"فريلانس" .. خطايا درامية وأخطاء إخراجية
لا ينجح دائما الاعتماد على شخصية معينة لإنجاح عمل سينمائي ما لم يترافق هذا الاختيار مع سيناريو جيد وإخراج قوي، ولعل هذا ما حصل في فيلم بطل المصارعة جون سينا، الذي ورغم قدراته القتالية الكبيرة لم ينجح في رسم الملامح المعروفة للجندي الأمريكي البطل الذي يذهب إلى الموت بعنفوان وثقة ويعود منه منتصرا.
"فريلانس" فيلم لم يلامس طموح الجمهور ولم يرتق إلى الصورة النمطية التي قدمتها هوليوود عن الجندي الأمريكي لعقود طويلة، وقاد تكرار الفكرة بوجه جديد في هذا المجال وهو سينا إلى إخفاق أفشل العمل من الناحية الجماهيرية ولم يتمكن من تحقيق الحد الأدنى من الربح المطلوب والإقبال على شباك التذاكر.. "فريلانس" محاولة فاشلة لإقحام اسم جون سينا بين أسماء الجنود الذين أثروا في السينما العالمية وتركوا بصماتهم من بوابة الرياضة البدنية. وبات واضحا أنه لا يمكن أن تشكل الحركة والفنون القتالية وحدها عنصرا أساسيا في إنجاح العمل، خاصة مع غياب الحبكة والقصة والإخراج السينمائي المطلوب، وهذا ما جعل النقاد يرفضون وضع جون سينا في مصاف من قدموا هذا النوع من الشخصيات من قبل، ولا سيما أرنولد وسيلفستر ستالون، وبقي الإقبال على حضوره منحصرا بالفئة التي أحبت بطولة جون سينا في المصارعة وتوقعاتها في رؤية بطل أمريكي يرسخ قاعدة الجندي الذي لا يقهر والبطل الذي يوظف قدراته القتالية في حماية من حوله بطريقة جريئة وغير اعتيادية، ويصبح بمفرده بمنزلة جيش يحارب الفساد والعصابات من أعداء أمريكا.
إخفاق جون سينا
تدور أحدث الفيلم حول ضابط عمليات خاصة متقاعد "ماسون بيتيس"، يسرح من الجيش ولا يستطيع التكييف مع واقعه الجديد، فالحياة بالنسبة إليه ليست حفلات شواء وأوقات فارغة لا تحقق له أي شيء من طموحه العسكري، ما يدفعه للبحث عن بطولة ويوافق على مضض على الفرصة التي يقدمها له أحد الأصدقاء "السيد روبوت" مقابل أجر كبير، ويتولى مسؤولية حماية وتأمين صحافية خلال قيامها بإجراء حوار صحافي مع زعيم وطاغية شهير، وخلال التحضير للمقابلة يقع انقلاب عسكري صادم، ضد رئيس البلد الخيالي الذي يدعى "باندونيا"، فتتحول مهمة سينا إلى حماية الصحافية والرئيس المخلوع، والفرار في البرية هربا من الثائرين في محاولة للنجاة.
رغم أن الفكرة ليست جديدة غير أن سينا لم ينجح في كسر جمود شخصيته أمام الكاميرا، صحيح أنه مصارع ذاع صيته في عالم المصارعة وحقق أرقاما عالمية، غير أن شخصية سينا لم تخدم شخصية "ميسون بيتيتس" في العمل، خاصة أنه أخفق في إيجاد حالة تفاعلية لهذه الشخصية يمكن أن تجذب المشاهد، وبدت ملامحه جامدة غير تفاعلية، إما غاضب وإما متألم، يحفظ النص لكنه لم يوفق في إيجاد حدود مختلفة للشخصية، حتى حين يعلم بأن الهدف من تكليفه بهذه المهمة هي اغتيال الرئيس "فينيغاس"، لم ينقل لنا إحساس الصدمة بانفعالاته، حافظ على صورة جامدة لم يخترقها إلا أداء مفتعل ونبرة عالية لصوت غاضب ليس إلا.
جرأة صحافية
من جهتها لم تقدم الممثلة أليسون بيري أي إضافة إلى شخصيتها التي تجسد فيها دور الصحافية الجريئة "كلير وينغلتون"، التي تجبر على الاستقالة من وظيفتها بعد اكتشافها أن مصادر مهمة في قصة نقلتها كانت كاذبة، وتبدأ البحث عن تعويض يعيد إليها الشغف الصحافي الذي ميز عملها، وتقرر إجراء مقابلة مع الدكتاتور الإفريقي "فينينغاس" الذي لا يحظى بشعبية واسعة، في دولة "بالدونيا" الخيالية، وتقرر الاستعانة بحارس شخصي يؤمن لها الحماية خلال رحلتها، إلى أن يحدث الانقلاب العسكري وتكون في سيارة الدكتاتور ما يضطرها للهروب معه برفقة سينا إلى الغابة والاحتماء من موت محتم، والبقاء على قيد الحياة بينما تطارد قوة متمردة "فينيغاس". لم يختبر الفيلم قدرات "أليسون بري" التمثيلية، وصنف ما قدمته على أنه كوميديا خفيفة لم تقدم أي إضافة إلى السينما أو إلى حياتها المهنية بصورة عامة، خاصة أن هكذا أدوار لها القدرة على مخاطبة قدرات الممثل من خلال انفعالاته ومواقفه من الأحداث وعنصر المفاجأة الذي يخرج قدراته التمثيلية من كبوتها ويقدمها بصورة مختلفة وجديدة وهذا ما لم تنجح بري في تحقيقه رغم أدائها المقنع إلى حد ما.
