"قتلة زهرة القمر" .. المال قبل الحب

"قتلة زهرة القمر" .. المال قبل الحب
"قتلة زهرة القمر" .. المال قبل الحب

تعود السينما لتؤرخ ما تتناوله الكتب في العادة، خاصة عندما يتعلق الأمر بموضوع الإبادة لشعب كان له وجوده وثقافته وحضوره، التي تتطلب الاستناد إلى حقيقة تسردها الكتب، وهو ما حصل في فيلم "قتلة زهرة القمر Killers of the Flower Moon" المقتبس من قصة حقيقية حملتها صفحات كتاب "قتلة زهرة القمر: جرائم قتل أوساج وولادة مكتب التحقيقات الفيدرالي" للكاتب الصحافي ديفيد جران الذي نشره 2017، حيث تناول موضوع إبادة السكان الأصليين التي تعرضت لها ولاية اوكلاهوما، وبقيت ملفات تحقيقاتها السرية مطوية في أدراج وكالة الاستخبارات الأمريكية.
ورغم أن مدة عرض الفيلم طويلة مقارنة بالأعمال السينمائية، فهو يمتد على نحو ثلاث ساعات و26 دقيقة، غير أنه يأخذ المشاهد إلى رحلة عبر الذاكرة والتاريخ ليحكي قصة واقعية عن الجشع والقتل التي طالت السكان الأصليين في أمريكا، ويعد من أهم أفلام العام الذي يشارف على الانتهاء، ويعود سبب أهميته إلى قصة العمل وواقعيتها، فضلا عن وجود ثلاثية فنية أعطت العمل الطابع الترويجي المناسب وتهافت الجمهور لمشاهدته منذ بداية عرضه في صالات السينما أواخر الشهر الماضي، هذا فضلا عن أن الفيلم هو التعاون السابع بين ليوناردو دى كابريو بطل الفيلم ومخرجه الحائز جائزة الأوسكار مارتن سكورسيزى.

ينقل الفيلم صورة مغايرة تماما عن الغرب الأمريكي ومعاملتهم للهنود الحمر، ففي العقود التي سبقت الحرب العالمية الأولى، أصبح أعضاء قبيلة أوساج في اوكلاهوما أثرياء للغاية، بعد اكتشاف النفط في أراضيهم، لذا يخطط راعي الماشية ويليام هيل، الذي يلعب دوره روبرت دي نيرو خطة تضمن زواج ابن أخيه إرنست بوركهارت الذي يلعب دوره ليوناردو دي كابريو، للزواج من إحدى سيدات القبيلة مولي كايل التي تجسد دورها ليلي جلادستون، ولأن المال يحرك أرنست أكثر من الحب، ورغم أنه وقع في حب مولي وتزوجها، إلا أن هدفه الأسمى للبحث عن الثروة والمكاسب جعلت مولي تشعر بشيء مختلف تجاه زوجها الذي كان يحيك مع عمه مؤامرات قتل أخواتها واحدة تلوى الأخرى. وهنا يتضح كيف أن الغرب يبحث عن المكاسب بشتى الوسائل وحتى لو على حساب المشاعر الإنسانية ما يمنح العمل أبعادا مختلفة ورسائل أكثر شمولية ولعله يكشف أكثر المؤامرات المخيفة في التاريخ الأمريكي.

قصة حقيقية

يسرد الفيلم تفاصيل قتل أعضاء من قبيلة أوساج في الولايات المتحدة في ظروف غامضة، ما دفع مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى إجراء أكبر عملية تحقيقات للوصول إلى الحقيقة، ويصور القتل المتسلسل لأعضاء من قبيلة أوساج الغنية بالنفط، وهي سلسلة من الجرائم التي أصبحت تعرف باسم عهد الإرهاب. الفيلم كما بات معروفا مأخوذ من قصة حقيقية عن كتاب يكشف مؤلفه واحدة من أكثر المؤامرات المخيفة في التاريخ الأمريكي التي قتل فيها العشرات بدم بارد، وإسهام مكتب التحقيقات الفيدرالية في دفن القضية بدلا من التحقيق فيها، فيسرد الكتاب قصص أعوام من البحث ويكشف الأدلة الجديدة.
كما يبحث في سلسلة من جرائم القتل لإحدى القبائل من الشعوب الأصلية في الولايات المتحدة تسمى "الأوساج" في ولاية أوكلاهوما الأمريكية، الذين تحولوا إلى أثرياء لكنهم لم ينجحوا في الاستفادة من ثرواتهم، أو لم يسمح لهم، أن يتمتعوا بأموالهم، فحولت الثروة حياتهم إلى سلسلة مرعبة من عمليات القتل الغامضة، وعلى الرغم من غموض وشراسة ما تعرض له العشرات منهم، فإن التحقيقات في قتلهم لم تكن ذات أهمية. وهو ما علق عليه سكورسيزي في أحد حواراته، فقال "كأن العالم السفلي هو المسيطر على كل شيء، فكان من المرجح أن تذهب إلى السجن لقتل كلب أكثر من قتل أحد من السكان الأصليين".

تقليدية الأساطير

حافظ مخرج العمل على ثوابت تقليدية الأساطير لجهة رعاة البقر والخارجين عن القانون والحقيقة القذرة التي تحيط عالمهم، ونجح في أن يكون الأول في تاريخه من نوع أفلام "الويسترن" أو الغرب الأمريكي، وقد أسهم نجاح الكتاب في سهولة تحويله إلى عمل سينمائي، تضافرت فيه جميع عوامل النجاح، ولا سيما مع اختيار إريك روث الحاصل على جائزة الأوسكار لكتابة السيناريو وترابط الأحداث.
وفي العموم الفيلم عبارة عن سلسلة مشوقة متصلة ببعضها بعضا، وبمرور الوقت يصبح تيار الفيلم أكثر حدة، بسبب محاولات إرنست لتوظيف قتلة محترفين لقتل رؤساء قبيلة أوساج، وعلى الرغم من أن مدة الفيلم طويلة إلا أن وتيرته سريعة ومدروسة، حيث يركز على المحاولات المختلفة لتحقيق إبادة جماعية للقبيلة. وقد حصل دي كابريو على إشادة كبيرة عن دوره في الفيلم حيث استطاع أن يمزج بين شخصيته المحبة لمولي وشخصيته الشريرة الأخرى، التي تسعى إلى السيطرة على منابع النفط متناسيا أي اعتبارات للقيم الإنسانية والمشاعر التي تربطه بزوجته مولي.

ثنائية وثلاثية ناجحة

على الرغم من أن الفيلم تشويقي بامتياز ويبرز صورا عن واقع تحكمه السلطة والقسوة والإجرام، غير أنه حقق بوجود ثنائية دي كابيرو وجلادستون في دور محققين في جريمة قتل تضمنت مقتل أفراد من قبيلة أوساج وقصة الحب التي لم تنجح في التخفيف من الشر أو تحويل مساره، هم أسباب رئيسة لنجاح الفيلم، وقد عد النقاد أن اختيار المخرج سكورسيزي النجمة ليلي جلادستون للبطولة النسائية في الفيلم هو من أهم اختياراته على الإطلاق، بل ذهب البعض إلى أبعد من ذلك عادا أنها أفضل وجه نسائي جسد دورا يخرجه الأخير ويتحكم بمفاتيح حركته داخل القصة، هذا فضلا عن البريق الذي أضافته ثنائية دي كابيرو ودينيرو والتي وحدها كانت كفيلة باستدراج عشاق الفن السابع إلى صالات السينما ومتابعة الفيلم حتى نهايته.

ميزانية عالية وإيرادات كبيرة

لأن "قتلة زهرة القمر" فيلم إثارة بامتياز ويلقي الضوء على الجريمة الحقيقية التي حدثت في عشرينيات القرن الماضي، في ولاية أوكلاهوما، كان لا بد من توظيف ميزانية كبيرة لخدمة الفكرة، من ديكور وأزياء وأجهزة ومعدات ومواقع تصوير وغيرها. لهذا فقد خصصت شركتا أبل وبارامونت للإنتاج السينمائي ميزانية بلغت 200 مليون دولار جمعت لإنتاج الفيلم، وإضافة إلى النجوم الثلاثة شارك في العمل بليمونز، برندان فريزر، جيسى بليمنز، لويس كانسيلمى، ستورجيل سيمپسون، جايسون إيزبل، ريدر جينيفر، جون ليثجو، راندى هاوسر، ولارى سيلرز.
تم التصوير في ولاية أوكلاهوما، وبعد عرضه في صالات السينما حيث تمكن الفيلم من تحقيق إيرادات وصلت إلى 59 مليون و500 ألف دولار، هذا وقد حصل الفيلم على تقييم مرتفع من النقاد العالميين، وصل إلى 97 في المائة من قبل 73 ناقدا على موقع التقييمات، وعد أحد أكثر الأفلام شهرة في مهرجان كان السينمائي، حيث نال تسع دقائق من التصفيق المستمر وتمت الإشادة بالقصة والسيناريو والتمثيل والتصوير فضلا عن الإخراج ووصفه النقاد في المهرجان على أنه انتصار.

الأكثر قراءة