الإعلام.. التحول إلى العالم السيبراني

خطت "الاقتصادية"، بوصفها صحيفة متخصصة في محتوى اقتصادي ومالي في تقديم المعلومة المفيدة، وطرح الرأي الموضوعي عموما، خطوة إلى الأمام، نحو مزيد من التفاعل مع معطيات العصر. ودخلت بهذه الخطوة شاشات العالم السيبراني، هذه المرة بكامل معطياتها، بعيدا عن تراكم الأوراق، وأدوات الطباعة، ومشقة التنقل عبر الطرقات المزدحمة للوصول إلى محبيها. ولعل في ذلك مناسبة للحديث عن الإعلام وتفاعله، مع العصر الرقمي، عصر الإنترنت، والعالم السيبراني. الإعلام بالطبع مهنة، سلعتها المعرفة، وعملها البحث عنها، والقيام بنشرها على نطاق واسع. ولهذه المعرفة نوعان رئيسان حقائق من جهة، وأفكار من جهة أخرى. وليست سلعة المعرفة مادية ملموسة كالمأكل والملبس، بل هي سلعة معنوية غير ملموسة، لكنها محسوسة، تغذي عقل الإنسان بمعرفة الحقائق وتوجهات الآراء، لتؤثر بذلك في تفكيره، وكذلك في سلوكه. وليس لهذه المهنة أهداف اقتصادية فقط، كما هو الحال في كثير من المهن الأخرى، بل إن لها أهدافا اجتماعية، وثقافية، وسياسية، وربما دعائية أيضا. ولا شك أن أثرها يعتمد على صدقية ما تقدمه من حقائق، وموضوعية ما تطرحه من آراء، فضلا عن الأساليب المستخدمة في ذلك. وليس العمل في هذه المهنة سهلا، فهناك من يصف البحث عن الحقائق بالبحث عن المتاعب. وعلى ذلك فإن تقديم سلعة الإعلام المعنوية، يحتاج إلى دعم مادي، أو بالأحرى استثمار في السعي إلى تحقيق الأهداف المنشودة. "فهيئة الإذاعة البريطانية BBC"، على سبيل المثال، وهي هيئة إعلامية مستقلة تسعى إلى خدمة الوطن البريطاني محليا وعالميا، تحصل لقاء عملها الإعلامي، وبموافقة الحكومة البريطانية، على رسوم من تراخيص استخدامها داخل بريطانيا. وهناك مؤسسات أخرى تعتمد في ميزانياتها على التبرعات، أو دعايات الشركات، أو الاشتراكات، أو مزيجا منها، إضافة إلى مصادر أخرى أيضا. خضع الإعلام عبر الزمن لتطورات تقنية مختلفة كانت تغير بعض ملامحه، وتقدم له معطيات متجددة، تفتح أمامه فرصا غير مسبوقة. فإعلام لوحات الحائط تحول إلى الطباعة بعد ظهور آلة يوهان غوتنبرغ في القرن الخامس عشر للميلاد، حيث توسعت بذلك قدرته على الانتشار. ثم جاءت ثورة الاتصالات لتقدم الهاتف والإذاعة والتلفزيون، في النصف الأول من القرن العشرين. وبرزت بعد ذلك، "الإنترنت"، أي "شبكة الشبكات"، في العقد الأخير من القرن العشرين، لتمكن الجميع، حول العالم، من التواصل معلوماتيا دون عوائق. مثل "الإنترنت" بنية أساسية لما نطلق عليه اليوم العالم السيبراني، فقد بنى الإنسان عليه، في شتى أنحاء العالم، مواقع وخدمات معلوماتية، على نطاق واسع، وفي شتى مجالات الحياة الاقتصادية والإدارية، والمالية، والاجتماعية، والثقافية، والدعائية. ومن أبرز هذه المواقع والخدمات، خدمات القطاعين العام والخاص، إضافة إلى شبكات التواصل الاجتماعي التي بدأت في الأعوام الأولى من الألفية الثالثة. استوعب العالم السيبراني وسائل الإعلام المكتوبة منها، والمسموعة، والمرئية، في مواقع خاصة بها، وفي روابط عبر شبكات التواصل الاجتماعي. وأعطى ذلك مرونة لمستخدم هذه الوسائل يتلقى معطياتها عبر شاشات مختلف الأجهزة الرقمية، وفي أي وقت يناسبه. وفتح ذلك أيضا بابا لإعلام جديد بات يعرف بـ "بودكاست Podcast"، ومنه المسموع، وكذلك المرئي، فضلا عن أساليب أخرى متجددة شخصية ومؤسسية. بلغ عدد مستخدمي الإنترنت، وبالتالي العالم السيبراني، 2023،، نحو 67 % من سكان العالم، وتجاوزت هذه النسبة 90 % في الدولة المتقدمة، وكذلك في السعودية. وبلغ متوسط عدد الساعات التي يقضيها مستخدم الإنترنت يوميا متواصلا مع العالم السيبراني نحو "سبع ساعات"، وذلك في السعودية، وكل أمريكا، وبريطانيا، ويبدو أنه إلى ازدياد. إن تحدي تحول الإعلام إلى العالم السيبراني كبير. وتبقى معايير صدقية الحقائق وموضوعية الآراء معيارا مهما للنجاح.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي