لنتعلم كيف نحلم
حين ننام لا نتوقف عن التفكير كما كان يعتقد سابقا، بل يستمر دماغنا في العمل بطريقة أكثر فاعلية "لكونه لم يعد منشغلا بمشكلات اليقظة"، ويتفاعل مع المشكلات التي تؤرقنا "ونبحث عن إجاباتها" بطريقة بيوكيماويا تصنع أحلاما غنية بالأحاسيس والمشاعر والصور المرئية القوية...
ومن المعتقد أن معظم العباقرة والمبدعين مروا بهذه الحالة واكتشفوا خلالها أهم أعمالهم. فكما اكتشف نيوتن قانون الجاذبية "أثناء غفوته تحت الشجرة" اكتشف البيروني من خلال تجربة مماثلة محيط الأرض، وأرخميدس قانون الطفو، ومندليف الجدول الدوري، وفريدريش تركيبة البنزين، وكتب ابن سينا: "مهما أخذني أدنى نوم، كنت أرى المسائل بأعيانها في نومي، وتتضح لي في أحلامي".
وكانت الأديبة البريطانية شارلوت برونتي قد اعترفت في سيرتها الشخصية أنها في الأغلب ما كانت تستيقظ صباحا وقد وجدت حلولا لمشكلاتها في الكتابة، وأنها كانت تتعمد التركيز قبل نومها على أحداث القصة كي تتوسع بتفاصيلها أثناء الحلم. وأعتقد شخصيا أن الكاتب الإنجليزي روبرت ستيفنسون كان من أكثر الأدباء استغلالا لكوابيسه وأحلامه السريالية. فأمراضه الكثيرة حالت بينه وبين النوم العميق، فأصبحت أحلامه مليئة بالقصص الخصبة التي كان يسارع لكتابتها فور استيقاظه من النوم. وفي كتابه "عبر السهول" اعترف أنه تعلم بدء الحلم من النقطة التي انقطع فيها آخر مرة، وأنه حلم ذات مساء برجل ينقسم إلى شخصين "بفضل مسحوق سحري" الأول مسخ يطارده رجال الأمن "ويدعى هايد"، والثاني طبيب نبيل "ويدعى جاكل"، ومن هذا الحلم الغريب كتب قصته المشهورة الدكتور جاكل ومستر هايد!
أنا شخصيا تعلمت الاحتفاظ بنوتة صغيرة قرب سريري أسجل فيها الأفكار الغريبة التي تتداعى بنفسها أثناء الحلم. لم أعد أستعجل نهوضي أو شرب قهوتي لأن معظم أفكاري المكتوبة اكتشفتها خلال الفترة الفاصلة بين استيقاظي، وجلوسي على حافة السرير.. ما زلت أملك مسودة لقصة بوليسية، وسيناريو لفيلم أمريكي "شاهدتهما في أحلامي" وكتبتهما أثناء الفترة "نصف الواعية" التي تلي استيقاظنا من النوم.
أرجو ألا تتردد بدورك في تسجيل أحلامك المميزة والمهمة فور نهوضك من السرير "خصوصا أنك لا تحتاج إلى التفاصيل بقدر حاجتك إلى نواة الفكرة وبداية الخيط".. من الضروري أن تحتفظ قرب سريرك بورقة وقلم لأن الأحلام والأفكار التي تتشكل خلال أحلامنا "أو بعد استيقاظنا مباشرة" تتلاشي بسرعة وننسى معظم تفاصيلها بعد دقائق من وصولنا إلى مرحلة الوعي الكامل.
ولا أحتاج لإثبات ذلك.. لأنك حتما تلاحظ ذلك كل صباح.