خطايا درامية
أكد النقاد وفي أكثر من مناسبة أن سيناريو فيلم "فريلانس" تعرض إلى كثير من اللصق والقص إذا صح التعبير، بحيث عدل السيناريو ليتناسب أكثر مع شخصية سينا ووضعته في إطار كوميدي متعمد، خاصة في مشاهد سخريته من الرئيس "فينيغاس"، التي سخفت المشهد نفسه أكثر مما قدمت مشاهد كوميدية للإضحاك أو التخفيف من حدة الدراما كما يحدث بالعادة. ورغم وجود اسم "جاكوب ليبنز" على لوحات الفيلم غير أنه بدا واضحا أن أيادي كثيرة عبثت بالسيناريو، وجعلته غير متجانس، وكأنه نوع من الاستسهال لم نعرفه سابقا في هذا النوع من الأفلام التي ترسخ صورة الجندي البطل الذي لا يخاف ولا يقهر. وأدت هذه الفوضى في اعتماد سيناريو مناسب إلى خطايا درامية لا تغتفر، حتى دور الصحافية لم يقدم صورة تتناسب مع شخصية صحافية متمردة تتجرأ وتتواصل مباشرة مع دكتاتور لإجراء مقابلة معه، وبدت شخصيتها سطحية إلى حد كبير تفتقر إلى مواصفات فتاة تتحدى الظروف وتسبر أغوار مهنة البحث عن المصاعب من أجل إثبات حضورها وتحقيق رسالتها السامية. بدت وكأنها تأتي من عالم مختلف لا تعرف شيئا عن وحشيته القاتلة، ساذجة تراود حارسها الشخصي رغم تلمسها وفاءه لزوجته التي طردته من منزلها، في أكثر من موقف، وهذا ما لا يتناسب مع شخصية صحافية جريئة تأخذ المعلومة من فم الأسد، محاولة الحصول على سبق صحافي لمدى الحياة في الغابات والبراري وتحت وابل الرصاص.
أخطاء إخراجية
فضلا عن المشكلات التي رافقت السيناريو وتطور شخصيات العمل، واجه فيلم "فريلانس" كثيرا من المشكلات على مستوى الإخراج، ما أفقده المصداقية، خاصة أن التصوير تم داخل استوديوهات مغلقة بخلفية خضراء وبعض من أوراق الشجر، وقد بدت مشاهد الغابة التي يهرب إليها أبطال الفيلم الثلاثة غريبة لا تشبه غيرها، وكأن الميزانية الكبيرة التي رصدت للعمل أنفقت على أجور الممثلين لا على العناصر الأخرى التي تشكل الرافعة التي تقود العمل إلى الإبهار والتميز.
لم ينجح المخرج في تقديم لغة بصرية موازية لتطورات الحبكة، خاصة في مشهد مطاردة الحارس والصحافية من قبل جنديين مسلحين بمدافع رشاشة وطائرة تطلق الرصاص في مناطق سهلية وعلى مدى خمس دقائق ولم ينجح هذا الوابل من الرصاص في إصابة أي منهما.
وكذلك الأمر في المشهد قبل الأخير، فان رصف الحشود داخل كادر محدد وبتقنيات المونتاج لم يمنح المشهد أي مصداقية يمكن أن يتفاعل معها المشاهد. لا يوجد شيء مثير في هذا الفيلم، لا رومانسية لا كوميديا ولا أكشن، وقد وصفه بعض النقاد بالممل ويفتقر إلى أكثر عناصر الجذب وهي المتعة.
الإيرادات
كما بات واضحا لم ينجح فيلم "فريلانس" في صناعة بطل أمريكي جديد، ولم يستعيد الصورة النمطية للجندي الأمريكي التي عرفتها السينما لعقود، ورغم أن تكلفة العمل الإنتاجية بلغت 40 مليون دولار غير أنه لم ينجح في تحقيق أكثر من ثمانية ملايين دولار كإيرادات محليا وعالميا، وحصل على نقد كبير حتى إن البعض وصفه بالنكتة وبأنه لا يجسد أي صورة حقيقة عن قوة وجسارة الجندي الأمريكي.