سوق الائتمان تتصدع .. والمستثمرون في حالة ترقب

سوق الائتمان تتصدع .. والمستثمرون في حالة ترقب

وصل الانخفاض الكبير للسندات الحكومية في 2023 إلى النقطة التي أخذ عندها المصرفيون والمستثمرون يتململون في مقاعدهم أملا في تغير الحال وينظرون إلى بعضهم بعضا بقلق، ويتساءلون متى سيحدث شيء ما.
من السهل أن نرى السبب. فقد تحول الانخفاض التدريجي في أسعار السندات الحكومية إلى سيل جارف في الأسابيع الثلاثة الماضية أو نحو ذلك، الأمر الذي أدى إلى تدمير قيمة عديد من محافظ السندات في طريقه. ارتفعت العوائد القياسية على سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشرة أعوام إلى أكثر من 5 في المائة للمرة الأولى منذ 2007 - وهو رقم تاريخي آخر تم تجاوزه.
ونظرا إلى حجم هذا الارتفاع، فمن الطبيعي أن نتساءل عما إذا كان هناك شيء سيئ ينشأ في هذه الفوضى، خاصة أن ذكرى أزمة السندات الحكومية القصيرة والحادة التي شهدتها المملكة المتحدة في العام الماضي لا تزال ماثلة في الأذهان.
كتب دافيد أونيجليا من شركة تي إس لومبارد هذا الأسبوع: "إن ارتفاع العوائد العالمية بقيادة الولايات المتحدة أثار مخاوف من انهيار "شيء" ما قريبا. لكن مجموعة واسعة من مؤشرات الإجهاد تظهر أن التحركات كانت منظمة وأن الأسواق أقل توترا مما كانت عليه عندما اندلعت الأزمة في المملكة المتحدة".
وأشار إلى أن التقلبات مرتفعة، ولكنها ليست شديدة. فهي محتواة بشكل جيد إلى حد ما في السوق الأمريكية. والمزاج السائد هو الاستسلام الهادئ أكثر من الذعر. ورغم ذلك، إذا أصغيت بعناية، يمكنك سماع رنين أجراس الإنذار الخافت في أسواق ديون الشركات.
حذر الاقتصاديون منذ أشهر من أنه في مرحلة ما، فإن الارتفاع في عوائد السندات، والارتفاع المقابل في تكاليف الاقتراض للجميع، من الأسر إلى الحكومات، سيبدأ في التأثير. لقد أصبح هذا الواقع الغريب المتمثل في بيئة أسعار الفائدة الأعلى لفترة أطول أكثر وضوحا الآن.
لقد انهار إصدار السندات الحكومية من الأسواق الناشئة إلى نحو ملياري دولار هذا الشهر، وفقا لبيانات من بنك جيه بي مورجان، بعد أن كان بأرقام من خانتين بأريحية في معظم هذا العام. تحجم الشركات أيضا عن تكاليف الاقتراض الباهظة، ما يجعل أكتوبر الأبطأ في إصدار ديون الشركات الأمريكية منذ أكثر من عقد.
والديون الموجودة بالفعل تتداعى. أشارت وكالة التصنيف ستاندرد آند بورز هذا الشهر إلى أن الإحصاء العالمي للتخلف عن سداد سندات الشركات ارتفع إلى 118 في سبتمبر - أي ما يقارب ضعفي الإجمالي في الوقت نفسه في 2022 وأعلى بكثير من المتوسط المعتاد لهذا الوقت من العام، وهو 101. والإجمالي الأوروبي هو ثاني أعلى مستوى منذ 2008، ولم يفقه إلا 2020 الذي كان قاتما لأسباب واضحة.
هناك شيء آخر لافت للنظر: حيث أشارت وكالة ستاندرد آند بورز إلى أن أكثر من نصف حالات التخلف عن السداد على مستوى العالم في سبتمبر كانت ما يسمى التبادلات المتعثرة، حيث تقوم الشركات غير المستقرة بإعادة شراء سنداتها بأسعار منخفضة. قال بول واترز، رئيس أبحاث الائتمان الأوروبية التابعة لوكالة التصنيف، إنه عندما يتم ذلك من قبل الشركات الضعيفة، ومع بعض عناصر الفشل في الوفاء بالوعود التي قطعتها هذه الشركات للمقرضين، فإن ذلك يعد بمنزلة إشارة على التعثر.
