FINANCIAL TIMES

سرعة البيانات وعلماء يحللونها .. سر النجاح الصحي

سرعة البيانات وعلماء يحللونها .. سر النجاح الصحي

كان راسموس بيك هانسن يقدم استشارات لشركات علوم الحياة عندما أصيبت والدته بالسرطان. أراد أن يعرف مزيدا عن الأدوية المتاحة وأين كانت تتم التجارب السريرية، ولكن على الرغم من تخصصه في الصناعة، إلا أنه فوجئ بمدى صعوبة العثور على البيانات التي يحتاجها.
لذلك، في 2015، قرر إنشاء خدمة من شأنها إلغاء الأقسام والإدارات هي التي لا تتواصل ولا تتشارك المعلومات فيما بينها وتزويد الشركات والحكومات بالمعلومات التي تحتاجها.
ويوضح رائد الأعمال الدنماركي: "اعتقدت أن هناك شيئا ذا معنى لأقضي بقية حياتي من أجله، كما أملت".
قام بتأسيس شركة ايرفينيتي - وبعد ثمانية أعوام، تم اختيارها كشركة فائزة في فئة الرعاية الصحية في استطلاع صحيفة "فاينانشيال تايمز" لأبطال التكنولوجيا لعام 2023.
هدف ايرفينيتي هو أخذ التحليلات والنماذج الأكثر شيوعا التي تعتمدها شركات التأمين وصناديق التحوط واستخدامها لتتبع مجموعة واسعة من البيانات حول أنماط الأمراض وصناعة الأدوية.
وقد نظرت الدراسات الأخيرة التي أجرتها في التقدم المحتمل لفيروس كوفيد والإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي (آر إس في) - ما يسمى "الوباء الثلاثي" - هذا الشتاء، وكيف سيؤثر تغير المناخ في انتشار حمى الضنك. وكلاهما يوفر معلومات قيمة لصانعي السياسات عند تحديد أولويات الأنظمة الصحية المجهدة.
بدأت الشركة الناشئة، ومقرها لندن، بتجميع حزم كبيرة من البيانات غير المنظمة والتي يتم تقديمها في المؤتمرات الطبية. لكن لحظة الاختراق جاءت عندما ضربت جائحة كوفيد- 19. ونظرا إلى أن الشركة كان لديها 20 شخصا فقط، فقد وجدت أنه من الأسهل التركيز على تتبع الفيروس وعواقبه مقارنة بمنافساتها الأكبر منها. وفي حالة الأمراض الأخرى، كان لدى مزودي البيانات الأكبر حجما ميزة لأن لديهم بيانات تاريخية، ولكن لم تكن لديهم ميزة عند التعامل مع هذا العامل المرضي الجديد.
يقول السير جون بيل، أستاذ الطب في جامعة أكسفورد، الذي شارك في استجابة المملكة المتحدة للجائحة، إن بيانات ايرفينيتي كانت "على الأرجح الأكثر شمولا ودقة وفائدة من بين مجموعات البيانات المتعددة على نطاق دولي".
إضافة إلى تتبع كيفية انتشار كوفيد- 19 حول العالم، قامت ايرفينيتي بتجميع بيانات حول مئات برامج اللقاحات، ورصدت الاختناقات في سلاسل التوريد المعقدة.
وحسبما ذكرت الشركة في مقابلة أن الحكومات والشركات والمنظمات غير الربحية، الحريصة على الحصول على مزيد من المعلومات حول الفيروس الذي عمل على إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي، اشترت الاشتراكات، وهو ما عزز إيرادات شركة ايرفينيتي بنسبة 16 ألف في المائة بين 2019 و2022.
وقد استخدمت شركة أسترازينيكا للأدوية بيانات ايرفينيتي لتقدير تأثير كل من لقاح كوفيد- 19 الذي طورته مع جامعة أكسفورد، والجسم المضاد وحيد النسيلة المسمى إيفوشيلد، المستخدم لحماية الأشخاص المعرضين لخطر كبير للإصابة بأعراض كوفيد الشديدة. ووفقا لحسابات شركة ايرفينيتي، تم إنقاذ حياة أكثر من ستة ملايين شخص خلال العام الأول من استخدام اللقاح.
وتقول إيسكرا ريك، نائبة الرئيس التنفيذي لشركة أسترا زينيكا، إن شركة ايرفينيتي كانت مختلفة عن منافساتها لأنها جمعت بين "سرعة البيانات في الوقت الفعلي" وبين مجموعة من العلماء الذين يمكنهم تحليلها.
وتقول: "لقد كان ذلك قيما للغاية في توفير التحقق المستقل من التأثير الإيجابي للقاح والأدوية وحيدة النسيلة في الصحة العامة وزيادة الوعي بالحاجة إلى حماية الأفراد المعرضين للخطر من عبء الأمراض المعدية".
خلال الجائحة، كان من بين العملاء أيضا صناع القرار من خارج صناعة الأدوية.
كان المستثمرون من بين الذين أبدوا اهتماما وثيقا، على سبيل المثال، عندما توقعت شركة ايرفينيتي أن لقاح بايو إن تيك/فايزر لكوفيد- 19 كان في طريقه لتحقيق هدفه المتمثل في فاعلية تبلغ نسبتها 60 في المائة قبل أكثر من أسبوعين من إعلان الشركة عن نتائجها في نوفمبر 2020. وقامت ايرفينيتي بمراقبة معدلات الحالات حول مواقع التجارب السريرية لتقدير مدى السرعة التي من المحتمل أن تصل بها التجارب إلى عدد حالات العدوى التي سيتم إلغاؤها عندها. وكلما طالت مدة التجربة، كان من المرجح أن يصبح اللقاح أكثر فاعلية.
وعندما بدأت الصين، أخيرا، في فتح اقتصادها مطلع 2022، لجأت الشركات التي تحاول اتخاذ قرارات بشأن وجودها في البلد إلى شركة ايرفينيتي لكي تتنبأ لها بتأثير نهاية "صفر كوفيد".
لكن توقعات ايرفينيتي لم تكن منزهة عن الخطأ. حيث يقول بيك هانسن إن بعض أكبر الأخطاء جاءت عند تقدير مدى أخذ لقاحات وعلاجات واختبارات كوفيد- 19 مع تراجع الجائحة. ويقول: "لقد فوجئنا بالسلوك البشري بشكل أساس، بأن الناس توقفوا عن الرغبة في أخذ اللقاح".
ينتقد أحد علماء الأوبئة تلك التوقعات لكونها جازمة بشكل مفرط: لأنها تعطي رقما واحدا لحجم وتوقيت الإنفلونزا وذروة كوفيد قبل عدة أشهر، على سبيل المثال، وإظهار القليل من عدم اليقين أو المحاذير حول المنهجية.
ويقول أيضا إنه يود أن يرى الشركة تقدم توقعاتها إلى مراكز التنبؤ، التي تشجع التعاون بين فرق التنبؤ وتحاول أن تظهر للجمهور نطاق النتائج المستقبلية المحتملة.
وردا على ذلك، تقول شركة ايرفينيتي إنها "شفافة للغاية" فيما يتعلق بكيفية الحصول على البيانات وافتراضاتها ومنهجيتها. وتقول: "هذا النهج يعني أنه، حتى عندما نكون مخطئين، يمكننا استخلاص رؤى حول ديناميكيات المرض التي هي في حد ذاتها مفيدة للعملاء وعامة الجمهور". لكنها تضيف أن التحليلات المصممة للتوزيع على الصحافة تم استخلاصها في "أبسط أشكالها" لجعل فهمها أسهل.
والآن بعد أن انتهت الجائحة، يواجه موظفو ايرفينيتي - الذين يبلغ عددهم حاليا نحو 120 شخصا - تحديات جديدة، بدءا من تتبع تهديد الأمراض المعدية الأخرى إلى فحص تأثير الجيل الجديد من أدوية إنقاص الوزن.
وبينما يحاول صانعو الأدوية إقناع أنظمة الرعاية الصحية بدفع تكاليف العلاجات من خلال الترويج للمبلغ الذي سيوفرونه على المدى الطويل، تساعد ايرفينيتي أيضا على تحديد تكاليف تطوير الأدوية. على سبيل المثال، أشارت حساباتها أخيرا إلى أن تكلفة عقار ويجوفي، وهو عقار من شركة نوفو نورديسك، قد تبلغ 1.1 مليون دولار، لمنع نوبة قلبية واحدة، أو سكتة دماغية، أو الوفاة بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية. ولم تعلق نوفو نورديسك على ذلك.
حتى إن شركة ايرفينيتي تمكنت من تطبيق الدروس المأخوذة من الجائحة لمعالجة الأزمات الصحية الأخرى. ويقول بيك هانسن إن السمنة تثير بعض الأسئلة نفسها التي عالجتها شركته مع كوفيد: "مثل، كيف سيكون أداء هذه السوق؟ ما هو الطلب الحقيقي؟ ما هو تأثير كل هذه الأدوية في الأمراض الأخرى؟".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES