لعدة أشهر، كانت الشائعات تدور حول الوضع المالي لشركة العقارات النمساوية العملاقة سيجنا. لذا قام مؤسسها رينيه بينكو بأحد الأشياء التي كان يتقنها على أفضل وجه: لقد أقام حفلة.
انطلقت الحفلة تحت أضواء عيد الميلاد في فندق إنترالبن الفاخر للغاية في تيلفس، التي تقع أعلى مدينة إنسبروك، عاصمة تيرول في غرب النمسا حيث يقع مقر شركة سيجنا، ومسقط رأس الملياردير. كانت فرقة بوني إم، إحدى نجوم الديسكو المشهورة المعروفة بأغانيها الناجحة في السبعينيات مثل راسبوتين ودادي كول، تمتع الموظفين. وألقى بينكو المقدام خطابا أمام الحضور.
قال الحاضرون: إن رائد الأعمال سعى لإظهار صورة قوية وعدت بمستقبل أكثر ربحا مما قدمه الماضي لإمبراطوريته العقارية المترامية الأطراف. لكن الشائعات وصلت في نهاية الأمر إلى بينكو، وهو رجل أعمال يتمتع بشخصية كاريزمية حقق أول مليار له قبل سن الـ40.
والأربعاء، بعد مرور ما يقرب من عام على تلك الحفلة، أعلنت شركة سيغنا، وهي واحدة من أبرز شركات تطوير العقارات الفاخرة في أوروبا بأصول تصل قيمتها إلى 27 مليار دولار، أنها ستقوم بإعادة هيكلة عاجلة. وفي أثناء هذه العملية، أجبر بينكو على الخروج من قاعة الاجتماعات من قبل مستثمريه المشاركين من الأقلية.
سيجنا ليست اسما مألوفا، لكن عديدا من أصولها معروفة : مبنى كرايسلر في نيويورك، ومتجر سيلفريدجز متعدد الأقسام في لندن، ومبنى كا دي في الذي يعادله في برلين، وعدد لا يحصى من المشاريع التطويرية الأخرى ذات القيمة العالية في بعض أغلى العقارات الحضرية في العالم.
ما زال حجم ديون سيجنا غير واضح. وتصل إلى المليارات، وفقا لشخصين مطلعين على الميزانية العمومية للشركة.
وبحسب إحدى وثائق سيجنا التي اطلعت عليها صحيفة فاينانشيال تايمز، كان من المقرر أن تسدد شركة سيجنا القابضة - التي تعد المحور المركزي لشبكة الشركات - مبلغ 1.3 مليار يورو من القروض هذا العام وحده.
هيكل ملكية الشركة معقد: فعديد من ديون شركة سيجنا، بما فيها مئات الملايين التي أقرضتها البنوك الأوروبية، على نطاق أثار قلق البنك المركزي الأوروبي، مضمونة مباشرة بالعقارات الفردية، وفقا لاثنين من مقرضي شركة سيجنا. لكن بعض الديون الأخرى ليست كذلك.
لا تزال مؤسسة بينكو المالك الأكبر من خلال شبكة من الصناديق الائتمانية والشركات القابضة في النمسا وليختنشتاين وفي الخارج. لكن أصبح من الواضح في الأشهر الأخيرة، مع تزايد الحاجة الماسة إلى جمع أموال جديدة، أن بعض المستثمرين المشاركين مع سيجنا أصبحوا غير راضين عن الطريقة التي كان يدير بها الأعمال.
لكون مستثمري سيجنا يشملون بعضا من أغنى العائلات في أوروبا شهادة على مهارات بينكو كبائع ومختص بإقامة الشبكات - وعلى الأعوام التي كانت فيها المجموعة آلة لا تقاوم لكسب المال.
ويذكر كتاب المساهمين أبرز الشخصيات والعائلات في الرأسمالية الأوروبية: ومن بينهم عائلة بيجو الفرنسية؛ وعائلة راوسينجز المالكة لشركة تيترا باك، وقطب الخدمات اللوجستية كلاوس مايكل كوهني؛ ورولاند بيرجر، مؤسس شركة الاستشارات الإدارية الدولية التي تحمل اسمه، وإيرنست تانر رئيس مجموعة الشوكولاتة السويسرية لينت آند سبرينجلي، ورجل الصناعة النمساوي هانز بيتر هاسلشتاينر؛ وقطب طعام الحيوانات الأليفة تورستن تولير. حتى ورثة أسطورة سباقات الفورمولا 1 النمساوية نيكي لاودا يمتلكون أسهما فيها.
والرجل الذي تم إحضاره للتوسط بين احتياجاتهم، والاحتفاظ بحقوق التصويت لبينكو في الوقت الحالي، بينما يحاول دعم الموارد المالية لشركة سيجنا، هو خبير إعادة الهيكلة الألماني أرندت جايفيتز. وكان آخر مشروع كبير له هو المساعدة على إعادة هيكلة وإنقاذ شركة لوفتهانزا في عام 2020.
وقال جايفيتز في بيان صدر أخيرا: "الهدف إيجاد حلول طويلة الأجل، ولهذا السبب تقضي المسؤولية والضرورة البدء في عملية توحيد شاملة للشركة الآن". وأعلن جايفيتز (54 عاما) أخيرا، تعيين رالف شميتز "رئيسا لإعادة الهيكلة" للمجموعة.
وأضاف جايفيتز: "يجب وضع خطة للخطوات الرئيسة لإعادة الهيكلة بحلول نهاية نوفمبر الحالي، وتقديمها إلى المساهمين. يجب وضع جميع مجالات مجموعة سيجنا على المحك".
ورفضت شركة سيجنا التعليق. كما لم يتسن الوصول إلى بينكو للتعليق.
وأوضح جايفيتز أنه يعتقد أن نوعية الأصول الأساسية لشركة سيجنا كانت سليمة، لكنه قد لا يتجنب الألم المالي، إذ يتعين على المسؤول التنفيذي إما جمع أموال جديدة وإما بيع أصول في سوق العقارات التجارية المتوترة بفعل ارتفاع أسعار الفائدة وعدم تناقص الشغورات المكتبية الشاغرة.
وكذلك هناك مشكلة المشاريع الكبيرة غير المكتملة مثل مشروع إلبتاور في هامبورج - الذي افتتحه مستشار ألمانيا الحالي أولاف شولتز عندما كان لا يزال عمدة المدينة - وتطوير متجر لامار الفاخر متعدد الأقسام في فيينا، وكلاهما تم إطلاقهما قبل الانكماش العقاري.
ومع ذلك، فإن المسألة الأكثر إلحاحا بالنسبة إلى جايفيتز يمكن أن تكون سندات خاصة بقيمة 200 مليون يورو صادرة عن شركة سيجنا من المقرر سدادها في نهاية الشهر الحالي.
تتسابق الهيئات التنظيمية المالية لتحديد مدى الضرر المالي المحتمل ومن سيتضرر بذلك، حيث بدأ البنك المركزي الأوروبي في العام الماضي بمطالبة البنوك الأوروبية بالإبلاغ عن انكشافاتها على شركة سيجنا، ومنذ ذلك الحين كثف مراقبته، وفقا لمسؤولي مؤسسة فرانكفورت. وفي أغسطس الماضي، طلب البنك المركزي الأوروبي من المقرضين البدء في وضع مخصصات للخسائر المحتملة جانبا.
البنوك النمساوية منكشفة بشكل خاص، وعلى رأسها بنك رايفايزن، أكبر بنك في البلاد، وفقا للهيئات التنظيمية المالية.
وسعى البنك الذي يتخذ من فيينا مقرا له إلى طمأنة شركائه التجاريين والمساهمين بشأن انكشافه للمجموعة العقارية. وكثير من قروضه مؤمنة بعقارات يقول إنها تضمن أكثر من انكشافه للشركة.
وقال متحدث باسم بنك الاحتياطي الهندي إنه لا يستطيع التعليق على شؤون العملاء.
وقد تظهر المجموعة التايلاندية المركزية كمشتر محتمل، التي تشارك في ملكية بعض العقارات الأكثر قيمة في مجموعة سيجنا، مثل متجر سيلفريدجز البريطاني متعدد الأقسام.
قال أحد الأشخاص المقربين من سيجنا: إن الشركة المتعطشة للمال قد تجد نفسها على استعداد لقبول عرض منخفض القيمة في سبيل إنقاذها.
وفي الوقت نفسه، في موطنه النمسا، فإن التحقيق في مشكلات بينكو يدخل السرور والبهجة على قلوب البعض.
لطالما كان الرجل البالغ من العمر 46 عاما لاعبا أساسيا في المشهد المجتمعي في فيينا، حيث كان يرعى المشاهير والسياسيين. ووصف مسؤولون مقربون من المستشار السابق سيباستيان كورتس بينكو مازحين بأنه "السيد 64 مترا"، في إشارة إلى اليخت الموجود في البحر الأدرياتيكي الذي كانوا يجدون أنفسهم أحيانا مدعوين على متنه.
وكانت إحدى المناسبات السنوية البارزة هي تورجيلين - وهو احتفال تقليدي يعقد في نوفمبر من ولاية تيرول استورده بنكو إلى فيينا وتحول إلى حدث مجتمعي فخم.
لكن شهرة بينكو جعلته هدفا أيضا. على الرغم من عدم توجيه أي اتهامات إليه، إلا أنه يتم التحقيق معه كجزء من تحقيق نمساوي واسع النطاق بشأن الفساد الحكومي. كما داهمت الشرطة النمساوية المقر الرئيس لشركة سيجنا في إنسبروك في أكتوبر الماضي.
كما تصاعد الغضب العام بشأن أساليب العمل التي يتبعها بنكو. حيث تم إفلاس سلسلتين أوروبيتين كبيرتين للبيع بالتجزئة كان اشتراهما، وهما جاليريا كارشتات كاوفهوف الألمانية وكيكا/لاينر النمساوية، في العام الماضي.
وفي عام 2018، اشترى بينكو رابع أكبر صحيفة في النمسا، وهي صحيفة كرونين زايتونج – وأوضح أنه يريد مزيدا من السيطرة. ما وضعه في صراع مع المالك الأكبر لها – عائلة ديشاند، التي يعمل كريستوف ديشاند فيها أيضا كمحرر للصحيفة.
لقد كانت صحيفة كرونين، كما هو معروف، أول من كشف عن رحيل بينكو من الإمبراطورية التي بناها. وأعلنت أن "هذا هو ناقوس الموت".

"ناقوس الموت".. كيف أُجبر صاحب مبنى كرايسلر وسيلفريدجز على الخروج؟

أضف تعليق