع التحولات الكبرى في الاقتصاد الرقمي والتقدم التكنولوجي والانقسامات بين المجموعات الاقتصادية الكبرى.        

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي