مع ارتفاع الأسعار، أشار بعض الناس بأصابع الاتهام إلى الاستغلاليين. أثار ذلك نقاشا محتدما، الذي إلى جانب التضخم قد هدأ الآن لحسن الحظ. بالاستفادة من الوقت والبيانات، ما الذي تعلمناه عن "تضخم الجشع"؟
يحتج الذين يرفضون الاتهام بأن الجائحة والحرب في أوكرانيا والدعم الحكومي كافية إذا أردنا تبرير الزيادات في الأسعار. لسنا بحاجة إلى قصة عن محتكرين أشرار يحشدون سلطة، ثم يتلاعبون فجأة بالعملاء الغافلين. لكن من الهادف قليلا محاولة فهم ما كان يجادل به مؤيدو فكرة تضخم الجشع اليقظون، وهو ليس أن التفاوت بين الطلب والعرض لا يمت بصلة إلى التضخم، بل إن قوة الشركات أسهمت في ترسيخه.
مثلا، تشير إيزابيلا ويبر وإيفان واسنر من جامعة ماساتشوستس أمهيرست إلى أن اختناقات سلسلة التوريد تعوق المنافسة، وذلك بترك بعض الشركات عاجزة عن تلبية الطلب. تلك التي تستطيع فعل ذلك تحصل على دخل ثم ترفع الأسعار. وعندما يفهم الناس أن التضخم مرتفع عموما، فإنهم يبذلون جهدا أقل في تحري أرخص الأسعار. وهذا يعني أن الشركات تجد رفع الأسعار أسهل حينها.
حقق البحث عن أدلة تدعم هذه النظرية نجاحا متفاوتا. تظهر استقصاءات الحسابات القومية أن شيئا ما يحدث. قدر جوناثان هاسكل من بنك إنجلترا في مايو أن ارتفاع "تكاليف رأس المال لكل وحدة" أسهم بنحو ثلثي التضخم على مستوى الاقتصاد "وليس فقط في أسعار المستهلكين" خلال 2022 في المملكة المتحدة ومنطقة اليورو، ونحو الربع في الولايات المتحدة. لكنه نبه على أن تكاليف رأس المال هذه تشمل الأرباح الصافية وأكثر.
وجدت مذكرة من سبتمبر كتبها برناردينو بالازو من مجلس الاحتياطي الفيدرالي أن الأرباح الأمريكية كما تم قياسها في الحسابات القومية قد تعززت بسبب انخفاض تكاليف أسعار الفائدة أثناء الجائحة، إضافة إلى الدعم الحكومي للشركات. وهذا يشوش أي تحليل آخر لما إذا كانت القوة السوقية مهمة.
تختلف الأرباح في الحسابات القومية عن تلك الموصوفة للمستثمرين في حسابات الشركات. تدرس مذكرة جديدة من بنك إنجلترا الحسابات الموجودة في المملكة المتحدة ومنطقة اليورو وتجد أنه نعم، ارتفعت الأرباح كثيرا من حيث القيمة الاسمية. لكن حتى التكاليف. وهكذا خلصت إلى أنه باستثناء النفط والغاز والتعدين، كان سلوك الأرباح حتى 2022 طبيعيا جدا.
يمكن دفع الأرباح المحاسبية من خلال أشياء كثيرة. مقياس الشركات التي تضغط على المستهلكين، الذي يفضله الاقتصاديون عادة مختلف، ويعرف بأنه هامش الربح المفروض على التكلفة الهامشية. إذا كان التضخم مدفوعا بالشركات التي تمارس نفوذها في السوق، فقد يتوقع المرء أن يرى علاقة بين زيادات الأسعار وارتفاع هوامش الربح المضاف.
كانت هوامش الربح المضاف تتحرك في كل مكان. قدرت دراسة من بنك إيطاليا أنها كانت ثابتة في الصناعة والتصنيع في ألمانيا في 2022، لكنها ارتفعت في البناء والتجزئة والإقامة والنقل. في إيطاليا، عادت إلى مستويات ما قبل الجائحة بسرعة كبيرة. وخلص تقرير آخر من صندوق النقد الدولي الذي يدرس منطقة اليورو إلى أن "البيانات المحدودة المتاحة لا تشير إلى زيادة واسعة النطاق في هوامش الربح".
لم تجد ورقة بحثية أعدها كريستوفر كونلون من جامعة نيويورك وناثان ميلر وتسولمون أوتجون ويي ياو من جامعة جورج تاون أي علاقة بين هوامش الربح المضاف وزيادات الأسعار بين 2018 والربع الثالث من 2022 في الولايات المتحدة. وجدت دراسة مختلفة من الفيدرالي في كانساس سيتي أن هوامش الربح المضاف في الولايات المتحدة ارتفعت في 2021 لكنها انخفضت بعده خلال الربعين الأولين من 2022 على الرغم من ارتفاع التضخم. يبدو أن الشركات ترفع الأسعار تحسبا لارتفاع تكاليفها المستقبلية، ولا ترفعها استغلالا.
الرد على هذه التشكيلة المتنوعة من الارتباطات والاتجاهات هو أنها ليست في الحقيقة مقياسا لما إذا كانت القوة السوقية مهمة. إذا تمكنت الشركات من الدفاع عن هوامش ربحها في مواجهة ارتفاع التكاليف، فقد يظل ذلك علامة على أنها تمارس نفوذها. غياب الدليل ليس هو نفسه دليل انعدامه.
بذلت بعض الجهود المثيرة للاهتمام للتوصل إلى نتائج أكثر. تقارن ورقة عمل نشرت في أكتوبر بين الصناعات والدول داخل منطقة اليورو، ووجدت أن تلك التي تتمتع بقوة تسعير أكبر قبل الجائحة وتواجه طلبا مرتفعا وجدت أن رفع الأسعار خصوصا سهل وسط اضطراب سلسلة التوريد. كما وجدت هذه الشركات القوية أن رفع الأسعار أسهل حين ترتفع توقعات التضخم، حتى لو لم تواجه أي معوقات في العرض إطلاقا.
هذا النوع من النتائج يتحدث عن النسخة الأفضل "المملة" من قصة تضخم الجشع، وهي أنه في محاولة تعظيم الأرباح، أسهمت بعض الشركات في إشاعة صدمة في التكاليف عبر النظام. هذا أمر ليسترعي انتباهك، وليس لترفض الفكرة رفضا قاطعا.

لجشع الشركات يد في التضخم .. أين الدليل؟

أضف تعليق