FINANCIAL TIMES

رسائل البنوك المركزية .. الوضوح مطلب

رسائل البنوك المركزية .. الوضوح مطلب

لن تعود أسعار الفائدة إلى الصفر. البنوك المركزية تعرف ذلك، وأسواق السندات سعرت ذلك، وأسواق الأسهم تخشى ذلك. يتعين على البنوك المركزية أن تبذل مزيدا من الجهد لإيصال هذه الحقيقة.
لكن الأمر لا يتعلق فقط بما تقوله البنوك المركزية، بل أيضا كيف تقوله. في بحث حديث، درست أنا وهارون ممتاز وروكسان سبيتزناجل كيفية تحرك أسعار الأصول بعد تواصل بنك إنجلترا، من خلال الخطابات، وإعلانات السياسة النقدية، والمؤتمرات الصحافية.
وجدنا أن أسعار الأصول تستجيب استجابة مختلفة لكيفية نقل المعلومات الجديدة حول مسار السياسة في المستقبل. تعد خطابات أعضاء لجنة السياسة النقدية أكثر فاعلية في التأثير في عوائد السندات الحكومية متوسطة المدى وطويلته من إعلانات أسعار الفائدة والمؤتمرات الصحافية.
الأدلة على ذلك أقوى بالنسبة إلى الولايات المتحدة. يفضل الاحتياطي الفيدرالي عدم مفاجأة الأسواق. تعد خطابات رئيس الاحتياطي الفيدرالي أكثر أهمية من إعلانات اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في دفع أسعار الأسهم الأمريكية وعوائد السندات إلى ما هو أبعد من أقصر آجال الاستحقاق.
ليس من السهل قياس التواصل الجيد. لكن التواصل المعقد يميل إلى أن يتبعه قدر أكبر من التقلبات في أسعار الأصول، وهو أمر غير مستحب من منظور الاقتصاد الكلي.
والمسألة، بالطبع، معقدة. يمكن أن يكون مصدر التواصل المعقد هو الاختيار السيئ للكلمات وعدم وضوح التفكير. لكن يمكن أن يكون أيضا يتعلق ببيئة اقتصادية مليئة بالتحديات. وهذا من شأنه أن يزيد من صعوبة التنبؤ بالمنحى الذي يتجه إليه الاقتصاد، كما أنه يعقد الاستجابة السياسية المناسبة. مثلا، عندما تعرض الاقتصاد لصدمات، مثل الجائحة والحرب في أوكرانيا، كان على البنوك المركزية أن تعمل بمفاهيم وبيانات جديدة لتحديد أفضل مسار للسياسة. واستنادا إلى تراكيب اللغة والكلمات، نجد أن تواصل بنك إنجلترا أصبح أكثر تعقيدا بمرور الوقت، حيث أصبحت البيئة أكثر صعوبة. ربما يكون التواصل المعقد أيضا نتيجة للصراع بين أعضاء لجنة السياسة النقدية، فقد يكون من الصعب نقل الاختلافات في وجهات النظر بطريقة بسيطة.
لكن ضرورة التواصل أصبحت مهمة خاصة الآن، حيث تناقش الأسواق إلى متى ستستمر أسعار الفائدة المرتفعة. تمت مناقشة حول الحظ السعيد والسياسة الجيدة باعتبارهما محركين رئيسين للاعتدال الكبير الذي ساد في الفترة بين 1987 و2006، وهي فترة تميزت بالاستقرار الاقتصادي وانخفاض تقلبات السوق. وفي أعقاب الجائحة والحرب في أوكرانيا واستمرار التوترات الجيوسياسية، هناك مخاوف من أننا ندخل فترة من التقلبات الكبيرة.
ما لا شك فيه أن العنصر الدوري والهيكلي لأسعار الفائدة ارتفع. وتحدد البنوك المركزية الموقف الدوري لأسعار الفائدة. عندما يكون التضخم مرتفعا والنمو مرنا، تحدد البنوك المركزية سعر الفائدة الأساسي أعلى من المعدل المحايد، وهو المستوى الذي يسير عنده الاقتصاد عند مستوى التوازن، والمعروف أيضا باسم "أر ستار". هذه قصة اليوم. قال الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا "إن أسعار الفائدة مقيدة وستظل كذلك لبعض الوقت".
وجهة نظرنا هي أن أسعار الفائدة ستتراجع عن ذروتها الدورية في 2024. ومع عودة الاقتصاد إلى التوازن، سينخفض العنصر الدوري إلى الصفر. لكن بحثنا يظهر أن سعر الفائدة الحقيقي المحايد في الولايات المتحدة ارتفع نحو نقطة مئوية واحدة منذ الركود الكبير بعد الأزمة المالية بين 2007 و2008 إلى نحو 1.5 في المائة اليوم، ما يجعل السعر الاسمي المحايد يبلغ نحو 3.5 في المائة. وتشير التقديرات الداخلية إلى أن أسعار الفائدة المحايدة في المملكة المتحدة ومنطقة اليورو قد زادت بمقدار مشابه.
لذلك فإن متوسط أسعار الفائدة على مدى العقد المقبل سيكون أعلى بكثير من متوسطه على مدى العقد الماضي. إذا كان ذلك صحيحا، فسيكون له آثار عميقة في الحكومات، والأسواق والمستثمرين.
يقدم الاحتياطي الفيدرالي توقعات لما يعتقد صناع السياسة فيه أنه سيكون مستوى أسعار الفائدة على المدى الطويل عبر مخططاته النقطية للتوقعات الفردية. لكن الاحتياطي الفيدرالي كان بطيئا في تغيير قرار سعر الفائدة المحايد، فقد كان سعر فائدته على المدى الطويل أكثر من 4 في المائة في 2012 وانخفض إلى أقل من 3 في المائة فقط في 2016. وكان البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا مترددين في تقديم إرشادات بشأن ما يمكن أن يبدو عليه وضع السياسة المحايدة.
يأتي هذا من الخوف من حدوث أخطاء والشكوك المحيطة بتقدير مستوى "أر-ستار". ومع ذلك، فإن التواصل الجيد - الواضح والبسيط - هو إحدى الطرق المحتملة للتخفيف من التقلبات، وتزويد الأسواق المالية بمرتكز لأسعار الفائدة متوسطة الأجل. ببساطة، الخطابات تساعد السياسة النقدية على إنجاز المهمة. يعد التواصل في الوقت المناسب بشأن تحديد السياسات المحايدة أمرا ضروريا، فهو يؤثر في أسعار الأصول والظروف المالية، وهي قناة مهمة لنقل السياسة النقدية. بوسع صناع السياسات أن يفعلوا ما هو أفضل من ذلك. وينبغي لهم أن يتبنوا المعدل المحايد ويتحدثوا عنه.

*كبيرة خبراء الاقتصاد الأوروبي ورئيسة الاستراتيجية الاستثمارية في "فانجارد" أوروبا.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES