FINANCIAL TIMES

هدر الطعام .. هدر فرصة تجارية

هدر الطعام .. هدر فرصة تجارية

كوبنهاجن ليست فقط وجهة رئيسة لمحبي الطعام في العالم، حيث تضم 14 مطعما حائزا نجمة ميشلان. وهي مكان أيضا رئيس لمن يكرهون هدر الطعام.
قبل ثمانية أعوام، توصلت مجموعة من رواد الأعمال الشباب، الذين شعروا بالفزع إزاء حجم مخلفات الطعام في مطاعم البوفيه الكثيرة في المدينة، إلى فكرة ربط شركات الأغذية بالمستهلكين المهتمين بالبيئة، والمهتمين بالميزانية.
أصبحت الشركة الناشئة التي أسسوها، توو جوود تو جو، الآن واحدة من أكبر اللاعبين في سوق المواد الغذائية الفائضة. وبوجودها في 17 بلدا، و80 مليون مستخدم مسجل، وقاعدة راسخة في أوروبا، وضعت نصب أعينها الآن غزو الولايات المتحدة.
يربط تطبيق الشركة تجار التجزئة الذين لديهم أغذية غير مبيعة مع المستهلكين، الذين يطلبون ما يسمى "بحقائب المفاجآت" - وهي مجموعة متنوعة من العناصر المبيعة بسعر مخفض ليتم جمعها في وقت محدد. تأخذ شركة تي جي تي جي نسبة صغيرة، بينما يذهب الباقي إلى بائع التجزئة الشريك، الذي يجني الأموال من المنتجات التي قد ينتهي بها الأمر كخسارة، ويكسب إمكانية الوصول إلى عملاء جدد.
بينما لم تتغير المهمة الأصلية منذ تأسيسها، إلا أن مجموعة شركاء تي جي تي جي توسعت إلى ما هو أبعد من الشركات المستقلة الصغيرة لتشمل سلاسل المتاجر الكبرى مثل ألدي وموريسونز. وفي هذا السياق، تغلبت الشركة المملوكة للقطاع الخاص على مصاعب اقتصادية كبيرة، فضلا عن الاستقبال الفاتر في بعض الأحيان من خبراء السياسات الغذائية، الذين يحذرون من أن معالجة مشكلة هدر الطعام تتطلب التدخل في وقت مبكر في سلسلة التوريد.
ومع ذلك، تشير شركة تي جي تي جي إلى أنها تعمل على تسريع الاستثمار في الذكاء الاصطناعي ما سيسمح للشركاء بإدارة مستويات المخزون بشكل أكثر كفاءة. وتصر على أن ما هو مفيد لجيوب المستهلكين يمكن أن يعود بالفائدة على هذا الكوكب.
تقول صوفي ترومان، المديرة الإدارية لشركة تي جي تي جي في المملكة المتحدة وأيرلندا: "في عالم يعاني التشاؤم والكآبة بشأن تغير المناخ، نقدم حلا ممتعا لمشكلة عويصة. إذا حصل شخص ما على بعض الفرح والمفاجأة، وربما قام بتجربة متجر جديد، فهذا في نظري حل رائع".
وتوضح ترومان، وهي مديرة سابقة في مجموعة مستحضرات التجميل لوريال، أن هناك منطقا تجاريا قويا أيضا. وتؤكد: "إننا شركة هادفة إلى الربح تماما". لكن لا تقل أهمية مكانة تي جي تي جي بوصفها حاصلة على "بي كورب" - وهي شهادة شركة تعترف بالشركات ذات التأثير الاجتماعي.
وفق منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، يتم إهدار نحو ثلث كل الطعام حول العالم. لكن نحو 900 مليون شخص واجهوا انعدام الأمن الغذائي الحاد العام الماضي - أي أن مصيرهم كان الجوع. وتمثل المخلفات الغذائية أيضا نحو 6 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة، أي أكثر من صناعة الطيران.
إن تي جي تي جي ليست الشركة الوحيدة التي ترى فرصة تجارية في محاولة تقليل هدر الطعام. وفق مزود بيانات التكنولوجيا كرنش بيس، فقد جمعت الشركات الخاصة الملتزمة بالحد من هدر الطعام أكثر من 216 مليون جنيه استرليني على مستوى العالم عام 2022.
إحدى أكبر الشركات في هذا القطاع، التي تعتمد على تمويل الأسهم، أبيل سايينسز، وهي شركة تكنولوجيا حيوية في كاليفورنيا تصنع طلاءات ذات أساس نباتي لإطالة عمر الفواكه والخضراوات. ومثال آخر هو شركة ميسفيتس ماركت، ومقرها الولايات المتحدة أيضا، توصل فائض الإنتاج أو المخزون الزائد من المزارع وشركات الأغذية إلى المستهلكين.
لكن بعض الناشطين في مجال الغذاء يجادلون بأن شركات مخلفات الطعام، عبر الترويج من نظام غذائي معيب، لا تفعل ما يكفي لتحديه.
حيث تقول ريبيكا توبي، مديرة الأعمال والمستثمرين في فوود فاونديشين، وهي مؤسسة خيرية تعمل لإصلاح الممارسات التجارية المتعلقة بالأغذية: "هناك فوائد مجتمعية لنموذج العمل هذا، لكن إذا أمعنت في التفكير في الأمر، فهناك كثير يتعين على المطاعم وقطاع الضيافة الأوسع القيام به".
وتقول: "غالبا ما يتخلص الناس من الطعام بسبب عبارة "يفضل استخدامه قبل هذا التاريخ" عندما يكون لا يزال صالحا للأكل"، مضيفة أن مطالبة تجار التجزئة بالكشف عن مقدار ما يتم إهداره يمكن أن يكون له تأثير كبير. "عندما يتم وضع القواعد، نرى الشركات تعمل على وضعها موضع التنفيذ".
يقول برنامج ذا ويست أند ريسورسيز أكشن بروجرام (برنامج العمل بشأن النفايات والموارد)، أو وارب، اختصارا، وهو مجموعة حملات صديقة للبيئة، إن وضع الملصقات الأكثر وضوحا واتساقا هو نقطة بداية واضحة، إلى جانب أحجام العبوات والأشكال التي تناسب المنازل التي يشغلها فرد واحد.
وتقر شركة تي جي تي جي بأن هناك المزيد يمكنها القيام به. إذ تقول ترومان: "نعم، هناك تناقض، لكننا نعيد استثمار العوائد مرة أخرى في الأبحاث، مثل الأبحاث المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، ما يظهر أننا جادون".
لكن التقدم نحو تحقيق هدفها - "إلهام وتمكين الجميع من مكافحة هدر الطعام معا"، وفق تقرير التأثير الخاص بها لـ2022 - لم يكن سلسا. حيت شكلت جائحة فيروس كورونا اختبارا قاسيا للشركة، فقد أغلقت المتاجر الشريكة لها أبوابها أثناء عمليات الإغلاق.
تقول ترومان إن الشركة كانت قادرة على "التعافي سريعا"، "ويرجع ذلك جزئيا إلى مرونتها" - فليس هناك أي التزام بشأن كمية الطعام التي ينبغي لشركاء الطعام بيعها عبر التطبيق.
وكان المصدر الآخر لعدم الاستقرار الاقتصادي هو أزمة تكاليف المعيشة التي ضربت أوروبا في العامين الماضيين، نتيجة ارتفاع أسعار الوقود والغذاء. تقول ترومان: "لا يزال هناك قدر كبير من عدم اليقين"، مضيفة أن الشركة توفر "شبكة أمان لكثير من الشركات". وانعكس ارتفاع تكاليف المعيشة في زيادة طفيفة في الاشتراكات، حيث يبحث الناس عن صفقات الطعام.
كما أثرت القواعد التنظيمية في مسار نمو الشركة. فالاختلافات في القانون الوطني، على سبيل المثال، تساعد على تفسير السبب وراء كون فرنسا السوق الأسرع نموا للشركة، متقدمة على المملكة المتحدة.
فمنذ 2016، لم يسمح لتجار التجزئة الفرنسيين بإتلاف المواد الغذائية غير المرغوب فيها، بل أوجب عليهم التبرع بها للجمعيات الخيرية بدلا من ذلك - ما دفع الشركات إما إلى تقليل المخزون الزائد وإما إلى إيجاد مكان مربح له. وفي إنجلترا، على النقيض من ذلك، ألغت الحكومة في أغسطس الماضي اقتراحا كان من شأنه أن يطلب من الشركات الإبلاغ عن هدر الطعام - وهو القرار الذي تعارضه كل من شركة تي جي تي جي وبرنامج Wrap.
ومع ذلك، ترى شركة تي جي تي جي أن أكبر إمكانات النمو هي في الولايات المتحدة، حيث تم إطلاقها عام 2020. تقول ترومان: "إن حجم المخلفات هناك أكبر حتى منه في الاتحاد الأوروبي، إنها سوق غير مستغلة بالنسبة إلينا".
كما تعمل الشركة على مكافحة الهدر على جبهات أخرى. فقد أقنعت العلامات التجارية الكبرى للأغذية بتبني ملصقات لحث المستهلكين على عدم التخلص من الأطعمة التي تجاوزت تاريخ "يفضل استخدامه قبل هذا التاريخ" ببساطة. وفي نوفمبر الماضي، أعلنت الاستحواذ على كودا بيني، وهي شركة فرنسية ناشئة تساعد برمجياتها الشركات على إدارة مخزونها بشكل أفضل.
وتقول ترومان: "هناك حاجة إلى تحول كبير في كيفية التسوق واستهلاك الطعام، وهذا لن يحدث في أي وقت قريب". وفي هذه الأثناء تضيف: "علينا تقديم خيارات للشركات التي تواجه هذا التحدي".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES