FINANCIAL TIMES

مراجحة سندات الخزانة الأمريكية .. من متواضعة إلى عملاقة

مراجحة سندات الخزانة الأمريكية .. من متواضعة إلى عملاقة

بعض الأشياء الغريبة محظورة في الولايات المتحدة. من غير القانوني إحضار الثعابين الحية إلى مهرجان ماردي جرا في لويزيانا... لكن لا يوجد قانون حتى الآن يحظر "الإضرار بتداول الأساس بشكل متهور". هذا هو الجرم الوحيد الذي تخيله كين جريفين، الرئيس التنفيذي لمجموعة صناديق التحوط سيتاديل، في مقابلة أجرتها معه "فاينانشال تايمز" أخيرا.
تداول الأساس هو مراجحة بين سعر سندات الخزانة والعقود الآجلة عليها. تشعر الهيئات الرقابية بالخوف من أن صناديق التحوط تقوم بتداول الأساس بكثافة لدرجة قد تزعزع استقرار الأسواق التي تساعد على تحديد تكلفة الدين العام الأمريكي.
ونتيجة لذلك، تحقق خطة هيئة الأوراق المالية والبورصات تقدما، المتمثلة في تسجيل صناديق التحوط بوصفها تاجرة في سندات الخزانة. وهذا من شأنه أن يعد إضرارا متهورا من وجهة نظر جريفين. إذ يعتقد أن التدقيق الصارم على البنوك حل أفضل. فلا يمكنك إلقاء اللوم على شخص ما لأنه يروج لما يتوافق مع مصالحه. ولكن من المعقول التدقيق في متداولي الأساس وكذلك البنوك التي تخدمهم عبر أذرع الوساطة الرئيسة التابعة لها. لقد أصبحت المراجحة المتواضعة عملاقة.
ربما يمثل تداول الأساس الآن الجزء الأكبر من عمليات البيع على المكشوف القياسية لعقود سندات الخزانة الآجلة. بلغ البيع على المكشوف في آجال الاستحقاق الرئيسة لأجل عامين وخمسة وعشرة أعوام نحو 660 مليار دولار من القيمة الاسمية الأساسية الأسبوع ما قبل الماضي، وفق بيانات من لجنة تداول السلع الآجلة.
كل ذلك بفضل العلاوة الصغيرة، أو "الأساس"، الذي يتم على أساسه تداول العقود الآجلة أعلى من الورقة المالية الأساسية. يضعف ذلك ويختفي أخيرا عند انتهاء العقد الآجل. ويمكن لصناديق التحوط أن تحدث تحولا عن طريق بيع العقود الآجلة على المكشوف وشراء السندات الأساسية.
قد يساوي هذا أجزاء صغيرة من النقاط المئوية، وفقا لينس فوهرينباخ من مجموعة مان، وهي مجموعة صناديق التحوط مقرها المملكة المتحدة. للحصول على عوائد أكبر، يتم اللجوء إلى الرفع المالي. إذ يتعامل متداولو الأساس في العقود الآجلة عبر إضافة قدر صغير من الهامش وقد يقترضون 100 في المائة من تكلفتها لشراء سندات الخزانة.
يوصف تداول الأساس أحيانا بأنه "خال من المخاطر". وهذا ليس صحيحا تماما. فقد يتعرض المتداولون لتقلبات أسعار الفائدة على المدى القصير. كما أنهم يتحملون مخاطر طلبات تغطية الهامش إذا ارتفعت أسعار العقود الآجلة. ومكمن الخوف هنا هو أنه إذا ساءت صفقات الأساس، فإن صناديق التحوط ستتخلص من سندات الخزانة على نطاق واسع.
إن مدى الضرر الذي قد يحدثه ذلك على مستوى النظام يعد نقطة خلاف. صحيح أن 660 مليار دولار من مراكز البيع على المكشوف تبدو كبيرة. لكن قيمة سندات الخزانة المستحقة تبلغ نحو 26 تريليون دولار.
هناك حجج على كلا الجانبين حول ما إذا كانت عمليات التفكيك غير المنظمة قد أدت إلى تفاقم التذبذبات بشكل خطير في سوق سندات الخزانة في مارس 2020. ومن المؤكد أن بعض متداولي الأساس تكبدوا خسائر مالية كبيرة في ذلك الوقت. ولكن كما يشير فوهرينباخ بسخرية: "لقد توقف الاقتصاد العالمي عن العمل في ذلك الوقت تقريبا". ويضيف: "تداولات الأساس زادت من التقلبات. لكنها لم تعطل النظام".
ينبغي للجهات التنظيمية أن تفكر في الحد من الإقراض المصرفي، كما يقترح جريفين. لكن ينبغي لها أيضا أن تراقب من كثب صناديق التحوط الكبيرة مثل سيتاديل. وهنا تتركز مخاطر تداول الأساس. فإذا تحول ليصبح ضارا، فإن التقلبات في سندات الخزانة ستشكل تهديدا أكبر على الاستقرار المالي من خطر التخلف عن سداد الديون على البنوك. فهي، في معظمها، لديها رأس مال كاف.
من الأرجح أن يسدد دافعو الضرائب فاتورة التدخل لتحقيق الاستقرار في سندات الخزانة بدلا من فاتورة عمليات إنقاذ المقرضين.
في 2015، وضعت قاعدة فولكر حدا للتداول الذي تقوم به البنوك الاستثمارية الأمريكية لحسابها الخاص باستخدام أموالها. وتوسعت صناديق التحوط الموجهة نحو التداول وفقا لذلك. يقدم الوسطاء الرئيسون الائتمان والاستراتيجيات الموحدة والعمال الذين يتنقلون بين الوظائف. ولا يزال التداول بأموالها يشكل منعطفا بالنسبة إلى بنوك وول ستريت، وإن كان ذلك في دخل الفوائد والخدمات للوساطة المالية الرئيسة بدلا من المكاسب الرأسمالية.
مع ذلك، من غير المنطقي تنظيم صناديق التحوط الكبيرة بوصفها تاجرة. فهذا ليس ما تفعله، بغض النظر عن مدى المرارة في توسيعها كلمة "مستثمر". علاوة على ذلك، هناك حد لحجم صفة التاجر الذي تنتبه له كثير من صناديق التحوط لتجنب الانتهاكات. ومن شأن ذلك أن يشوه سلوك السوق.
لا تعد التحوطات، كنوع، مدفوعة بقوة بالمهمة الاجتماعية. لكن تداول الأساس له بعض الفائدة في منع تداول العقود الآجلة لسندات الخزانة بشكل كبير خارج نطاق السندات الأساسية. والفجوة الكبيرة تعني ضمنا ارتفاع تكاليف الديون الأمريكية الجديدة.
إن التحدي الحقيقي الذي يواجه الهيئات الرقابية كهيئة الأوراق المالية والبورصة هو فهم علاقة صناديق التحوط والوسطاء الرئيسين التكافلية. وفيما بينها، فإنها تقوم بمراجحة المخاطر التنظيمية بمهارة مثل فروق الأسعار في سندات الخزانة. ينبغي ألا يكون هذا ممنوعا كما هو الحال مع حظر إحضار الثعابين إلى ماردي جرا. ولكن من المؤكد أنه ينبغي التحقيق فيه من كثب.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES