FINANCIAL TIMES

كيف نوصد صندوق شرور الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر؟

كيف نوصد صندوق شرور الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر؟

هل ينبغي أن تكون أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي الهائلة مفتوحة أم مغلقة؟ بدأ هذا السؤال يظهر سريعا كأحد أهم الانقسامات التكنولوجية والأيديولوجية بشكل متزايد في عصرنا. ستؤثر الكيفية التي يتطور بها هذا النقاش في إنتاجية اقتصاداتنا، واستقرار مجتمعاتنا، وثروات بعض أغنى الشركات في العالم.
يقول مؤيدو النماذج مفتوحة المصدر، مثل لاما 2 من شركة ميتا أو نموذج بلوم من شركة هاجينج فيس، التي تمكن المستخدمين من تخصيص برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي الهائلة بأنفسهم، يقولون إنها توسع استخدام التكنولوجيا، وتحفز الابتكار، وتحسن الموثوقية بتشجيع التدقيق الخارجي. وعلاوة على كونها أرخص بكثير في التطوير والنشر، تبث النماذج المفتوحة الأصغر المنافسة في مجال تهيمن عليه الشركات الأمريكية الكبرى مثل "جوجل" و"مايكروسوفت" و"أوبن أيه آي". استثمرت هذه الشركات المليارات في تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي توليدية ضخمة ومغلقة، وتديرها بعناية.
لكن منتقدين يجادلون بأن النماذج المفتوحة تخاطر برفع الغطاء عن صندوق باندورا المليء بالشرور (في الأساطير اليونانية) والمشكلات. يمكن للجهات السيئة استغلالها لنشر معلومات مضللة مخصصة على نطاق عالمي، وقد يستخدمها إرهابيون لتصنيع أسلحة سيبرانية أو بيولوجية. حذر جيفري هينتون، أحد رواد الذكاء الاصطناعي الحديث، قائلا، "خطر المصادر المفتوحة يكمن في أنه يمكن مجانين أكثر من فعل أشياء مجنونة".
إن تاريخ شركة أوبن أيه آي، التي طورت روبوت الدردشة شات جي بي تي الشهير، تعليمي في حد ذاته. فكما يوحي اسمها، أسست شركة الأبحاث في 2015 مع التزام بتطوير التكنولوجيا بشكل مفتوح قدر الإمكان. لكنها تخلت في وقت لاحق عن هذا النهج لأسباب تتعلق بالتنافسية والسلامة. قال إيليا سوتسكيفر، كبير العلماء في "أوبن أيه آي"، لموقع ذا فيرج الإخباري: "بصراحة، كنا مخطئين".
قال إنه بمجرد أن أدركت "أوبن أيه آي" أن نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي التي طورتها ستكون "قوية بشكل لا يصدق"، لم يكن إطلاقها بمصدر مفتوح منطقيا. "أتوقع بشكل تام أنه في غضون أعوام قليلة، سيكون من الواضح تماما للجميع أن إطلاق الذكاء الاصطناعي بمصدر مفتوح ليس أمرا حكيما فحسب".
رد مؤيدو النماذج المفتوحة بالسخرية من فكرة أن نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي المفتوح تمكن الناس من الوصول إلى معلومات لا يمكنهم العثور عليها بطريقة أخرى من الإنترنت أو من عالم متمرد. كما أبرزوا مصالح شركات التكنولوجيا الكبرى التنافسية في إثارة جلبة حول مخاطر النماذج المفتوحة. ويشير المنتقدون إلى أن النية الشريرة لهذه الشركات هي التأثير في الجهات التنظيمية، وفرض تكاليف امتثال أعلى على من يعصيها، وبذلك ترسخ هيمنتها في السوق.
لكن هناك بعدا فكريا لهذا النقاش أيضا. يان ليكون، رئيس علماء "ميتا"، التي خالفت عمالقة وادي السيليكون الآخرين بتأييدها النماذج المفتوحة، شبه حجج الشركات المنافسة للسيطرة على التكنولوجيا بالظلامية في العصور الوسطى، الاعتقاد بأن كهنة خبراء مختارين أنفسهم هم فقط من يتصفون بالحكمة الكافية لفهم المعرفة.
وأخبرني أخيرا أن جميع تفاعلاتنا مع المستودع الرقمي الضخم للمعرفة البشرية ستتم في المستقبل عبر أنظمة الذكاء الاصطناعي. لا نريد أن تتحكم حفنة من شركات وادي السيليكون في عملية وصولنا إلى تلك الأنظمة. فكما ازدهر الإنترنت بفضل مقاومة محاولات تقييده، سيزدهر الذكاء الاصطناعي ببقائه مفتوحا، كما يقول لوكون، "طالما أن الحكومات حول العالم لا تحظر فكرة الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر برمتها".
تشير المناقشات الأخيرة التي جرت في قمة بليتشلي بارك لسلامة الذكاء الاصطناعي إلى أن بعض صانعي السياسات على الأقل ربما يتحركون الآن في هذا الاتجاه. لكن خبراء آخرين يقترحون تدخلات خفيفة أكثر ستحسن السلامة دون القضاء على المنافسة.
تقول ويندي هول، أستاذة علوم الحاسب في جامعة ساوثامبتون وعضو في الهيئة الاستشارية للذكاء الاصطناعي التابعة للأمم المتحدة، إننا لا نريد العيش في عالم حيث الشركات الكبرى فقط هي التي تدير الذكاء الاصطناعي التوليدي. ولا نريد السماح للمستخدمين بفعل ما يحلو لهم باستخدام النماذج المفتوحة. تقترح: "علينا أن نجد حلا وسطا".
إن حلها المفضل، الذي يكتسب مزيدا من الاهتمام في أماكن أخرى، هو تنظيم نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي بطريقة مشابهة لصناعة السيارات. تفرض الجهات التنظيمية معايير سلامة صارمة على شركات تصنيع السيارات قبل إطلاق طرز جديدة. لكنها تفرض أيضا مسؤوليات على السائقين وتحاسبهم على أفعالهم. تقول هول: "إذا فعلت شيئا ما باستخدام مصدر مفتوح، شيئا غير مسؤول ويسبب ضررا، فينبغي أن تذهب إلى السجن - تماما كما لو قتلت شخصا أثناء قيادة السيارة".
علينا فعلا أن نقاوم طغيان كلا النموذجين عند التفكير في نماذج الذكاء الاصطناعي. فكلا النموذجين، بالمصدر المفتوح والمغلق، لهما مزاياهما وعيوبهما. ومع تطور قدرات هذه النماذج، سيتعين علينا باستمرار تعديل الموازين بين المنافسة والسيطرة.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES