صدع في النظام المصرفي الأوروبي .. المخاطر تثقل كاهل الجميع
حذر أندريا إنريا، رئيس قسم الإشراف في البنك المركزي الأوروبي، من أن التفكك المتزايد للنظام المصرفي في أوروبا يشكل "صدعا" يزيد من الضعف المالي ويثقل كاهل الجميع بالتكاليف المرتفعة.
إنريا الذي سيتنحى عن منصبه في نهاية العام الحالي بعد خمسة أعوام كرئيس للإشراف في البنك المركزي الأوروبي، قال لـ"فايننشيال تايمز" إن "أسفه الشخصي" الأكبر هو كيف أصبحت السوق المصرفية في منطقة اليورو التي تضم 20 دولة "مجزأة بشكل متزايد على أسس وطنية".
قال: "ما زلنا نحافظ على هذا النوع من الصدوع (الوطنية) في ترتيباتنا المؤسسية، من حيث التكامل ومن حيث شبكة الأمان. هذه هي المشكلة الرئيسة التي ينبغي أن نصلحها".
وأضاف إنريا أن الصدع أوجد "عنصرا خطيرا".
قال: "إذا كانت هناك صدمة ستضرب جزءا من الاتحاد المصرفي، فلن يعمل القطاع المصرفي بقدر استطاعته كممتص للصدمات من خلال امتصاص الخسائر في بلد ما من خلال الأرباح في بلد آخر".
تعرضت البنوك في جميع أنحاء أوروبا لانتقادات لعدم تمرير الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة إلى المودعين بالسرعة نفسها التي زادت بها تكلفة القروض. وقد عززت الفجوة بين أسعار الفائدة على القروض والمدخرات أرباح المقرضين ودفعت بعض الدول، مثل إسبانيا وإيطاليا، إلى فرض ضرائب غير متوقعة على القطاع.
قال إنريا إن هذا يرجع جزئيا إلى عدم وجود منافسة عبر الحدود في منطقة العملة الموحدة. قال: "إذا كان هناك مزيد من المنافسة، وإذا كانت هناك سوق أكثر تكاملا، فسيكون ذلك أكثر فائدة لعملاء البنوك، سواء كانوا المودعين أو المقترضين".
كان الإيطالي ذو الـ62 عاما قوة دافعة في تكامل السوق المالية الأوروبية. وكان أول رئيس للهيئة المصرفية الأوروبية لمدة ثمانية أعوام قبل انضمامه إلى البنك المركزي الأوروبي. أخيرا، وافق زعماء الاتحاد الأوروبي على تعيين كلوديا بوخ، نائبة رئيس البنك المركزي الألماني، خلفا له في نهاية ديسمبر.
تم إنشاء آلية الإشراف الوحيدة في 2014 لتنسيق الرقابة على الخدمات المصرفية عبر كتلة العملة الموحدة استجابة لأزمة الديون السيادية في المنطقة قبل عقد من الزمن. وهي آلية تراقب أكبر 110 بنوك في الكتلة وأكثرها أهمية من الناحية النظامية.
لم يتأثر المقرضون نسبيا في منطقة اليورو من الاضطرابات التي شهدها القطاع في مارس، عندما انهارت عدة بنوك أمريكية بما فيها بنك وادي السيليكون وأجبرت أزمة السيولة في بنك كريدي سويس على الارتماء في أحضان منافسه بنك يو بي إس.
مع ذلك، قال إنريا إن الاضطرابات في القطاع "أخافتني حقا" بسبب كيفية "انتقال المستثمرين إلى الحلقة الضعيفة التالية" في الأزمة من خلال المراهنة على سعر سهم البنك أو عن طريق شراء التأمين ضد التخلف عن سداد الديون. وكان لذلك "تأثير سلبي مباشر في سلوك أمناء الصناديق المؤسسية والشركات" الذين يسحبون الودائع من البنوك التي ينظر إليها على أنها ضعيفة.
قال إن المشرفين "بحاجة إلى إيلاء كثير من الاهتمام لهذا النوع من الديناميكيات" على وجه الخصوص من خلال التدقيق في "مخاطر التمويل والسيولة لدى البنوك أكثر بكثير مما فعلنا في الماضي". ويجب على الهيئات الرقابية أيضا تشديد الرقابة على الحوكمة ونماذج الأعمال، التي "تعد المحرك الذي يجتذب الهجمات من المستثمرين".
وعلى مدار الجزء الأكبر من العقد الماضي كانت هناك محاولات فاشلة لاستكمال الاتحاد المصرفي في منطقة اليورو من خلال الاتفاق على خطة مشتركة لضمان الودائع للكتلة. قال إنريا إن هذا الأمر "غارق تماما في شبكة من الخطوط الحمراء من قبل الدول الأعضاء". قال لكن حتى دون ذلك، يستطيع المشرعون في الاتحاد الأوروبي فعل المزيد لتشجيع البنوك على التوسع عبر الحدود الوطنية.
قال إن هناك "عنصرا من قصر النظر" من جانب الهيئات التنظيمية الوطنية، التي لم تقدر فوائد التكامل، من جانب البنوك التي لا تفعل ما يكفي لجعل الاتحاد المصرفي "يعمل في أفضل حالاته"، داعيا إلى "مزيد من الشجاعة" من كلا الجانبين.
يقول المسؤولون التنفيذيون في البنوك إنهم لا يستطيعون إنشاء أعمال في منطقة اليورو حقا لأنه بينما يتعامل البنك المركزي الأوروبي التنظيم التحوطي عبر الكتلة، فعليهم التعامل مع مزيج من قواعد السلوك المختلفة للسلطات الوطنية.
لمح إنريا إلى أنه يمكن إخضاع مزيد من الإشراف على السلوك تحت اختصاص البنك المركزي الأوروبي، مضيفا أن هذا قد يعزز مشروع اتحاد أسواق رأس المال في الاتحاد الأوروبي، حملة الكتلة طويلة الأمد لدمج نظامها المالي بالكامل. "إذا كنت تريد اتحاد أسواق رأس المال، فأنت بحاجة إلى اتخاذ خطوات أكثر جرأة أيضا في اتجاه دمج الإشراف على جانب السلوك"، كما قال.
يسعى المنظمون العالميون إلى قمع المخاطر خارج القطاع المصرفي بين صناديق التحوط والأسهم الخاصة وبورصات العملات المشفرة. قال إنريا إن النهج الأولي كان للسيطرة على المخاطر من خلال تكديس متطلبات إضافية على البنوك التي تمول نظام "الظل المصرفي" البيئي.
تناقش هيئات الرقابة ما إذا كان ينبغي توسيع "النطاق التنظيمي" ليشمل مزيدا من الإشراف المباشر على الجهات الأخرى بما في ذلك تلك التي تقدم مجموعة من الخدمات الشبيهة بالبنوك وتعمل في الواقع "كبنوك افتراضية". شدد إنريا على أنه لا يجادل لتوسيع سلطات البنك المركزي الأوروبي.