قال إن عديدا من هذه الشركات يعمل في ظل هياكل رأسمالية غير مستدامة منذ بعض الوقت. فربما افترضت مثلا، أنها قادرة على الاستمرار في إعادة جدولة الديون بأسعار معقولة. ويعمل ارتفاع تكاليف التمويل وضعف الاقتصاد، خاصة في أوروبا، على وضع هذه النماذج تحت ضغوط لا تطاق. وأضاف أنه نتيجة لذلك "تحاول الشركات إعادة شراء الديون وشراء مزيد من الوقت".
هذا ليس التحذير الأول من نوعه من جانب ستاندرد آند بورز. ففي يونيو، أشار التقرير إلى ارتفاع في حالات التخلف الانتقائي عن السداد منذ 2008، حيث تفشل شركة في سداد أحد سنداتها، مثلا، ولكنها تظل تسدد سنداتها الأخرى في وقت استحقاقها. وقالت إن حالات التخلف الانتقائي عن السداد تمثل نحو نصف الإجمالي هذا العام – وقالت إنها نسبة أقل مما كانت عليه في 2022، لكنها لا تزال أعلى بكثير من معدل 25 في المائة الذي كان سائدا في 2008.
إن هذا أمر مثير للقلق لأنه بمجرد أن تجربه الشركات، يمكن أن تصبح بسهولة ما تسميه وكالة التصنيف "المخالفين المتكررين" في "وضع حرج". وتشير الحسابات إلى أن الشركات التي تسلك هذا المسار لديها فرصة نسبتها 35 في المائة للتخلف عن السداد مرة أخرى في غضون عامين.
تاتيانا جريل كاسترو، الرئيسة المشاركة للأسواق العامة في شركة موزينيتش الاستثمارية التي تركز على الائتمان، تسلط الضوء أيضا على زيادة معاملات تعديل الشروط وتمديدها - أو، كما قالت: "إذا كنت أقل تهذيبا، قم بالتعديل وتظاهر بأن المشكلة قد تم حلها".
تخبر الشركات المستثمرين مثل تاتيانا جريل كاسترو أنها تكافح من أجل سداد ديونها - ربما كانوا غير قادرين على اقتراض ديون جديدة لسدادها بأسعار الوقت الراهن الأعلى بكثير. لذا فهي تسعى بدلا من ذلك إلى التوصل إلى اتفاق لتأجيل استحقاق السندات المستحقة إلى المستقبل. وسألت: "ما البديل؟" إذا رفضت، فقد تدخل الشركة في حالة صعبة من التخلف عن السداد، وقد ينتهي بها الأمر بالحصول على 30 سنتا عن كل دولار. وإذا وافقت، فيمكنها أن تأمل أن تحتفظ السندات بقيمتها، مثلا، 80 سنتا، مع وجود فرصة على الأقل في أن تحصل على 100 سنت كاملة في المستقبل.
إن كل هذه الضغوط لا تنتهي بالضرورة بكارثة بالنسبة إلى حاملي سندات الشركات، لأنهم يعتمدون على شيئين: أسواق الديون الحكومية الأساسية، وشريحة العائد الإضافي لمخاطر تخلف الشركة، أو انتشار الائتمان. فإذا وصل الانكماش الاقتصادي إلى نطاق كبير يكفي للتسبب في مزيد من حالات التخلف عن السداد، فمن المفترض نظريا أن ترتفع أسعار السندات الحكومية، وبالتالي يتم دعم العوائد مؤقتا، حتى لو انفجرت فروقات العوائد.
ولكن، بطريقة ما، فإن كل هذا القلق بشأن ما سيحدث فجأة هو في غير محله إلى حد ما. فالتوتر موجود بالفعل إذا بحثت عنه.

الأكثر قراءة